728x90 شفرة ادسنس

  • اخر الاخبار

    Saturday, March 28, 2015

    الديمقراطية في خدمة الانسان


    د. عمــــــاد جــــاد

    الديمقراطية فلسفة وقيمة انسانية راقية، فهي من ناحية شكل من أشكال الحكم مقابل أشكال أخرى منها الثيوقراطية أو الدينية والتي تعني حكم رجال الدين، ومنها العسكرية التي تعني حكم جنرالات الجيش، وهناك أشكال أخرى أفرزتها تجارب الشعوب على مر التاريخ. تنفرد الديمقراطية من بين الأشكال المختلفة للحكم بأنها النظام الذي يقوم على المواطن، حقوقه وحرياته لذلك فأن التعريف الشائع للديمقراطية هي أنها " حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه" هذا التعريف المبسط لشكل الحكم الديمقراطي يقول أن الشعب هو مصدر السلطات، هو مصدر السيادة، هو الذي يحكم ( عبر التفويض أي اختيار الحكام) وهو وحده صاحب الحق في التجديد لهم ( لحدود معينة عادة دورتي حكم) وله وحده سحب التفويض أو استرداد التكليف. تنفرد الديمقراطية عن غيرها من أشكال الحكم بكونها شكل من أشكال الحكم لا يقف بمفرده، بل يستند الى منظومة من القيم الإنسانية مثل مساواة، الحرية والعدل، فالديمقراطية في ذاتها شكل من أشكال الحكم وهي عبارة عن مجموعة إجراءات ( تعدد الأحزاب، صوت واحد لكل مواطن، الانتخابات حرة النزيهة ، دوريية الانتخابات، تداول السلطة) لا تستقيم دون مصاحبة القيم الانسانية، ولا يمكن اختزال الديمقراطية في مجموعة اجراءات كالانتخابات الحرة مثلا، فقد تجري نظم حكم انتخابات دورية، وقد تكون نزيهة دون أن يعني ذلك أن نظام الحكم ديمقراطيا، كما أن هذه الانتخابات الحرة لا تفرز بالضرورة حكام ديمقراطيون أو يحترمون الديمقراطية، بالعكس هناك تجارب في التاريخ أفرزت الانتخابات الحرة فيها حكام مستبدون سرعان ما ألغوا الديمقراطية وانتهكوا حقوق المواطن، ومنهم من جاء بالديمقراطية وأشعل حربا كونية ( هتلر جاء بالديمقراطية وأشعل الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها أكثر من خمسين مليون انسان).
    من هنا نؤكد أن الانتخابات الحرة النزيهة شرط لازم لاكتمال الديمقراطية لكنها ليست شرطا كافيا، فوجودها ضروري لاكتمال الديمقراطية، ولكن وجودها في ذاته لا يعني بالضرورة أن النظام ديمقراطيا، فلابد من توافر القيم الإنسانية الأخرى المصاحبة للديمقراطية كالحرية والمساواة والعدل.
    أفرزت خبرات البشر أشكال مختلفة من الديمقراطية، ووضع كل مجتمع بصمته على النسخة المشتركة، فالإنجليز انتجوا الملكية البرلمانية، والأمريكان انتجوا النظام الرئاسي، والفرنسيين اختاروا النظام المختلط. اتفقوا في الجوهر ( جوهر الديمقراطية) ونوعوا في الأشكال حسب ظروف وطبيعة كل مجتمع من المجتمعات. على سبيل المثال تحددت دورات رئيس الجمهورية في النظم الرئاسية بدروتان بمتوسط ما بين أربع إلى خمس سنوات للدورة، لكن المكسيك اختارت أن يبقى الرئيس لدورة واحدة فقط ولمدة ست سنوات.
    الديمقراطية هي إذن شكل من أشكال الحكم توصل اليها العقل البشري من أجل تنظيم العلاقة بين السلطات في الدولة، هي شكل من أشكال الحكم ابتدعه الفلاسفة وعلماء السياسة وتحديدا المتخصص منهم في نظم الحكم من أجل ضمان حقوق المواطن وتحصينه في مواجهة سلطات الدولة التي تنفرد بامتلاك واستخدام أدوات القهر. في البداية كانت ديمقراطية مباشرة ، في زمان دولة المدينة اليونانية كان عدد المواطنين الرجال الأحرار محدودا للغاية، ومن ثم كانوا يجتمعون في الساحة للتداول في شؤونهم الخاصة وشؤون بلدهم، يتفقون على ما يريدون من قواعد لتنيظم الحياة في