بقلم : أحمد بان
احوال مصر
حملت لنا الأنباء منذ أيام قليلة، نبأ انتخاب السيد أحمد عبد الرحمن عضو مجلس شورى جماعة الإخوان ومسؤول مكتبها الإداري بالفيوم وعضو البرلمان السابق رئيسا لمكتبها الإداري بالخارج، والمكون من 11 عضوا وفق ما أعلن هو في لقاء تلفزيونى مع فضائية الجزيرة.
الجماعة التي عانت ولازالت تعاني صدمة الخروج السريع من الحكم، والتي زاوجت في حركتها بين الأساليب الأصلاحية والثورية أو العنيفة بالأحرى، في مواجهة ثورة 30 يوينو التي أعتبرتها ثورة مضادة وإنقلابا على الشرعية، مما أربك خياراتها وخططها وأوقعها في أزمة مع قواعدها بالأساس، العصب المشكوف لدى الجماعة وهدفها الأثير الحفاظ على تماسك التنظيم الذي بدا مهددا بشكل لم يتعرض له عبر عقود من الأزمات المتكررة التي واجهته.
لماذا تحركت قيادة الجماعة الآن وبدأت في الحديث عن مراجعة وإعادة هيكلة ومحاسبة (على استحياء بالطبع)؟
وفق ما أعلن السيد عبد الرحمن نفسه فإن الجماعة أخطأت باختيار سبيل الإصلاح على حساب المناخ الثوري، الذي كان يجب أن تتماهى الجماعة معه باعتبار أنها عبر تاريخها تماهت مع المزاج العام في سبيل تأمين الشعبية، التي تمكنها من حصد الأصوات في أي استحقاق انتخابي يقربها من السلطة، لذا فإن الجماعة تعتذر الآن عن التفاهمات التي أجرتها مع المجلس العسكري السابق. وتغليبها لمنطق التفاوض والصفقات في مسار إصلاحي سلكته، وتعتذر عنه الآن بعد عامين من محاولاتها تحريك المشهد عبر حزمة من الوسائل توسلت بها، منها مظاهرات الشوراع والجامعات والأخوات فضلا عن مجموعات العنف الصغيرة، التي راهنت عليها مع مجموعات العنف الأكبر كأنصار بيت المقدس، إلى جانب الرهان على تحقيق التحام جديد مع شباب الثورة الذين خدعتهم الجماعة، وتركتهم في الميادين في مواجهة الدولة القديمة في محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو، كان جرح الثوار من الإخوان أكبر من أن يلتئم حتى لو دفع الإخوان ثمن ذلك من دماء أبنائهم، فميدان الإخوان كان استعادة الحكم بينما كان ميدان الثوار هو استعادة مصر، وشتان ما بين حكم مصر بالغلبة، ومصر ذاتها كوطن ودولة. ومن ثم لم تنجح كل محاولات الجماعة في كسب ثقة الثوار، رغم المخاتلة في خطابهم واستحضار كل مهاراتهم في التقية السياسية.
كان من نتائج التعايش أو الإقتراب بين شباب الجماعة وشباب الثورة، ازدياد قناعة شباب الجماعة بالطريق الثوري وتطليقهم لفكرة الإصلاح، التي كانت منهج الجماعة ومحور تفكير قياداتها. ومن ثم بدأت الهوة تتسع بين القيادة القديمة وأجيال من الشباب، وهم وقود حركة الجماعة وجوهر تنظيمها لذا وجد التنظيم نفسه مضطرا للانحناء لعاصفة الشباب، بالحديث عن إجراء انتخابات جديدة لا نعلم كيف أجريت وعلى أساس أي لائحة تنظيمية؟ خصوصا وأن تعديل اللائحة كان مطلبا ملحا وعاجلا لقواعد الجماعة بعد ثورة يناير، وظلت تلك القيادة تلتف على هذا المطلب وتسوف حتى وصلت للحكم وتعذرت بأعذار واهية حتى لا يفرز الوضع الجديدة قيادة جديدة، خصوصا وأن هناك تقارير تتحدث عن أن الانتخابات التي أجريت بالداخل لاختيار هيكل قيادي جديد لم ينجح فيها بعض رموز وقيادات تاريخية، لم يحصل بعضها على أكثر من خمس أصوات وهو أمر جديد أن يعرف ذلك في انتخابات تجريها الجماعة.
تحدث رئيس المكتب الإدارى الجديد عن تركيبة المكتب الجديد في مصر، قائلا أن نسبة ما تم تجديده تصل إلى 65 % وأن 90 % من هذه التركيبة من الشباب، وهو مؤشر مضلل لمن لايعرفون تنظيم الإخوان فالأزمة داخل الجماعة ليست في عمر من يقود، بل في طريقة تفكيره وقناعاته التي قد تجعله شيخا طاعنا في أفكاره وإن كان في ريعان شبابه، فلجنة التربية داخل الجماعة فضلا عن اللائحة القديمة التي أجريت الانتخابات على أساسها بالطبع تجعل الاختيار يدور في الغالب بين الصقور والغلاة، وإن تفاوتت أعمارهم حيث لم يذكر أحد أن اللائحة تغيرت تعذرا بالظرف الأمني بالطبع.
