728x90 شفرة ادسنس

  • اخر الاخبار

    Wednesday, April 29, 2015

    وطنيو مصر يُهيمنون في ساحة تفتقر إلى السياسة

    ميشيل دنّ
    باحثة أولى في برنامج كارنيغي للشرق الأوسط


    تغيّر المشهد المصري بشكل جذري: من التعدّدية النشطة والحيوية غداة انتفاضة 2011، إلى استبعاد أو تهميش المجموعات الإسلامية والعلمانية في العام 2015 التي فازت في الانتخابات. الآن، يحتل الوطنيون*   المرتبطون بالجيش أو بنظام حسني مبارك السابق مركز الصدارة في المسرح السياسي، وطفت على سطح الأحداث مجدداً التنافسات في معسكرهم. وبالتالي، أي برلمان سيُنتخَب في مثل هذه الظروف سيكون مشاكساً – على الرغم من غياب التعدّدية الحقيقية – وقد يجد صعوبة في الوفاء بدوره الدستوري المُناط به.

    أصداء من الماضي

    • كانت مصر من دون برلمان منذ حزيران/يونيو 2012، حين جرى حلّ الجمعية السابقة.
       
    • إطاحة الرئيس آنذاك محمد مرسي في العام 2013 من الحكم، جلبت معها إحياء نمط محدّد من الوطنية (العسكرتارية، والشعبوية، ومشاعر العداء للأجنبي) يبتعث ناصرية الخمسينيات والستينيات، بالمقارنة مع الطابع الأكثر شمولية للوطنية التي تبلورت خلال انتفاضة 2011 ضد مبارك.
       
    • تم إسكات أو تهميش قوى المعارضة الإسلامية والعلمانية، بسبب حظر العديد من المجموعات بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين، وأيضاً بسبب القانون القاسي ضد تظاهرات الشارع والقانون الانتخابي الذي يضير الأحزاب السياسية، هذا علاوة على إجراءات أخرى أدّت إلى وَهَنْ الإعلام والمجتمع المدني.
       
    • سقط الوطنيون في وهدة المشاحنات والشجارات في مابينهم، لأن منافسيهم السياسيين من ألوان إيديولوجية أخرى قد جرى استئصالهم. وهكذا، تم تأجيل الانتخابات البرلمانية مراراً وتكراراً، ربما جزئياً بسبب فشل السيسي في تسوية هذه الشجارات.
       
    • عدم اهتمام السيسي بالسياسات المدنية كان أحد الأسباب العديدة التي تُفسّر لماذا لم يولد حزب سياسي وطني جديد ليحلّ مكان الحزب الوطني الديمقراطي (حزب مبارك) الذي كان هدفاً رئيساً خلال انتفاضة 2011.
       
    • الخلافات بين قادة الجيش ورجال الأعمال، وبين الجيش وأجهزة الأمن الأخرى، واضحة للعيان على غرار تلك التي كانت موجودة في الهزيع الأخير من حقبة مبارك.

    مضاعفات للمستقبل

    • ثمة خطوط تشابه عدة بين المشهد السياسي الراهن وبين ذلك الذي ساد في أواخر العام 2010، حين استُبعِدت معظم المعارضة من الانتخابات، ومع ذلك كانت هذه الانتخابات فاسدة وعنيفة، مافاقم من اشمئزاز الرأي العام من نظام مبارك.
       
    • إجراء الانتخابات من دون تعدّدية حقيقية، قد يُنتج برلماناً يتكوّن من أفراد لايسعون سوى إلى المكاسب الاقتصادية الشخصية. مثل هذه الهيئة التشريعية ستكون صعبة على الإدارة وغير قادرة على فرض الضوابط المنصوص عليها في الدستور على الهيئة التنفيذية، والتي أعطت دوراً أكثر حيوية نسبياً للبرلمان من حقبة مبارك.
       
    • إذا ماكان البرلمان مشاكساً، أو إذا ما استمرت في الواقع الفجوة في الحياة البرلمانية، فإن هذا لن يسفر سوى عن مفاقمة شعور المصريين بديمومة الخلل السياسي.


