د. عمــاد جـــاد يكتـــب
أحيت أرمينيا الذكرى المئوية لجريمة الإبادة التي ارتكبتها القوات العثمانية في مستهل الحرب العالمية الأولى وتحديدا اعتبارا من عام ١٩١٥ وأسفرت عن إبادة مليون ونصف مليون أرمني، أو ما يوازي نصف الأمة الأرمينية في ذلك الوقت، وسيطرت على معظم أرض آرمينيا التي كانت تبلغ مساحتها حولي ٢٥٠ ألف كيلو متر مربع، ولم يتبق للأرمن سوى ٢٩ ألف كيلو متر مربع أقاموا عليها دولة أرمينيا الحديثة التي كانت ضمن جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق الخمسة عشر وأصبحت دولة مستقلة مع تفكك الاتحاد السوفييتي عام ١٩٩١، ويبلغ عدد سكانها اليوم حوالي ٣,٢ مليون نسمة، ويتواجد مثلهم اليوم في الشتات في كافة أنحاء العالم.
والحقيقة أن جريمة الإبادة التي ارتكبتها القوات العثمانية اعتبارا من عام ١٩٠٩، وصلت إلى الذروة على ١٩١٥ عندما دخلت القوات العثمانية مدن الأرمن وقراهم وبدأت في عمليات قتل على الهوية لكل مكونات المجتمع الأرمني، باعتقال وشنق الكتاب والأدباء والمفكرين ثم اتبعت ذلك بقتل الرجال بالرصاص ومن بعد ذلك بدأت في تنفيذ مذابح جماعية للنساء والأطفال والشيوخ، وعلى طريقة "داعش" كانت عمليات قطع الرقاب وعرض الرؤوس والتقاط الصور معها، كل هذه المشاهد مصورة ومسجلة في متحف الإبادة الذي أقامته أرمينيا وجمعت فيه كافة الوثائق وسجلت كافة التفاصيل الخاصة بالإبادة.
أقامت أرمينيا احتفالات ضخمة بمناسبة مرور مئة عام على جريمة الإبادة ووصلت الاحتفالات الذروة يومي ٢٤ و٢٥ أبريل الجاري، بدأت الاحتفالات بمؤتمر دولي عن الإبادة ناقش قضية الجرائم التي تقع بحق الانسانية وتحديدا جرائم الإبادة ومنها إبادة الأرمن على الاتراك عام ١٩١٥، ولم يكن المؤتمر قاصرا على قضية الأرمن بل جرى تناول الموضوع منظور عالمي إنساني، قالوا أن هدف ليس مجرد إدانة تركيا، ولكن هو العمل منع وقوع مثل هذه الجرائم مستقبلا، قالوا أن عدم إثارة جريمة إبادة الأرمن شجعت هتلر على ارتكاب جريمة إبادة اليهود، فقد رد هتلر في ٢٢ أغسطس ١٩٣٩ على من تحفظوا على مخطط إبادة اليهود خشية التعرض للحساب الدولي، قائلا " بعد كل ما جرى من يتحدث اليوم عن إبادة الأرمن ".
إذن الهدف الرئيسي الذي وضعه الأرمن للمؤتمر الدولي الذي عقدوه حول الإبادة هو حماية البشرية من تكرار مثل هذه الجرائم وهو أمر لا يتحقق الا بالاعتراف والتعويض. وناقش المؤتمر جرائم اللابادة الأخرى التي وقعت في كمبوديا ورواندا.
كان الحضور متنوعا وغنيا فقد حضر لوبس أوكامبو رئيس المحكمة الجنائية الدولية، وقاضية دولية من رواندا، وحضر مسؤولون وبرلمانيون من غالبية دول أوروبا وكندا والولايات المتحدة، ومن الدول العربية حضر ممثلون عن لبنان وسوريا والعراق، وكان الحضور الاماراتي والكويتي على مستوى وزراء الخارجية، وحظيت كلمة ممثل الحكومة السورية باحتفاء الحضور لاسيما بعد أن أشار إلى استمرار الجرائم التركية اليوم ممثلة فيما يجري في سوريا والدور الذي تلعبه تركيا في تدريب وتوصيل عناصر داعش وإمدادهم بالسلاح.