تحدث المسؤول الجديد عن المكتب الإدارى الجديد للمصريين في الخارج ذاكرا إسمين من أسماء أعضائه هما الدكتور عمرو دراج وزير سابق بحكومة الرئيس المعزول، ويحيى حامد حيث عهد للأول بالملف السياسى دون أن يحدد ما هي مهامه وصلاحياته بالطبع، بينما عهد للثاني بملف العلاقات الخارجية وفى حدود المعلومات المتوفرة عن الثاني فإنه لم يكن له سابقة خبرة بالعلاقات الدولية، ومثل اختياره وزيرا للتعاون الدولي في حكومة هشام قنديل مثارا للتساؤلات والسخرية، بالنظر لعمله السابق كمندوب مبيعات بإحدى شركات الاتصالات، ولم يكشف المسؤول الجديد أي تفاصيل عن مهمة المكتب الجديد أبعد من كونه واجهة لمكتب الإرشاد، الذي بقى المسؤول الأول عن ما أسماه بإدارة الصراع.
تطرق المسؤول لفكرة المراجعة التي أكد على انها ستشمل الفكر، دون ان يحدد أهم القضايا التي ستشملها والإستراتيجيات التي اكتفى بأنها ستعدل عن طريق الإصلاح إلى طريق الثورة، ثم ألمح إلى الحديث عن إعادة النظر في إطار العمل والوسائل دون أن يحدد هل سيشمل ذلك اللوائح وتراتبية العضوية وهياكل الجماعة وأقسامها أم لا؟ غموض في غموض هو ابن ثنائية السرية والعلنية التي كانت أحد أسباب ما عانته الجماعة وما زالت تعانيه.
لم ينس المسؤول الجديد أن يؤكد ان الجماعة تقبل بالشراكة، وأن المراجعة شاركت فيها عناصر من خارج الجماعة باعتبار أن الحراك في الشارع على حد تعبيره لايزيد المكون الإخوانى فيه عن 30 %، وهي فرية تكذبها الوقائع فمن المعلوم أن أحد أسباب الحديث عن التغيير داخل الجماعة، أن الحراك الذي أطلقته اقتصر على أعضائها ولم ينجح في اقناع شرائح جديدة بالانضمام إليه.
أعجب وأطرف ما قاله المسؤول الجديد في الحقيقة، هو التأكيد على أنهم عاكفون على بناء رؤية لإدارة الدولة بعد كسر ما أسماه بالانقلاب في إشارة إلى سيناريو اليوم التالي، في دغدغة لمشاعر القواعد وتطمينهم على طموح القيادة الجديدة وهو على ما نرى وهم جديد تسوقه الجماعة.
وقد نفى المسؤول الجديد بالطبع تشكيل لجان نوعية مسلحة، وهو الأمر الذي تسرب عن تصديق القيادة الجديدة على تدشين خلايا النظام الخاص الجديد بواقع 7 أفراد لكل منطقة إخوانية من غير المعروفين لأجهزة الأمن.
كما لم يكشف المسؤول بالطبع طبيعة علاقة مكتب الإرشاد بالمكتب الجديد، وهل هذا المكتب شريك في اتخاذ القرار أم سلطة أقل تتولى فقط التنسيق والتفويض في بعض الملفات.
الجماعة وفق مراقبين من داخلها وبفعل السرية الطويلة والمظلومية، تعاني من ضمور فكري وتضخم تنظيمي وهو ما يستلزم القيام بعملية نقد ذاتي ومراجعة جادة ومعمقة، تطال أساس الفكرة وهي فكرة الجمع بين مسار الدعوة والسياسة واختيار أيهما للعمل، إضافة إلى كل أدبيات الجماعة التي لم تخضع لمراجعة أو نقد أو استدراك منذ عقود، علاوة على ضرورة تقويم التجربة السياسية وتوصيف حقيقة الجماعة هل هي جماعة دعوية معنية بالدعوة للقيم والأخلاق وفقط، أم حزب سياسي أنضج برنامجا سياسيا ويريد الوصول للسلطة لتحقيقه.
كل هذه المعاني والأسئلة تبقى غائمة ويلفها غموض درجت الجماعة عليه وأدمنته، غموض غير بناء وحركة في المكان وإثارة لغبار، معركة زائفة لاتستهدف سوى الالتفاف على التململ داخل التنظيم، الذي بلغ حدا من الترهل والشيخوخة لم يحل دون خروج الغضب إلى كل الساحات، بما يهدد استمراره بنفس صيغته القديمة وهو ما تخشاه قيادته القديمة وتتحسب له، ومن ثم تلتف عليه بالحديث عن الجري في المكان باعتباره سعيا للتغيير، وهو ما لا أظنه سيقنع تلك الأجيال الجديدة من قواعد التنظيم.