مقـــال د/ عمــــاد جـــاد
يطل علينا من حين الى آخر الحديث عن مصالحة وطنية في مصر، ويقصد بها إجراء مصالحة بين جماعة الإخوان والنظام السياسي القائم في البلاد وهو حديث يصيب قطاعات كبيرة من المصريين بالإنزعاج الشديد نظرا لإدراك غالبية المصريين أن الجماعة ارتكبت جرائم بحق الوطن ونثرت الدماء في معظم مدن مصر، ويساهم صمت النظام وعدم المبادرة بنفي مثل هذه المعلومات في زيادة حدة الإنزعاج وهو أمر بات يثير حالة شديدة من الاستياء في الشارع المصري الذي يدرك أن الجماعة تعرضت لهزيمة ساحقة على يد الشعب المصري وأن ما يدور من حديث عن المصالحة إنما يأتي على خلفية الهزيمة ولا ينطلق من تغيير حقيقي في فكر وقناعات هذه الجماعة.
يعلم المصريون أن جماعة الاخوان أممية التنظيم، وأن ولاء قادة وكوادر الجماعة، ليس للأوطان التي يعيشون فيها ويحملون جنسيتها، فهم يتعاملون مع الوطن من منطلق مرحلي انتقالي، على غرار التعامل مع السكن المفروش إو الإيجار الموقوت المدة، وكنا نعلم أن الجماعة تتعامل مع عدو العدو على أنه صديق، وأنها قد تبتهج بضرب أخ لها تناصبه العداء على يد عدو إيديولوجي أو إستراتيجي، فقد سجد قادة الاخوان شكرا لله بعد عدوان يونيو ١٩٦٧ لأن العدوان كسر جمال عبد الناصر ووجه ضربة لمشروعه القومي، لم يتوقفوا أمام أنها هزيمة لمصر وجيشها ومأساة لعشرات الآلاف من الأسر المصرية التي فقدت خيرة شبابها ما بين شهيد ومصاب ومقعد، لم يتوقفوا أمام كون الهزيمة جاءت على يد كيان صهيوني غاصب لأرض فلسطين التي كثيرا قالوا أنها أرض وقف إسلامي لا يمكن التفريط في شبر منها، وأنشدوا في حملات مرسي الانتخابية " ع القدس رايحين شهداء بالملايين".
ظلت الجماعة تحمل نفس الأفكار وإن تغيرت الأجيال وتبدلت الأسماء والوجوه، فهي كما هي ولاؤها لذاتها لا الأوطان، والوطن عندهم محل للاقامة المؤقتة، يعميها عداؤها السياسي عن تقدير الأمور ورؤية الحقائق التي تصبح وجهات نظر، هلل أفراد الجماعة وكبروا في رابعة العدوية عندما أعلنت لهم المنصة أن بارجتان حربيتان أمريكيتان تحركتا باتجاه السواحل المصرية، فقد فهموا الخبر على أن أمريكا قررت التدخل العسكري في مصر لإعادة مرسي إلى كرسي السلطة، هو موقف ينم عن خلل حقيقي في افكار ومعتقدات هذه الجماعة التي تتعامل مع الوطن باعتباره مصر ضمن أمصار كثر لا تختلف عن أي مصر أخرى، وهو ما قصده المرشد السابق للجماعة مهدي عاكف عندما قال كلماته لشهيرة " طظ في مصر" وأنه ليس لديه مانع من أن يحكم ماليزي مصر، المهم لديهم أن يكون أخوانيا، فالرابطة هي الجماعة لا الوطن ولا الجنسية.
