بقلم / دكتور حازم حسني
هذه كلمات موجهة للذين يطالبوننا بأن لا نكون مثل "عواجيز الفرح"، وبألا ننغص على "الشعب" فرحته بتحليلاتنا وأرائنا "اللى ما لهاش أى لازمة خالص"!! .... فلهؤلاء الذين أدمنوا الفرح على أنفسهم، أمام أبواب اللجان وأمام أبواب المؤتمرات، نحكى لهم ولأنفسنا "حكاية شعب تايه من زمان"!!ـ
فى ثمانينات القرن الماضى قرر الرئيس الأسبق مبارك أن يداعب أحلام وطموحات المصريين بحديث عن مشروعات طموحة لإقامة مفاعلات نووية فى مصر، وكان لهذا الحديث فعل السحر فى حشد المصريين وراء قيادة سياسية بدت بسبب هذا "الحديث النووى" وكأنها تسعى لأن تحصل مصر على بطاقة العضوية فى النادى النووى؛ ثم مر الزمن بعد ذلك علينا، وانشغل المصريون بما انشغلوا به، دون أن نخطو نحو تحقيق هذا الهدف القومى، بل وبدت مصر منذئذ وكأنها طاردة لكفاءاتها العلمية التى يمكنها الاضطلاع بهذه المهمة (أستخدم هنا كلمة "كأنها" على سبيل التشكك العلمى)!!ـ
مضت بنا السنون ثم جاء مبارك الابن ليدشن عهده بمؤتمر حاشد للحزب الوطنى بحديث مستفيض عن الطاقة النووية وأهميتها فى صناعة مصر المستقبل ... ومرة أخرى، استحوذت "رؤية" أمين سياسات الحزب الوطنى على اهتمام الإعلام المصرى، ثم "مضى قطار العمر يا ولدى" دون أن تحصل الطاقة النووية على تأشيرة دخول للأراضى المصرية، وتم الاكتفاء بتأثير أخبارها على نجاح الحشد السياسى وراء الوريث الذى تم الترويج له ولعهده بحديث "المستقبل" الذى لا يعرف أسراره إلا رجال الدولة المؤهلون لحكم دولتنا الفتية، وببركة الوعود بإنشاء المفاعلات النووية!!ـ
هذا الحديث عن الطاقة النووية، الذى ثبتت نجاعته السياسية سابقاً مرتين، تم استدعاؤه من مخازن التعبئة والحشد للترويج لرؤية الرئيس السيسى لمستقبل مصر النووى، فعزف الإعلام المصرى على أوتار المحبة التى تربط السيد الرئيس بأخيه الرئيس الروسى الذى قرر أن يضع كل إمكانات روسيا الاتحادية فى خدمة طموحات الرئيس المصرى باعتبارهما "ولاد مهنة واحدة"!! وهكذا نشر الإعلام صور مجموعة من الأكواخ وبعض الأخشاب الملقاة أمامها لإثبات أن العمل فى بناء المفاعلات النووية بالضبعة قد بدأ بالفعل، رغم نفى السفير الروسى المتكرر لمبالغات الإعلام المصرى!!ـ
جاءنا المؤتمر الاقتصادى، وتصدرت المشهد مشاريع توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية والرياح ومحطات التوليد التقليدية، وتوارى تماماً الحديث عن أية مشاريع كانت منذ أسابيع قليلة ملء السمع والبصر عن إقامة مفاعلات نووية!! ... تزامن هذا كله مع حديث عن مشاريع سياحية يتم التخطيط لإقامتها بالساحل الشمالى، غير بعيد من موقع الضبعة، وهو ما يؤشر على وجود محاولات شديدة الإلحاح لتقديم تسهيلات استثمارية لمصر شرط أن تنسى - أو تعمل نفسها مش واخدة بالها - من أن ثمة مشروعاً تم الترويج له ثلاث مرات من قبل لإنشاء مفاعلات نووية!!ـ
لا مانع عندى من صرف النظر عن مشروع الطاقة النووية، ولا كراهية لدى لمشاريع توليد الطاقة من مصادر طبيعية غير معرضة للنضوب مثل الشمس والرياح، لكن يحق لنا ونحن نتحدث بغير خجل عن تقييم نتائج المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ، تحت عنوان "مستقبل مصر"، أن نسأل أولى الأمر عما إذا كان ثمة رابط بين العروض السخية للاستثمار فى مجالات توليد الطاقة "غير النووية" وبين اختفاء الحديث فى المؤتمر عن الاستثمار فى إنشاء المفاعلات النووية!! وعما إذا كان هذا مؤشراً على النجاح!! وعن أى نوع من أنواع النجاح نتحدث؟ والأهم من ذلك كله، نجاح من؟!!ـ
رجاءً أن تخاطبوا عقولنا، وأن تحترموا ما تبقى فى هذا البلد من قدرة على التحليل وعلى الفهم والإدراك، بعيداً عن شعبوية الرئيس التى صارت تقاس بعدد صيحات "الياى" التى صاحبت التقاط صور "السِلْفى"، وبعيداً عن زهو السيد الرئيس بقدرته على "الفصال"، وبعيداً عن زفة الفرح البلدى اللى شغال من ساعتها، وعن المعازيم اللى مشغولين بالفرح أكتر ما هم مشغولين بمعرفة مين بالظبط اللى بيكتب على العروسة!!ـ