ولم تشارك مصر الرسمية على أي مستوى، ففي حين حضر سفراء غالبية الدول العربية المعتمدين لدى أرمينيا، غاب السفير المصري ولم يحضر أي فعالية من الفعاليات، حضر البابا تواضروس الثاني على رأس وفد مميز وكان الاحتفاء به كبيرا وجلس في الصف الأول إلى جوار بطريرك روسيا، وكان الوفد الشعبي المصري ثاني آكبر الوفود المشاركة فقد ضم ٥٥ شخصية مصرية ما بين سياسية، إعلامية، أكاديمية وثقافية وفنية، وكان للوفد تمثيلا في المؤتمر والاحتفال العالمي الذي جرى صباح الجمعة الماضية والذي شارك فيه رؤساء روسيا وفرنسا وصربيا وغابت عنه مصر الرسمية أيضاً، فقد حضر ممثلين عن مختلف دول العالم يتقدمهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لم يحضر ممثل للدولة المصرية ولم يشارك السفير المصري في يريفان ولا أي شخص من السفارة في الاحتفال الذي شارك فيه وزراء عرب وممثلين للدول ( من الإمارات، الكويت، سوريا، لبنان، العراق).
الغريب والعجيب أن مصر الرسمية غابت عن حدث شعبها طرف أصيل فيه، فقد شهدنا في متحف الإبادة السفن الفرنسية وهي تنقل آلاف الأرمن إلى مدينة بورسعيد، تنقلهم من جبل موسى في مدينة قليقية التي احتلتها القوات العثمانية وصعد سكانها إلى أعلى الجبل طلبا للإغاثة الدولية، فأغاثتهم السفن الفرنسية ونقلتهم إلى مدينتنا بورسعيد، رأينا في متحف الإبادة صور المخيمات التي تمت أقامتها في بوسعيد لإيواء ثمانية آلاف أرمني ناج من الإبادة، وعلى كل خيمة أسماء من بداخلها وعائلاتهم، وكم كان رائعا أن يقدم الوفد المصري لمتحف الإبادة وثيقة بخط اليد لأسماء المتبرعين والمبالغ التي تبرع بها مواطنون مصريون ( مسلمون ومسيحيون) للمساهمة في إيواء الأرمن وإعاشتهم، وكم تأثر مدير المتحف وهو يتبسم وثيقة نادرة من الوفد الشعبي المصري.
المحزن حقا أن التساؤلات كانت كثيرة ومتنوعة عن سبب غياب مصر الرسمية، قالوا لنا أننا كنا نتمنى مشاركة رسمية من مصر على أي مستوى، وإذا كانت مصر الرسمية لا تريد الاعتراف بالإبادة الأرمينية فأن المشاركة في حد ذاتها لا تعني الاعتراف بجريمة الإبادة بدليل مشاركة إسرائيل والإمارات والكويت وسوريا وبريطانيا وأي منها لم يعترف بجريمة الإبادة الأرمينية، فقط كانوا يودون رؤية مصر الرسمية. السؤال الذي يحتاج إلى إجابة واضحة من الحكومة المصرية ومنوزارة الخارجية تحديدا هو لماذا غابوا ؟ هل السبب خشية الغضب التركي ؟ أم أن السبب يعود إلى اعتبارات أخرى لا يرغبون في ذكرها ؟ نريد أن نعرف من هو صاحب قرار مقاطعة احتفالات أرمينيا بالذكرى المئوية للإبادة، وعلى أي أسس واعتبارات بنى هذا القرار ؟
في جميع الأحوال خسرت مصر كثيرا من وراء الغياب عن مناسبة كهذه، لاسيما وأن المصريين الأرمن لعبوا دورا نشطا في نقل صورة حقيقية لما جرى في مصر في الثلاثين من يوينو وطلبوا من أشقائهم في مختلف دول العالم نقل هذه الصورة ، كما لعبوا دورا كبيرا في إقناع الحكومة الأرمينية بالمشاركة في مؤتمر شرم الشيخ، فشاركت بوفد مكون من ٢٥ شخصا برئاسة رئيس الوزراء.
في جميع الأحوال خسرت مصر كثيرا من وراء الغياب عن مناسبة كهذه، لاسيما وأن المصريين الأرمن لعبوا دورا نشطا في نقل صورة حقيقية لما جرى في مصر في الثلاثين من يوينو وطلبوا من أشقائهم في مختلف دول العالم نقل هذه الصورة ، كما لعبوا دورا كبيرا في إقناع الحكومة الأرمينية بالمشاركة في مؤتمر شرم الشيخ، فشاركت بوفد مكون من ٢٥ شخصا برئاسة رئيس الوزراء.