728x90 شفرة ادسنس

  • اخر الاخبار

    Sunday, March 1, 2015

    "العلاقة الزبونية".. وشراء أصوات الفقراء والأقل تعليماً

    تطور المشاركة في الانتخابات البرلمانية المصرية (1- 4)


    First phase of the 2012 Egyptian Presidential Elections begins
    يمثل سؤال المشاركة في الانتخابات البرلمانية المصرية المقرر اجراؤها خلال 2015 سؤالاً محورياً للنظام السياسي الحالي والمعارضة، حيث ستمثل نسبة المشاركة في هذه الانتخابات محوراً جديداً للصراع بين نظام ما بعد 30 يونيو والإسلاميين بشأن شرعية عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي ومدى شعبية النظام السياسي الذي يقف على أعلى هرم السلطة فيه الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
    ومثلما حدث في الاستفتاء على التعديلات الدستورية لعام 2014 والانتخابات الرئاسية لنفس العام التي فاز فيها السيسي، فمن المتوقع أن يثار جدل حول الأرقام الخاصة بالمشاركة بحيث يمكن أن يمثل محور المعركة الإعلامية بين الطرفين أي النظام من جهة والمعارضة الإسلامية وحلفائها من جهة أخرى.
    وطرح السؤال قبل بدء المعركة الإعلامية بشأن المشاركة وحجم التصويت قد يساعد في فهم آليات حشد الأصوات في الانتخابات المصرية ويجعل النقاش بشأن نسب التصويت أكثر عقلانية في مرحلة الانتخابات وما بعدها.
    فقد شهدت انتخابات برلمان 2011 و2012 التي جرت على ثلاث مراحل استقطاباً سياسياً ومجتمعياً ودينياً غير مسبوق في تاريخ البرلمان المصري منذ اقرار قانون مباشرة الحقوق السياسية في عام 1956 وتوسيع قاعدة الناخبين في مصر.
    وكانت انتخابات برلمان 2012 اول استحقاق انتخابي عقب ثورة 25 يناير 2011 وبعد استفتاء مارس 2011 على التعديلات الدستورية، وكانت الثورة المصرية في عامها الأول وفي أوج زخمها بحثاً عن إعادة تشكيل السلطة وسط استقطاب عنيف بين قوى تيار الإسلام السياسي من الإخوان والسلفيين من جانب والقوى المدنية ممثلة في الكتلة المصرية وتحالف الثورة مستمرة والأحزاب الممثلة للباقين في المشهد من أعضاء الحزب الوطني المنحل.
    وتحول الاستقطاب الحاد في هذه الانتخابات إلى صراع سياسي متعدد الأوجه ما بين الحضر المتشكك في قدرات الإسلام السياسي على الحكم والريف الداعم لخيار الشريعة، وما عرف وقتها بتجربة الأصلح دينياً كمعامل ضد فساد الحزب الوطني. وفي صعيد مصر تحول الاستقطاب إلى استقطاب طائفي واضح المعالم بين المسلمين والمسيحيين حيث صورت الأحزاب الإسلامية الانتخابات على أنها معركة فاصلة للإسلام في مواجهة العلمانية والمسيحيين مما جعل التصويت في هذه المناطق يأخذ أبعاد طائفية واضحة المعالم.
    وتوازى الاستقطاب السياسي والمجتمعي والديني بوفرة مالية غير مسبوقة لدى العديد من الأطراف المتنافسة في الانتخابات بسبب سعي كافة أصحاب المصالح للبحث عن دور وتأمين مكانتهم في المرحلة الانتقالية ما بعد الثورة وحماية مصالحهم عبر دعم أطراف وأحزاب سياسية متنافسة، إلى جانب الضخ المالي غير المسبوق لصالح الأحزاب الإسلامية في إطار سعي واضح للحصول على السلطة في أكبر دولة عربية.
    كل هذه العوامل من زخم سياسي ومجتمعي واستقطاب عنيف بلغ حدته القصوى في الصعيد والريف بتحوله إلى صراع طائفي وتمويل انتخابي غير مسبوق صبت في ارتفاع نسبة التصويت لتبلغ نحو 63% من الناخبين بعدد يتجاوز 32 مليون ناخب وهو رقم تاريخي وغير مسبوق ويقل بفارق ضئيل نسبيا عمن أدلوا بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية من عام 1990 وحتى عام 2005مجتمعة.
    (جدول): تطور المشاركة في الانتخابات (1984 -2012)
    1
    في المقابل، هيمن قبل الثورة الميل للابتعاد عن المشاركة السياسية والعزوف عن التصويت في الانتخابات خاصة بين أبناء الطبقة الوسطى والحضر، حيث هيمنت علاقات المنفعة والحشد عبر استغلال مصانع وشركات القطاع العام أو الخاص على عوامل المشاركة في الانتخابات.  ووفقاً لسامر سليمان فإن نسبة المشاركة الحقيقية في انتخابات عام 2005 (على سبيل المثال) كانت 20% فقط وهي نفس النسبة التي بدأت بها المشاركة في أول انتخابات في ظل حكم مبارك عام  1984.. وهي وإن زادت في انتخابات 1987 و1990 و1995 فإن ذلك يعود على الأرجح إلى عمليات التزوير الواسعة التي شابت هذه الانتخابات. فعندما نصل إلى عام 2000، وهو العام الذي شهد درجة من الإشراف القضائي أعلى، سنرجع إلى نفس النسبة التي بدأنا بها في عام 1984.
