728x90 شفرة ادسنس

  • اخر الاخبار

    Thursday, April 30, 2015

    إسلاميون هاجروا إلى اليسار


    بقلم / احمد بان

    توزعت الانتماءات الفكرية بين يمين ويسار، عقول قطاعات واسعة من المصريين عبر القرن العشرين، فى مواجهة النظام السياسى الحاكم فى مصر، سواء فى العهد الملكى أو فى ما سُمى «الجمهوريات المتعاقبة»، حيث برز لاعبان فى المشهد السياسى المصرى ربما ظهرا فى وقت واحد، أحدهما عكس الحضور المبكر لليسار وجسده الحزب الشيوعى المصرى الذى تأسس فى عام 1922 كحزب سياسى ماركسى لينينى، عمل كحزب سرى بدءًا من عام 1924، وتمت إعادة تأسيسه فى عام 1975 بعدما تم حله فى الستينيات، جاء بعده حزب الإخوان المسلمين الذى كان حزبا سياسيا حقيقيا بالنظر إلى طبيعته وأهدافه ومآلاته، ما بين يمين ويسار تشكلت المعارضة السياسية فى مصر، وكان من الشائع أن ينتقل قطب يسارى إلى جهة اليمين، حيث اليمين الدينى، ولعل أبرز من انتقلوا من ساحة اليسار إلى اليمين المستشار طارق البشرى أو د.محمد عمارة أو المفكر الاقتصادى عادل حسين، وسوق هذا الأمر فى وعى كثير من أعضاء اليمين الدينى باعتباره انتصارًا للإسلام، الذى احتكره هذا التيار على اليسار الملحد الذى جرى تنميط صورته، باعتباره مرادفًا للكفر والإلحاد.
    ظاهرة جديدة يحاجج البعض بأنها لم ترق بعد إلى كونها ظاهرة، وهى ما سُمى هجرة بعض شباب الحركة الإسلامية إلى صفوف اليسار وليس العكس.
    أتصور أن هذه الظاهرة لها بعد إنسانى متعلق ببعض مشاهد ثورة 25 يناير، حين اتسعت أحضان ميدان التحرير لأحلام كل الشباب، وفى ساحة واحدة التقت القلوب والعقول، التى حلقت فى سماوات حلم واحد هو حلم تحرير هذا الإنسان، وبالتالى تحرير هذا البلد، تفتحت عيون الشباب الإسلامى على شباب اليسار على وجه الخصوص، انبهر كثيرون من الإسلاميين بسعة الثقافة الإنسانية لهؤلاء الشباب وانفتاح عقولهم والحرية التى يمارسونها، والتى لا تعنى كما كانوا تصوروا الإباحية والتحلل، كما علمهم شيوخهم، اقتربوا أكثر منهم فوجدوا أناسًا يتذوقون الشعر والموسيقى والفن والأدب، سلوكهم راقٍ منضبط هادئ، دارت الحوارات بينهم فوجدوا أن الفجوة فى التصور ليست كما ظنوا، وإن بالإمكان التعاون على بناء وطن ودولة.
    فهل هناك أسباب أخرى دعت هؤلاء إلى الهجرة إلى اليسار وترك معسكر اليمين.
    يعزو بعض الباحثين، ومنهم د.محمد بريك، الأمر إلى أزمة هوية عاناها شباب التيار الإسلامى لثلاثة أسباب يراها:
    الأول: استشعار المفارقة الشديدة للتأسيسات الفكرية للحركة الإسلامية «إخوان أو سلفية أو وسطية» وبين العدل الاجتماعى الذى يمثل عماد الحالة اليسارية، ولما بدأ الحراك السياسى بعد 25 يناير انحازت فعلًا ما تعرف بالأحزاب الإسلامية لسياسات شديدة اليمينية اقتصاديا.
    الحقيقة هجرة الإسلاميين «يمينا» على مستوى الفكر، وكذلك من حيث الانحيازات السياسية.. هى ظاهرة بدأت منذ الثمانينيات، بسبب عوامل الخليج وغلبة رأس المال على شؤون التنظيم والضعف الفكرى عمومًا.. وقد تحدث البعض عن هذه القضية مبكرًا (الدكتور عبد الله النفيسى: أوراق فى النقد الذاتى)، حتى إنك لا تجد أى أثر فى الأجندة التربوية أو الخطاب الخارجى فى تلك الحركات للتأسيسات الفكرية المنحازة إلى العدل الاجتماعى، سواء المعاصرة (أفكار قطب فى العدالة الاجتماعية فى الإسلام، والبنا فى بعض رسائله، وعودة فى المال والحكم فى الإسلام.. مثلًا) أو الفقهية (مع أن هناك اتجاها فقهيا شبه محرف واتصل بالسلطة، ثم صار تقليدًا انحاز فعلا إلى اليمين بمخالفة المقصودات الشرعية التى تكرس العدل الاجتماعى، وتجعل الدولة مسؤولة عن توفير حد الكفاية لمواطنيها.
    الثانى: تعثرات التجربة (الإسلامية) الحركية أولا -ثم بعد ذلك السياسية- بموازين القيم والكفاية معًا فاقمت أزمة الهوية والدور.
    أغلب الشباب الذين هاجروا إلى اليسار ناقم بشكل كبير على «الإخوان»، ابتداء بسبب أمراضها التقليدية، ثم زادت نقمتهم بسبب أدائها السياسى ما بعد يناير الذى نعلمه، والذى هو بشكل واضح كان مسؤولا عن تعثر الحالة الثورية (ونضيف هنا فكرة الثورة إلى العدل الاجتماعى كمكون يسارى جاذب آخر، وإن كان بديناميكية شديدة الاختلاف عن ثورة يناير)، وانتحال الشعارات الإسلامية للتقدم للسلطة وكذلك جملة من المشكلات الأخلاقية فى خطابها وسلوكها السياسى.
    الثالث: هو الأزمة فى ماهية الشعار والحالة «الإسلامية»، ففضلًا عن الفشل القيمى والتجريبى الجسيم للحالة الإسلامية قبل وبعد يناير 2011، فهناك مشكلة مزمنة فى التأسيس الفكرى والحضارى والتطبيقى للتيار «الإسلامى» ذاته حتى منذ بداياته المعاصرة وقت حسن البنا، ضعف هائل فى مقاربة السبك الشرعى والأصولى من ناحية، وكذلك فى مقاربة المعارف التجريبية الإنسانية من ناحية أخرى.. وقد قاد هذا إلى أوضاع منحرفة، وكذلك ردود فعل لها لا تخلو من الانحراف.
    فى النهاية تبدو هجرة هؤلاء إلى اليسار كسراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا.
    فالكل يسعى إلى وطن يتسع رحابه لقيم الحرية والعدل الاجتماعى والكرامة الإنسانية، وهى قيم إنسانية أسهمت التجربة البشرية المفتوحة فى تكريسها فى تجارب دول وشعوب، لم ترفع راية الشريعة ولا رايات ماركس، فالإنسان يبقى إنسانًا، والحلم يبقى واحدًا.
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: إسلاميون هاجروا إلى اليسار Rating: 5 Reviewed By: Unknown
    Scroll to Top