طارق فرحات
صحافي ومترجم مصري
ضمن الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو أمام الكونجرس الأمريكي مؤخرًا مطالبته أن يشمل الاتفاق النووي مع إيران فرض عقوبات صارمة على طهران. إن النظام الإيراني الذي وصفه نيتنياهو بالنظام العنيف والجشع الذي يكنّ مشاعر عدائية لإسرائيل والولايات المتحدة يسعى إلى امتلاك الأسلحة النووية، رافضًا التوصل إلى أي “صفقة جيدة”. يفسح هذا المجال للإدارة الأمريكية لتتساءل عن الخيارات البديلة أمام نيتنياهو، وعما إذا كانت هذه البدائل تتضمن الحرب. غير أن موقف الإدارة يعتريه تناقضٌ صارخ. تناقض عبرت عنه مستشارة الأمن القومي سوزان رايس في مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية بقولها: “إن التوصل إلى “صفقة سيئة” سيكون أسوأ من عدم الاتفاق بالأساس”. وعليه، فإذا كانت إيران لن تقبل سوى “بصفقة سيئة”، فما هو البديل أمام الرئيس أوباما؟ الحرب؟ موقف أوباما يعني أنه ليس لدينا خيار سوى القبول بأفضل عرض لإيران، أيًا كان هذا العرض لأن البديل غير وارد. ولكن هل ينبغي لذلك أن يكون؟ ماذا لو أن القوة هي السبيل الوحيد لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية؟ في الواقع، ربما يكون هذا حقيقة واقعة. إن الأيديولوجية هي سبب وجود النظام الإيراني، وهي التي تضفي الشرعية على حكمه وتلهم قادته ومؤيديهم. في هذا الإطار، فإن النظام الإيراني هو أقرب إلى الأنظمة الشيوعية والفاشية والنازية. وإذا كانت إيران تهدف إلى نشر الثورة الإسلامية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وما وراءه، فإن الترسانة النووية من شأنها أن تعزز إلى حد كبير من قدرتها على تحقيق هذا الهدف. لا تمثل المادية أولوية بالنسبة لتلك الأنظمة. بل إنها غالبًا ما تضحي بالازدهار للحفاظ على الأيديولوجية. بالطبع إنها بحاجة إلى بعض الثروة لدعم قوتها ولكن في إطار محدود. فكوريا الشمالية وإن ظلت أحد أفقر الدول، ولكنها لا تزال تمتلك الموارد لبناء أسلحة نووية. ربما تكون العقوبات قد دفعت إيران للدخول في مفاوضات، لكنها لم تقتنع بالتخلي عن سعيها للحصول على الأسلحة النووية. حتى أن العقوبات القاسية التي دعا لها نتنياهو لن تحقق نتائج مختلفة. يمكن للعقوبات أن تنجح إذا أفضت إلى سقوط الأنظمة. فنهاية الشيوعية في أوكرانيا وكازاخستان، والفصل العنصري في جنوب أفريقيا، أدى بتلك الدول إلى تخليها عن الأسلحة النووية. وفي الحالة الإيرانية، ومنذ عام 2009، لم يكن هناك سوى مؤشرات قليلة على التمرد في طهران. بخلاف ذلك، فإن الإجراءات العسكرية فقط التي انتهجتها إسرائيل ضد العراق وسوريا، والقوات الأمريكية ضد ليبيا أوقفت البرامج النووية لتلك الدول. أما العقوبات فلم تنجح أبدًا في وقف البرامج النووية في أي مكان. هل يعني ذلك أن الخيار الوحيد لدينا هو الحرب؟ نعم، على الرغم من أن الحملة الجوية التي تستهدف البنية التحتية النووية الإيرانية من شأنها أن تتطلب تواجد قوات برية وإن كانت بدرجة أقل مما تتطلبه الحاجة إلى القوات البرية في الحرب التي يشنها أوباما ضد الدولة الإسلامية، والتي تشكل خطرًا أقل مما تشكله إيران. ولكن هل سيفضي عمل عسكرى ضد إيران إلى حشد شعبي داعم للنظام؟ ربما، غير أن الخسائر العسكرية من شأنها أيضًا تقويض الأنظمة، كما هو الحال سابقًا مع القيصر الروسي والشيوعيين الروس. وفي حال كانت العمليات العسكرية بحق البنية التحتية النووية الإيرانية مجرد مسكنات تعوق تقدمها، فيمكننا توجيه مثل هذه الضربات كلما كان ذلك ضروريًا. وبطبيعة الحال، فإن إيران ستعمل على إخفاء عناصر برنامجها النووي والدفاع عنها، لذا سيتحتم علينا إيجاد طرق جديدة لاكتشاف تلك العناصر ومهاجمتها. ومن المؤكد أن الولايات المتحدة تتفوق على إيران في هذا السباق التكنولوجي. الشيء ذاته يمكن قوله للرد على الاعتراضات التي تقول بأن الضربات الجوية قد لا تصل إلى جميع المرافق الهامة في إيران. إن الولايات المتحدة يجب أن تؤكد على أنها سوف تضرب في أي وقت وفي أي مكان وكلما دعت الحاجة لوقف البرنامج النووي الإيراني. وأخيرًا، ألن تقوم إيران من جانبها بالرد على تلك الضربات باستخدام القوة لمهاجمة الأمريكيين، كما فعلت في لبنان والعراق والمملكة العربية السعودية؟ ربما. ولكن يمكننا ردع هذه المحاولات من خلال التحذير بأننا سنقوم باستهداف كافة المنشآت العسكرية والبنى التحتية الأخرى. ومع ذلك، قد يكون علينا امتصاص بعض الضربات، إلا أنها تبقى سبيلًا لتجنب خسائر ثقيلة قد نعاني منها مع آخرين في الشرق الأوسط في حال نجحت إيران في صناعة القنبلة النووية. نعم، هناك مخاطر تعتري العمل العسكري. ولكن طموحات إيران النووية جعلت من العالم مكانًا أكثر خطورة. سيعني نجاحها في صناعة القنبلة النووية مضاعفة هذه الأخطار أضعافًا مضاعفة. وللأسف، لن تنجح الصفقات والعقوبات في منع ذلك.