728x90 شفرة ادسنس

  • اخر الاخبار

    Tuesday, April 14, 2015

    عن احترام المعتقدات والمقدسات


    د. عمــــاد جــــــاد

    من بين سمات الدولة الديمقراطية أن تكون دولة " علمانية" بمعنى تفصل ما بين الدين والسياسة، تقف على مسافة واحدة من كافة الأديان والعقائد والمعتقدات، لا تميز بين مواطنيها بسبب الدين، العقيدة أوالطائفة، وظيفتها الأساسية حماية المواطن وتوفير احتياجاته قدر الإمكان، لا نص على دين للدولة، فالدولة ومؤسساتهاتقف على مسافة وحدة من كافة الأديان.
    بعد تجارب مريرة وحروب طاحنة بعضها دام سبعة عقود كاملة ( حرب السبعون عاما في أواخر القرن السادس عشر وحتى العقد الخامس من القرن السابع عشر) قررت أوروبا الفصل بين الدين والسياسة، فبدأت تعرف طريق الديمقراطية والتطور.
    الحال لدينا في مصر مغاير تماماً، فبعد الحقبة شبه الليبرالية التي انتهت بثورة ١٩٥٢، جرى خلط الدين بالسياسة، وعمل نظام يوليو على توظيف الدين في خدمة السياسة، بدأ التدهور في مصر بمجيء الرئيس الراحل أنور السادات الذي كان قدره أن يخلف رئيسا يتمتع بكاريزما، بحث الرجل عن سند للحكم أو أساس فلم يجد، في وقت نشطت ضده الجماعات القومية واليسارية في الجامعات المصرية ومن ثم قرر ارتداء عباءة الدين، تشكيل مجموعات إسلامية مسلحة في الجامعات المصرية لضرب التيارين الناصري واليساري، زاد من جرعة التدين الشكلي وحرص على أن يبدو كذلك أمام بسطاء المصريين. نجح السادات في أسلمة المجال العام في مصر، وتمكن خلال سنوات قليلة من شق صف المصريين، عرف نفسه بالرئيس المؤمن ومصر بدولة العلم والإيمان ووصف نفسه بأنه رئيس مسلم لدولة إسلامية، فنشطت جماعات العنف وواصلت عمليات القتل بحق الأقباط لاسيما في صعيد مصر، ومع نهاية عقد السبعينيات كانت مصر على وشك الإنفجار الديني، فجاء إغتيال السادات على يد الجماعات التي شكلها ليحول دون إنفجار مصر أو وقوع حرب أهلية أواشتباكات دموية واسعة النطاق. جاء مبارك وحافظ على معادلة السادات، لم يغذي التشدد الديني ولم يواجهه إلا فيما يخص ابعاد قوى الإسلام السياسي عن دائرة الحكم، حدد أبعاد الموجهة مع هذه الجماعات في دائرة الحكم فقط، ترك لهم المجتمع ملعبا، وسلم لهم بالهيمنة على العملية التعليمية وعلى قطاع كبير من العمل الأهلي، كل ذلك كان لهم ولم يكن يتحرك ضدهم إلا عندما كانوا يقتربوا من السلطة في محاولة للانقضاض عليها. مارس لعبة تقسيم الأدوار مع جماعة الإخوان، حرص على وجودها في الساحة السياسية وإبرام الصفقات معها، وتقديمها باعتبارها القوة الطاغية التي تمثل البديل الوحيد له ولحكمه، وبما أنها قوة متطرفة تكره إسرائيل والغرب، فأن حكمه ومهما كانت درجة السلطوية والديكتاتورية يعد مصلحة للغرب لأن البديل هو حكم المرشد والجماعة.
    خلال هذه الفترة عملت كافة أدوات التنشئة في البلاد على تغذية التشدد والتطرف وصولا إلى مرحلة بات فيها المجتمع على شفا الإنفجار الطائفي، جرى تديين المجال العام في البلاد، وطال التديين كافة مناحي الحياة بما فيها مناهج التعليم. انعكس ذلك كله في حالة من التدين الشكلي المبالغ فيه والذي ترافق معه حالة من الهوس الديني تجسدت في التطاول على الأديان والطوائف المغايرة، النظر إلى القضايا المختلفة من منظور ديني - طائفي، ذاتي، أي تقييم الأديان والمعتقدات من منطلق ذاتي، فنظرتي للأديان الأخرى نابعة فقط من قناعاتي الدينية، وجرى إسقاط الرؤى الذاتية على الأديان والمعتقدات الأخرى، ولم تكن هناك