728x90 شفرة ادسنس

  • اخر الاخبار

    Saturday, April 25, 2015

    التفسير الاجتماعي لحركات العنف الجديدة عقب 30 يونيو




    بقلم : أكـرم ألـفي
    احوال مصر 


    ارتفعت وتيرة العنف السياسي في مصر عقب ثورة 25 يناير 2011. وتزامن مع تصاعد معدلات العنف بروز صعود جماعات عنف شبابية أكثر عفوية وتقوم على منطق الثأر والتهديد لا باعتبارها جماعات تمتلك أهداف أيديولوجية كبرى بحيث يمكن صفها إلى جانب الجماعات الإرهابية ذات الشكل التقليدي (الجماعة الإسلامية – الجهاد – القاعدة). فقد ظهر في مصر خلال السنوات الماضية مجموعات مثل “بلاك بلوك” إلى جانب ميل الألتراس إلى استخدام العنف. كما أنه عقب ثورة 30 يونيو وإزاحة الإخوان من السلطة برزت على السطح مجموعات صغيرة تمارس العنف على نفس الشاكلة مثل “العقاب الثوري” والمقاومة الشعبية” و”ضنك” وغيرها.
    شهدت مصر خلال السنوات الأربع الماضية انفجاراً للعنف الشبابي بأشكال مختلفة، بدء من الاشتباكات مع الأمن في المظاهرات ومروراً بعنف جمهور مباريات كرة القدم وانتهاء بتشكيل مجموعات مسلحة عشوائية. وهي الوضعية التي تفرض مهمة على دراسي الاجتماع السياسي في تحليل الظاهرة للوصول إلى توصيف صحيح لها وتفسيرها على أسس علمية، وليس بناء على بيانات وزارة الداخلية، وانتهاء بطرح حلول اجتماعية وسياسية للتعامل مع الظاهرة.
    وفي هذا السياق، يسعى هذا المقال إلى تطبيق منظور تحليل العنف الذي قدمته الباحثة دوناتيلا ديلا بورتا Donatella della porta- -على مصر. ويقوم هذا المنظور على بحث العنف كأحد أشكال الحركات الاجتماعية. وأهمية دراسة منظور ديلا بورتا ينبع -في رأينا-من أن اغلب حركات العنف الجديدة في مصر ولدت ضمن حركات احتجاجية سواء بلاك بلوك أو “العقاب الثوري” و”المقاومة الشعبية” وكانت في الأغلب تعبيراً عن الإحباط وأكثر ميلا للرغبة في الثأر.
    فمنظور بورتا يتعامل مع العنف كأحد منتجات الحركات الاجتماعية أو السياسية “المهزومة” وهو طرح يتناقض مع هيمنة المنظور الأمني على دراسة هذه المجموعات في مصر في وضعها في خانة دراسة “الإرهاب” وبالتالي تفسير الرابط بين هذه المجموعات والتنظيمات الإرهابية أو البحث عن الصلة بينهما. وهي أطروحات تفتقد لأي دلائل أو شواهد واقعية وتعتمد فقط على بيانات أمنية تمثل قرار اتهام أكثر منها تفسيراً أو معلومات حقيقية عن الظاهرة. وبالتوازي، فإن الرؤية الأمنية لظاهرة مجموعات العنف تقود إلى عزل ظاهرة العنف عن سياقها الاجتماعي والسياسي وترجعه بالأساس لدوافع نفسية أو إجرامية، كذلك تغيب عن هذه الرؤية مدلولات التكوين والتجنيد في هذه التنظيمات المغايرة في شكلها وفعلها للتنظيمات الإرهابية التقليدية.
    ويعارض منظور الحركات الاجتماعية للعنف دراسة مجموعات العنف من منطق “الإرهاب” والرؤية الأمنية على أساس أن هذه الرؤية تَحول في أغلب الأحيان دون إدراك أبعاد ظاهرة العنف المختلفة من نوع العضوية في هذه التنظيمات والأفكار الرئيسية الخاصة بها وطريقة تشكيلها في خضم حركة اجتماعية أو احتجاجية. وتشير بورتا في بحثها حول دراسات الحركات الاجتماعية والعنف السياسي إلى عدة عوامل تدفع مجموعات من الشباب بشكل خاص إلى استخدام العنف كوسيلة احتجاجية.