    فقد كانت المشاركة السياسية في مصر مثلها مثل كافة الدول السلطوية تعتمد على ما يعرف بـ”العلاقة الزبونية” Clientelism))وهي تصويت الناخب للحصول على منفعة مباشرة. وهي علاقة لا تقوم على الصالح العام، بل على المكاسب الخاصة التي يتوقع كل من الطرفين (المرشح والناخب) أن يجنيها من الآخر.
    ويعرف هانتينجتون العلاقة الزبونية بأنها “علاقة تنتشر في المجتمعات التقليدية حيث توفر ادوات لتعبئة النخبة للأشخاص الأقل مكانة (فقراء وغير متعلمين) حيث يقوم الشخص بالتصويت مقابل منافع مادية مختلفة”.
    وتنعكس “العلاقة الزبونية” في الانتخابات المصرية بوضوح بوجود ظاهرة ما يطلق عليهم “سماسرة الانتخابات” في مصر وهي وظيفة يباشرها أشخاص دورهم الرئيسي هو شراء أصوات كتلة من الناخبين وبيعها لمن يدفع الثمن الأكبر من المرشحين.  
    وتصبح “العلاقة الزبونية” هي المهيمنة على المشاركة في الانتخابات في النظم السلطوية وفي حال تراجع المنافسة السياسية والاستقطاب الانتخابي.. فحجم الأصوات التي يمكن شراؤها لا يتغير بشكل كبير بين انتخابات وأخرى ولكن الفرق هو نسبة هذه الأصوات من إجمالي الناخبين وبالضرورة تنخفض نسبة الأصوات المدفوعة في حال ارتفاع نسب المشاركة واحتدام الصراع السياسي والاستقطاب في دولة ما.
    فكل شخص من معدومي الدخل في مصر يسعى عبر أنشطة غير رسمية للحصول على الأموال، وضمن هذه الأنشطة بيع الأصوات في الانتخابات. ففي انتخابات 2005 (على سبيل المثال) كان سعر الصوت الواحد يتراوح بين 20 إلى 500 جنيه بحسب حدة المنافسة في الدائرة.
    وهنا نجد أن الفرضية العامة للعلاقة الزبونية في الانتخابات المصرية تقوم على أن كثيرين من الفقراء يميلون إلى بيع أصواتهم مقابل منفعة مباشرة ولحظية وهي الأموال. ولكن هذه الفرضية تتجاهل عاملين هما التعليم والنوع.
    فهناك علاقة عكسية بين عدد سنوات التعليم ودرجته وقابلية الحصول على رشوة انتخابية مباشرة. فأي باحث ميداني يمكنه أن يكتشف بسهولة أن الاقل تعليما هم الأكثر قابلية لقبول الرشوة الانتخابية المباشرة، بينما يصعب رشوة الناخب الأكثر تعليما حتى ولو كان فقيراً. وفي الانتخابات المصرية تتضح هذه الصورة في المقارنة بين الرشوة الانتخابية في المناطق الشعبية والمناطق العشوائية بالقاهرة والمدن الكبرى. ففي المناطق الشعبية حيث ترتفع مستويات التعليم تعتمد الرشاوي الانتخابية على تقديم الخدمات بينما تنحصر عملية الرشاوي المالية في المناطق العشوائية.
    ويوضح سامر سليمان هذه العلاقة بإشارته إلى أن إحدى الأفكار الشائعة في مصر تقول إن ضعف التصويت يرجع إلى  انخفاض المستوى التعليمي للسكان. ولكن إذا اكتشفنا أن معامل الارتباط بين مستوى التعليم ونسبة التصويت في انتخابات عام 2000 يبلغ – 0.309 سيتبين لنا أن هناك علاقة عكسية بين مستوى التعليم في منطقة ما ونسبة المشاركة بالتصويت فيها.
    بالتوازي، فإن هناك علاقة واضحة بين الرشاوي الانتخابية والنوع، حيث تكون السيدات الفقيرات الأكثر استعداداً لقبول الرشوة الانتخابية. فالمرأة المصرية هي الاقل انخراطاً في سوق العمل الرسمي والأكثر فقراً والأقل تعليماً مما يجعلها هدفاً واضحاً للرشاوي الانتخابية.
    ونجد أن مصر شهدت صعوداً واضحاً للرشاوي الانتخابية منذ انتخابات عام 2000 البرلمانية، حيث كانت هناك نسبة يعتد بها من الناخبين تقوم بالتصويت بهدف الحصول على تعويض مالي أو خدمات.  
    وبرزت في مصر خلال التسعينيات والعقد الأول من القرن الحالي ظاهرة العلاقة الزبونية الممتدة (longer term clientelistic)، حيث يقوم مرشح بعينه بإنشاء جمعية أهلية لتوفير الخدمات على مدار السنة لأهالي الدائرة من الفقراء والمعدومين. وتعددت أشكال هذه الرشاوى الانتخابية من توظيف إلى توفير العلاج على حساب الدولة إلى مد خطوط مياه الشرب والصرف الصحي ورصف الطرق.  