فرصة لمحاولة معرفة الأديان والعقائد الأخرى من مصادرها الأصلية. لكل ذلك ساد التشدد وانتشر التطرف في مجتمعاتنا، وضاق الصدر بالمخالف والمغاير وقد بدا كل ذلك واضحا في الحملة التي تعرضت لها ثلاث فنانات لبنانيات كتبن خواطر حول عيد القيامة على صفحاتهن الشخصية على فيسبوك وهن مايا دياب، نانسي عجرم ونيكول سابا، فتعرضت لوابل من الشتائم والإهانات الشخصية وللعقيدة المسيحية وكان العدد الأكبر من المتداخلين للأسف الشديد من مصر. السؤال هنا لماذا هذا الكم من التطاول على العقيدة المسيحية ومقدساتها ؟
    في الحقيقة ما جرى هو محصلة طبيعية لعملية التنشئة التي غرست التطرف والتشدد والغلو في نفوس المصريين وجعلتهم ينظرون للأديان والعقائد من أرضية إسلامية فقط، لا حساسية لديهم في تناول عقائد ومعتقدات ومقدسات المغايرين، وهي التي تشكل اللبنة الأولى للعنف والإرهاب باعتبارها تمثل المكون الأول من بين ثلاثة مكونات للعنصرية وهي المكون المعرفي: ويتمثل في المعتقدات والأفكار والتصورات التي توجد لدى أفراد عن أفراد آخرين أعضاء جماعة معينة وهو ما يأخذ صورة القوالب النمطية Stereo Types والتي تعني تصورات ذهنية تتسم بالتصلب الشديد والتبسيط المفرط عن جماعة معينة يتم في ضوئها وصف وتصنيف الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه الجماعة بناء على مجموعة من الخصائص المميزة لها. ويلاحظ أن العرق والدين والقومية تشكل أبرز الفئات التي تتعرض للقولبة النمطية لأنها أكثر الفروق الاجتماعية وضوحا وأكثرها مقاومة للتغيير.
    الثاني هو المكون الانفعالي: وهو بمثابة البطانة الوجدانية التي تغلف المكون المعرفي، فإذا افتقد الاتجاه مكونه الانفعالي يصعب وصفه بالتعصب. الثالث هو المكون السلوكي: وهو المظهر الخارجي للتعبير عما يحمل الفرد من مشاعر وقوالب نمطية ويتدرج هذا المكون إلى خمس درجات:
    أ-الامتناع عن التعبير اللفظي خارج إطار الجماعة على نحو يعكس سلوك كراهية دفينة.
    ب- التجنب: أي الانسحاب من التعامل مع المجموعة أو المجموعات الأخرى رفضا لها.
    ج-التمييز : ويمثل بداية أشكال تطبيق التعصب الفعال، أي السعي إلى منع أعضاء الجماعات الأخرى من الحصول على مزايا أو تسهيلات أو مكاسب سواء على نحو رسمي أو واقعي.
    د- الهجوم الجسماني: أي الاعتداء البدني على أعضاء الجماعة أو الجماعات الأخرى.
    هـ- الإبادة: وتمثل المرحلة النهائية للعداوة والكراهية وتجسد قمة الفعل العنصري وتعبر عن نفسها في شكل مذابح جماعية بناء على أساس الانقسام أو التمييز.
    من هنا يبدو المكون المعرفي، أي الأفكار والمعتقدات، هو الأهم والأخطر في منظومة التطرف والتشدد، فهو الذي يوفر اللبنة الأولى على طريق التشدد والتطرف والتعصب الذي يتدرج على خمسة مقاييس تصل في نهايتها إلى جرائم الإبادة للمغاير.
    لكل ذلك لابد من إعادة نظر شاملة في مجمل أدوات التنشئة في بلادنا وتحديدا مناهج التعليم في القطاعين المدني والديني ( الأزهري) والخطاب الديني ودور وسائل الإعلام من أجل نشر قيم التسامح، قبول التنوع والتعدد والاختلاف، وتربية النشء على قاعدة احترام المعتقدات والمقدسات كما يراها المؤمنين بها،أي أصحابها، ومن ثم احترام كل ما هو مقدس للآخر وفق ما يراه ويحدده هو لا كما تقول لي قناعاتي الدينية الذاتية.
    المصري اليوم 
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: عن احترام المعتقدات والمقدسات Rating: 5 Reviewed By: Unknown
    Scroll to Top