    الآثار المترتّبة على وجود ساحة تفتقر إلى السياسة بالنسبة إلى الانتخابات والحكم والاستقرار

    جورج اسحق، وهو سياسي علماني معارض محنّك دعم إطاحة مرسي، أشار إلى أنه منذ انتخاب السيسي رئيساً، لاتزال مصر تعيش "فترة تفتقر إلى السياسة". فقد تم تقليص التعدّدية، فضلاً عن حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات، بصورة حادّة بهدف خلق شعور بأن الحياة السياسية، التي بدا أنها بدأت في أوائل العام 2011، انتهت فجأة مرة أخرى.
    الإقصاء شبه الكامل للإسلاميين، ومقاطعة الانتخابات من جانب العديد من الأحزاب العلمانية الحديثة المرتبطة بثورة العام 2011، والقيود المشدّدة التي فُرِضَت على وسائل الإعلام وكذلك تعبئة الشارع، أدّت إلى نشوء وضع في العام 2015 يشبه بصورة ملحوظة الوضع الذي كان سائداً في العام 2010. لم تكن المنافسة الانتخابية غائبة تماماً في العام 2010، غير أن التنافس حدث بصورة حصرية تقريباً بين عناصر داخل المعسكر الوطني وليس بين الأحزاب ذات الإيديولوجيات أو البرامج المختلفة جوهرياً. في واقع الأمر، أصبحت الاختلافات بين الوطنيين أكثر حدّة ووضوحاً من أي وقت مضى، وقد يكون مردّ ذلك بصورة جزئية إلى حقيقة أنه لم تكن هناك حاجة إلى التوحّد في مواجهة المنافسين من معسكرَي المعارضة الإسلامية أو العلمانية. كانت انتخابات العام 2010 فاسدة وعنيفة، مع أنه من غير الواضح ما إذا كانت عمليات شراء الأصوات، وحشو صناديق الاقتراع بالأوراق المزورة، والإكراه البدني، أكبر مما كانت عليه في السباقات الفائتة أو أنها كانت موثّقة ومنشورة بصورة كاملة نتيجة لاستخدام وسائط التواصل الاجتماعي.
    ويبقى أن ننتظر لنرى ما إذا كانت مشاهد مماثلة ستتكشّف وتظهر للعيان في الانتخابات البرلمانية المقبلة. عندما تعقد الانتخابات في نهاية المطاف، ستكون فوضوية بلا شك. فقد تم تسجيل مايقرب من 7 آلاف مرشح للانتخابات، التي كانت مُقرَّرة في آذار/مارس ونيسان/أبريل 2015، يسعون إلى الحصول على مقاعد برلمانية (ناهيك عن الحصانة البرلمانية من الملاحقة القانونية)، ويتنافسون مع بعضهم البعض حتى من دون أن يكون لديهم أي مظهر من مظاهر الانضباط الحزبي. ومن المؤكد أن من شأن الانتخابات التي تجري في مثل هذه الظروف أن تولّد شعوراً بالظلم بين الإسلاميين (الذين لايزالون يشعرون بالاستياء من حلّ البرلمان السابق في العام 2012، ناهيك عن عزل مرسي) وبين الثوار الشباب، ولكن ليس من الواضح ما إذا كان الجمهور عموماً سيقاسمهم هذه المشاعر. وعلى الرغم من أن أفراد النخبة النشطة سياسياً هم الذين احتجّوا في البداية على انتخابات العام 2010، أصبحت تلك الانتخابات جزءاً من سرديّة أوسع لغدر الحزب الوطني الديمقراطي (جنباً إلى جنب مع عدم المساواة الاقتصادية والفساد وانتهاكات حقوق الإنسان) الذي انتهى بإطاحة مبارك بعد بضعة أشهر من التصويت.