    ولعل أشهر الأمثلة على العلاقات الزبونية الممتدة في العالم وليس في مصر فقط هي دائرة الباجور التي سعى النائب الراحل كمال الشاذلي إلى خلق علاقة اعتماد مباشر بين أهالي الدائرة وشخصه كوسيط وحيد مع الحكومة المركزية والحصول على الخدمات، بحيث نجد أن الباجور تعد من أقل مناطق الجمهورية من حيث عدد العاطلين من الشباب بسبب قدراته على توفير الوظائف لأغلب الخريجيين من أبناء دائرته إلى جانب توفر كافة الخدمات على نقيض مدن وقرى قريبة من هذه الدائرة التي عرفت نتيجة لتوفر مستوى جيد من الخدمات بها على مدار نحو 40 عاماً متواصلة بدائرة “المحظوظين”.
    وترتفع معدلات بيع الأصوات في يوم الانتخابات، حيث رصدت تقارير حقوقية مصرية في العقد الأول من القرن الحالي قيام العديد من مرشحي الحزب الوطني المنحل بشراء أصوات الناخبين يوم الانتخابات عبر طرق مبتكرة مثل قيام سمسار الأصوات بدفع أموال لناخب مقابل الحصول على بطاقته الانتخابية الفارغة وتدويرها بين الناخبين بحيث يقوم السمسار بمنح كل ناخب تالي ورقة انتخابية مملوءة بمعرفته لوضعها في الصندوق مقابل دفع مبلغ مالي للحصول على ورقته الانتخابية الفارغة لضمان عدم تلاعب الناخب بصوته.  
    وهو ما انعكس على نسب المشاركة خلال انتخابات 2000 و2005 و2010، حيث كانت نسبة المشاركة في الدوائر الأفقر والأقل تعليما تمثل نحو ضعف النسبة في الدوائر التي ترتفع فيها مستويات التعليم وتضمأاعداد كبيرة من أبناء الطبقة الوسطى.
    (جدول) : نسب المشاركة في بعض المحافظات خلال انتخابات 2005
    Untitled20
    إن هذا الجدول يدلل بوضوح على أن نسب المشاركة خلال الانتخابات قبل عام 2011 كانت مرتفعة في المحافظات الأكثر فقراً  والأقل تعليماً بينما تراجعت إلى الحد الأدني في المحافظات الأغنى والتي تتمتع بمعدلات أمية منخفضة وهو الوضع الذي انعكس تماماً في الاستحقاقات الانتخابية عقب الثورة.
    فالعلاقة الزبونية تصبح مهيمنة في المناطق الأكثر فقراً والأقل تعليماً وتستهدف بالأساس السيدات حيث يكون الصوت الذي يتم شراءه أرخص بالنسبة لسمسار الانتخابات وبالتالي للمرشح الساعي لشراء الأصوات أو عبر تقديم خدمات لأهالي المنطقة لخلق علاقة زبونية ممتدة. وفي مصر قبل عام 2011 كانت هذه العلاقة هي المسيطرة في ظل انعدام المنافسة السياسية والتصويت على أسس أيديولوجية بحيث كان الناخب يجد نفسه بين مرشحين يتنافسوا بالأساس على تقديم الخدمات أو الأموال بصورة مباشرة أي يتنافسون على صياغة علاقة زبونية تكفل لهم النجاح في صناديق الانتخابات.  
    المراجع:
    1- كان على من يبلغ 18 سنة ويحق له التصويت قبل عام 2011 التقدم بنفسه للقيد في جدول الناخبين، وبذلك كان هناك عدد كبير من المواطنين الذين يحق لهم التصويت قانونا ولكنهم لم يقيدوا أنفسهم في الجداول الانتخابية وبذلك لم يكن لهم صوت انتخابي، وقد تغير الوضع بعد ثورة 2011 بحيث أصبح التسجيل في جداول الناخبين لمن يبلغ 18 عاما يتم بشكل آلي وفقا لقاعدة بيانات الرقم القومي.
    2- سامر سليمان، المشاركة السياسية في الانتخابات النيابية 2005 العوائق والمتطلبات، الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، القاهرة، 2005، ص 33
    3- Huntington, S. P. and Nelson, J. M. (1976) No Easy Choice: Political Participation in Developing Countries (Cambridge, Mass.: Harvard University Press)
    4- سامر سليمان، المشاركة السياسية في الانتخابات النيابية   2005، مصدر سبق ذكره، ص 35.
    5- Lisa Blaydes and Safinaz El Tarouty, Women’s Electoral Participation in Egypt: The Implications of Gender for Voter Recruitment and Mobilization, in The Middle East Journal, Volume 63, No. 3, summer 2009, p369.

    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: "العلاقة الزبونية".. وشراء أصوات الفقراء والأقل تعليماً Rating: 5 Reviewed By: Unknown
    Scroll to Top