بدأت الجماعة في إظهار كراهيتها للوطن وسارت خطوات أخرى على غرار ما فعلت الأجيال السابقة، فقد حملت لهم وسائل الإعلام نبأ ضرب خلية جهادية في مدينة رفح مما أدى الى مقتل أربعة ارهابيين ينتمون إلى جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة، وذكرت بعض وسائل الإعلام أن الغارة شنتها طائرة إسرائيلية دون طيار، هنا هلل قادة الجماعة وكبروا على اعتبار أن إسرائيل ضربت هدفا على الأراضي المصرية، أي أن اسرائيل اعتدت على السيادة المصرية، لم يتوقفوا ليتبينوا حقيقة ما جرى وهل هي غارة اسرائيلية أم مصرية، شخصيا لم يكن لدي شك في أن الجيش المصري هو من قام بهذه العملية ضمن حملته لتطهير شمال سيناء من الإرهابيين المرتبطين بتنظيم القاعدة والذين ينسقون عملياتهم مع جماعة الإخوان، ألم يقل البلتاجي يعود مرسي إلى منصبه وتتوقف في نفس " الثانية" العمليات في سيناء ؟ لم يكن لدي شك في أن من قام بالغارة طائرة أباتشي مصرية لأنني أعلم جيدا قيمة وقدر بلادي وجيشها الوطني، لم يكن لدي شك لأنني وبحكم تخصصي في الشؤون الاسرائيلية أعلم تماما التقدير الإسرائيلي للجيش المصري، لم يكن لدي شك لأنني أعلم أن اسرائيل كدولة مسؤولة لا يمكن أن تقدم على عمل ينتهك السيادة المصرية ونحن لسنا في حالة حرب، لم يكن لدي شك لأنني أعرف أن الجانب الإسرائيلي بإمكانه أن ينسق مع الجانب المصري أي عملية عسكرية ضد جماعات إرهابية متطرفة في شمال سيناء، ومن ثم فالسؤال هو لماذا تقدم إسرائيل على شن غارة على الأراضي المصرية لاستهداف عناصر إرهابية يقوم الجيش المصري بالتصدي لها ويشن عليها حرب بلا هوادة ؟ لو فكر قادة الجماعة في الأمر مليا لما أقدموا على الاحتفال بالغارة الإسرائيلية المزعومة، ولما أظهروا مشاعر شماتة في الوطن والجيش.
أكثر من ذلك أقدمت إحدى الأخوات على رسم كاريكاتير يصور جنديا مصريا ( كناية عن الجيش المصري) وعلى قفاه علامات ضرب مبرح مشيرة إلى أنها الغارة الإسرائيلية المزعومة على الأراضي المصرية ثم كتبت إلى جوارها عبارة " تسلم الأيادي" والمعنى باختصار أن الغارة الإسرائيلية المزعومة على الخلية الإرهابية هي بمثابة لطمة على " قفا " الجيش المصري، وأن إحدى عضوات الجماعة علقت على ذلك بعبارة تسلم الأيادي، أي تسلم الأيادي الإسرائيلية التي ضربت الأراضي المصرية ! أي نوع من البشر هؤلاء ؟ وماذا يتلقون من تعلميات ويلقنون من أفكار تجعلهم يقبلون بالأكاذيب سريعا ويحتفلون بعدوان صهيوني على جيش مصر ( عام ١٩٦٧) ويقولون لهم أن اسرائيل قتلت إرهابيين على الأراضي المصرية، فيعتبرون ذلك ضربة إسرائيلية للجيش المصري ويعقبون بعبارة " تسلم الأيادي".
مؤكد أنهم لا يستحقون حمل الجنسية المصرية والمؤكد أيضا أنهم أناس مرضى في حاجة للعلاج النفسي حتى يتعافوا من مرض الجماعة ويشفون من أفكارها المعادية للوطن والوطنية وللإنسانية أيضا. لكل ذلك يبدو مهما للغاية أن يدرك هذه الحقائق ويعيها تماماً كل من يتحدث عن المصالحة، فالحديث عن المصالحة مع هذه الجماعة هو نوع من الخيانة للوطن ولدماء الشهداء وهو حديث عن مصالحة مع جماعة لا تؤمن بالوطن وتراه " حفنة من التراب العفن".
المصري اليوم
المصري اليوم