المجتمع، يتداولون في شؤون أمن مدينتهم وعلاقاتها خارجية، باختصار كان اجتماعهم في الساحة عبارة عن مجلس نواب أو برلمان يشرع ويقرر ويصدر القوانين. زاد عدد الرجال الأحرار الذين يتمتعون بصفة المواطنة ولم يعد ممكنا عقد الاجتماعات التي يحضرها كل المواطنين الأحرار ليقرروا شؤون مدينتهم أو بلدهم، هنا ابتدع العقل البشري الديمقراطية النيابية أو التمثيلية وهي باختصار تعني اختيار عدد من المواطنين لتمثيل كافة المواطنين، أي يتم اختيار عدد مناسب من بين المواطنين، وتنوعت هنا السبل والطرق التي اتبعت لتحديد طريقة الاختيار، والمشترك بينها جميعا هو اختيار نائب واحد عن عدد معين حسب عدد السكان الذين لهم حق الاختيار لاسيما بعد أن اتسعت القاعدة بتزايد عدد السكان من ناحية واتساع شرائح المجتمع التي بات لها حق التصويت ( المرأة، والشرائح الاجتماعية الأدنى) فمثلا كان هناك نائب واحد لكل ألف مواطن ثم تزايد العدد ليصل في بعض البلاد إلى نائب واحد عن مليون مواطن، وفي مصر اليوم يمثل نائب مجلس الشعب حوالي مئة ألف من السكان.
    ولأن الديمقراطية في خدمة الانسان، فهي شكل من أشكال الحكم الذي ابتدعه الإنسان من آجل تحقيق الحد الأقصى من الحرية واحترام حقوق الانسان، فقد تنوعت الأشكال وتعددت حسب طبيعة المجتمع، تنوعت نظم الحكم ما بين برلمانية ورئاسية، الأولى تعطي للبرلمان السلطة التشريعية ومنه يخرج رئيس الوزراء الذي يمارس السلطة التنفيذية، بينما يشغل الرئيس أو الملك منصبا شرفيا ( بريطانيا نموذجا) يملك ولا يحكم، أما النظم الرئاسية فيمارس فيها رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية، ويرأس السلطة بما فيها رئيس الوزراء، بل في بعض البلاد قد لا يكون هناك رئيس وزراء ويرأس رئيس الجمهورية الوزراء مباشرا بل قد يحمل الوزير هناك لقب " سكرتير" ( الولايات المتحدة نموذجا). وهناك أيضا النظام المختلط الذي يجمع صفات من النظامين البرلماني والرئاسي والشكل المعروف منه هو تقاسم السلطة التنفيذية بين الرئيس ورئيس الوزراء، الرئيس يأتي بالانتخاب المباشر ورئيس الوزراء يأتي من البرلمان.
    حسب طبيعة كل مجتمع يمكنه اختيار النظام الأنسب له ليس ارضاء لطرف أجنبي ولا رضوخا لضغوط خارجية بل سعيا لتحقيق الأمن والاستقرار ، تلبية احتياجات المواطنين ، تهيئة المناخ الملائم للمواطن ولمؤسسات الدولة للعمل وتحقيق التنمية وتحسين أحوال الناس. الناس ليسوا عبيدا لشكل من أشكال الحكم، ولا هم خدم له، شكل الحكم ينبغي أن يتحدد وفق طبيعة المجتمع وما يريد المواطنين، لا يمكن اتباع شكل من أشكال الحكم إرضاء لدولة أجنبية أو رضوخا لضغوط تستهدف مصالح أطراف خارجية. في هذا السياق لا يمكن القبول بإسقاط خبرات شعوب أخرى على تجارب بلادنا، هم يتحدثون عن تجاربهم الخاصة بشأن دور العسكر، والعسكر لديهم قتلوا الشعوب وصفوا المعارضين، وانتهكوا كافة الحقوق والحريات وكان عامل تخلف، أما لدينا في مصر فالجيش كان أساس للدولة وأبرز أعمدتها، ولا ينطبق عليه وصف عسكر وفق الفهم الأوروبي أو في طبعته اللاتينية، لابد أن نمعن النظر في خصوصيتنا ونقدم رؤية مصرية لنظام حكم ديمقراطي غايته حماية وتأمين المصريين وإسعادهم من منطلق فلسفة الديمقراطية التي تقول أن الديمقراطية في خدمة الانسان، والإنسان ليس عبدا لشكل محدد من أشكال نظم الحكم، بل يختار ما يناسبه منها ويتوافق مع ثقافته وتاريخه وخصوصيته.
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: الديمقراطية في خدمة الانسان Rating: 5 Reviewed By: Unknown
    Scroll to Top