    وبحسب بورتا فإن أحد أهم عوامل انتقال مجموعات كانت تشارك في حركات اجتماعية أو سياسية إلى استخدام العنف هو انسداد الأفق السياسي لهذه المجموعات مما يدفع عدد من المنخرطين بهذه الحركات إلى استخدام العنف. ووفقاً لبورتا فإن “ميكانزيم “الردكلة” أو “الدفع نحو التطرف” والعنف السياسي يتطلب النظر إلى الفرص السياسية حيث إن العنف يمثل أحد الخيارات المطروحة لممارسة السياسة، فالحركات الاحتجاجية تنزع إلى تبني العنف عندما تصبح الفرص السياسية أمامها محدودة أو منعدمة.
    وبحسب هذا المنظور فإن عددا من المنخرطين في حركات اجتماعية أو سياسية احتجاجية يُقيمون الفرص السياسية المتوفرة لحركاتهم في اللحظة الراهنة، وفي حال اعتقادهم بانعدام الأفق أو عدم توفر الفرص يكون العنف أحد الأدوات لأثبات الوجود. ولذلك تفترض بورتا أن الحركات التي تنزع للعنف عادة ما تكون موجودة في الدول السلطوية. وتستدل بورتا في هذا السياق بظهور جماعات العنف اليسارية في إيطاليا مع انسداد أفق التحول السياسي في النصف الثاني من القرن العشرين إلى جانب تصاعد حدة المواجهات في الشارع بين المتظاهرين والشرطة. وترى بورتا أن عملية “الردكلة” تنبني على خبرات المواجهات العنيفة مع الأمن إلى جانب هيمنة القبضة الأمنية وظهور مشهد الاشتباكات بين أنصار اليمين المتشدد واليسار في الشوارع.
    تساهم هذه الوضعية في صناعة ما يعرف بالمحاربين الجدد الذين يخرجون من بوتقة اشتباكات سواء مع الأمن أو مع فصائل وحركات سياسية. فهؤلاء يتبنون العنف خلال عمليات المواجهة المباشرة ومع تراجع زخم المظاهرات ومنحنى الاحتجاجات فإن الخبرات السابقة للاحتجاجات العنيفة تلعب دوراً بارزاً في نزوع عدد من المشاركين فيها للتفكير في العنف الفردي كحل. ففي هذه النقطة مع انسداد الفرص السياسية التي تتزامن مع تراجع الحركة وانتهاء الزخم ودخول المشاركين في الاحتجاجات في مرحلة الاحباط يفقد عدداً ليس بقليل الإيمان بالوسائل السلمية للاحتجاج وينتقل إلى مرحلة العنف.
    هذه التحليل يمكن تطبيقه على السياق المصري ما بعد 30 يونيو وفض اعتصامي رابعة والنهضة لتصبح أداة لفهم صعود حركات العنف الجديدة. فقبل 30 يونيو 2013 أنخرط عدد غير قليل من شباب الإخوان والتيارات السلفية في مواجهات عنيفة مع شباب الحركات المعارضة لحكم الإخوان وتبعها استخدام السلاح في صدامات مسلحة مباشرة كما في أحداث قصر الاتحادية. وعقب ثورة 30 يونيو شارك هؤلاء الشباب في اعتصامي رابعة والنهضة وسط عملية شحن أيديولوجية عنيفة وصلت إلى أقصى درجات الردكلة في خطاب تيارات الإسلام السياسي خلال العقدين الماضيين.
    ومع فض الاعتصامين فإن هؤلاء الشباب واصلوا الانخراط في المظاهرات الاحتجاجية وسط ارتفاع معدلات العنف بين المتظاهرين والأمن لدرجات غير مسبوقة في تاريخ الاحتجاجات بالشوارع في مصر الحديثة. وبتراجع زخم المظاهرات المؤيدة لعودة مرسي ودخول الحركة الاحتجاجية الإسلامية مرحلة الإحباط كان من الطبيعي أن يلتقي عدد من الشباب المنخرط في الاحتجاجات على نبذ الوسائل السلمية كالمظاهرات كأداة للاحتجاج في ظل انسداد أي افق سياسي لعودة محمد مرسي ومن ثم اللجوء إلى تشكيل مجموعات عنف.
    وبالتوازي، مع عملية الردكلة وانتهاء الاعتقاد بامكانية حركة المظاهرات “الإخوانية” في إنهاء أو هز النظام الجديد بعد ثورة 30 يونيو فإن المجموعات الشبابية الجديدة التي لجأت للعنف في مصر مثل “العقاب الثوري” و”المقاومة الشعبية” سعت إلى “شرعنة” سلوكها باعتباره عنف ثأري يجيء للانتقام من “قتلة” الضحايا الذين سقطوا في رابعة والنهضة أو ضحايا الاحتجاجات ضد النظام بعد فض الاعتصامين.
    وهنا ننتقل إلى نقطة أخرى تناولها التفسير الاجتماعي لحركات العنف وهو ضرورة صناعة “شرعية” لاستخدام العنف عبر تبني ما يعرف بـ “العنف الدفاعي”. فالخارجين من حركة احتجاجية يكونون غير قادرين على تبني أيديولوجية هجومية للعنف بسبب تناقض هذا المنظور مع التاريخ الخاص بهذه المجموعات. وما يحدث هو “طلاق” مع فاعلية الوسائل السلمية، ولكنه ليس “طلاقاً بائناً” لان شرعية “العنف” يجب أن تبني على الاحتجاجات التي خرجت منها هذه المجموعات.
    وفي هذا السياق، نجد أن مجموعات العنف التي ظهرت عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة تبنت خطاباً رئيسياً هو “الثأر” بحثاً عن شرعنة العنف الخاص بها باعتباره “عنف دفاعي” ضد آليات “القمع” التي يستخدمها الأمن ضد مؤيدي مرسي.
    ولكن كل ما سبق يتفاعل مع معطى مجتمعي وهو فرص التعاطف مع العنف في المجتمع، ففي حال عدم وجود حالة من التعاطي المجتمعي الإيجابي مع استخدام العنف تندفع هذه المجموعات نحو استخدام كامل طاقتها للقيام بعمليات نوعية بحثاً عن جذب المزيد من التعاطف وإثبات الوجود، فميكانزيم جماعات العنف الداخلية تدفع نحو الاعتقاد أن عدم وجود تأييد مجتمعي لعملياتها هو بسبب ضعف الإمكانيات وعدم القدرة على التاثير، وليس بسبب تبني استراتيجية العنف ذاتها وهو الميكانزم الذي يستمر حتى الوصول إلى نقطة الضربة الموجعة أو الشعور بعدم الجدوى والتفكك وبروز الانقسامات داخل هذه المجموعات إلى مجموعات أصغر انتهاء بالذوبان في مجموعات سياسية سلمية أكبر أو الأنهيار الكامل.
    وبجانب الدوافع العامة لتشكل جماعات العنف، فإن هناك عوامل داخلية تساهم في تأسيس مثل هذه التنظيمات من بينها المنافسة الداخلية. فالصراع الداخلي داخل كيان سياسي كبير أو حركة سياسية أو اجتماعية قد يدفع مجموعة إلى الانشقاق وإنشاء تنظيم مسلح. وهو ما يمكن تعريفه بالعنف التنافسي (competitive violence ). حيث يرى المنادون بالعنف أن استخدام القوة سيجعل جمهور الحركة أو الكيان السياسي ينجذب نحو رؤيتهم السياسية. من ناحية أخرى، فإن دفع مجموعة سياسية إلى العمل السري يساهم في اندفاع قسم منها إلى اعتبار العنف هو السبيل لمقاومة السرية المفروضة على الحركة.
    ولكن تاج العنف يكون الخطاب. فاستخدام القوة في مواجهة السلطة أو المجموعات المتنافسة المتأصل في الخطاب السياسي للمجموعات السياسية شرطاً رئيسياً لخروج تنظيمات العنف من بوتقتها. فلا عنف سياسي بدون أيديولوجية سياسية قادرة على منح الشرعية لممارسة القوة ضد النظام وأجهزته الأمنية.
    وكان تطور الخطاب الجهادي في السياق المصري، خلال اعتصامي رابعة والنهضة بمثابة الأيديولوجية الجديدة للعنف لشباب التيارات الإسلامية أو المتعاطفين معهم. ففي الاعتصامين بلغت درجة التحريض ضد النظام والتيارات السياسية الأخرى بل وضد جمهور واسع من المصريين ذروتها. فقد اعتبر المتحدثين على منصة الاعتصامين أن المؤامرة “ضد الإسلام” وأن القوة هي الوسيلة الوحيدة لاستعادة “الشرعية المغتصبة”. بل يمكن القول إن شبح “سيد قطب” كان يحوم على الاعتصامين بخطاب التكفير للنظام والمجتمع، وهو الخطاب التي تم “حقنة” خطابيا بدوافع الثأر والانتقام.
    المرجع :
    (1) Porta, Donatella della (2009), Social movement studies and political violence, Center for studies in Islamism and radicalization, Aarhus University, Denmark.
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: التفسير الاجتماعي لحركات العنف الجديدة عقب 30 يونيو Rating: 5 Reviewed By: Unknown
    Scroll to Top