    بالنسبة إلى أي برلمان جديد يُنتخَب في ظلّ الظروف الحالية، على الرغم من أنه لن يكون هناك وجود معارض حقيقي إن وجد أصلاً، فإن المجلس المكوّن من 567 مقعداً قد يكون فوضوياً بسبب انعدام التماسك في المعسكر الوطني. وحتى لو فاز ائتلاف وطني أو أكثر بالكثير من المقاعد (ولاسيما بالنسبة إلى ائتلاف "في حب مصر" الذي يُعتقَد أنه قريب من السيسي)، فإنه لن يعمل بالضرورة ككتلة تصويت واحدة داخل المجلس. فقد كانت هناك قوائم رئيسة عدة في انتخابات 2011-2012، ولكن كل حزب وعضو مضى في سبيله عندما انعقد البرلمان. وبمجرّد أن يبدأ المجلس الجديد العمل، من المرجّح أن تطفو على السطح مسألة وجود حزب وطني حاكم، على الرغم من أن قانون الانتخابات يجعل من الصعب على النواب تغيير انتمائهم الحزبي بعد أن يتم انتخابهم.
    انعدام التماسك داخل البرلمان قد ينطوي على مزايا قصيرة الأجل بالنسبة إلى السيسي، الذي لن يشعر بالقلق إزاء وجود معارضة منظّمة بصورة جيدة في المجلس، بيد أنه قد يصبح إشكالياً بالنسبة إليه كذلك. وبموجب دستور العام 2014، يملك البرلمان إلى حدّ ما سلطة أكبر من التي كان يملكها في عهد مبارك. ويجوز لأي عضو مساءلة أحد وزراء الحكومة أو استجوابه، بمَن فيهم رئيس الوزراء، حيث يجوز للبرلمان أن يصوّت بأغلبية بسيطة لسحب الثقة من أحد الوزراء أو من مجلس الوزراء بأكمله. ويصوّت البرلمان على مشروع الموازنة العامة للدولة، على الرغم من أن ميزانية الجيش معفاة من التدقيق الحقيقي لأنها مُدرَجة في بند واحد ضمن الميزانية العامة للدولة. كما يجوز للبرلمان تجاوز الفيتو الرئاسي على القوانين من خلال التصويت بأغلبية الثلثين. ولايجوز للرئيس حلّ البرلمان إلا بعد الموافقة على ذلك من خلال استفتاء عام، وهو القيد الذي لم يواجهه مبارك بعد التعديلات التي أُجريَت على الدستور في العام 2007.
    إذا كان البرلمان الذي يُنتخَب في ظلّ الظروف الراهنة مكوَّناً أساساً من أفراد حريصين على تملّق الحكومة، فربما يوافق على العديد من القوانين المثيرة للجدل التي أصدرها السيسي وسلفه، الرئيس المؤقّت عدلي منصور. ويبدو أن من المستبعد أن يتمكّن مجلس لاوجود فيه لكتل تصويت متماسكة من الاستفادة من السلطات الموسّعة المتاحة في الدستور، والتي تمكّنه من الناحية النظرية من فرض ضوابط على قوة السلطة التنفيذية. غير أن حكومة السيسي قد تجهد أيضاً لتمرير التشريعات الجديدة من خلال هذا المجلس، المكوَّن من مئات الأفراد، وكل واحد منهم يريد الحصول على شيء ما في المقابل بينما تخضع قلّة منهم إلى الانضباط الحزبي.
    ثمّة سؤال آخر بشأن المستقبل يتعلّق بما إذا كان الرئيس السيسي سيكتشف في نهاية المطاف أن ثمّة فائدة لاستخدام السياسة المدنية، أي الحاجة إلى بناء، أو على الأقل مباركة، تأسيس حزب أو حركة أو ماكينة سياسية وطنية يمكنها حشد تأييد الرأي العام عندما يحتاج إليه. فقد كان مفاجئاً نوعاً ما أنه لم يكتشف مثل هذه الحاجة بعد انتخابه للرئاسة. وعلى الرغم من أن السيسي انتخب بأغلبية هائلة (97 في المئة) من الذين صوتوا، فقد كان عدم وجود ماكينة سياسية لتعبئة الناخبين يعني أن الإقبال الأوّلي كان ضعيفاً، مايقلّل من أهمية حكاية شعبيته الهائلة، حيث أعلنت السلطات تمديد التصويت ليوم ثالث، وهو أمر لاسابق له. والواقع أن ثمة تقارير أشارت في ذلك الوقت إلى أن شخصيات سابقة في الحزب الوطني كانت حريصة على إبراز ضعف الإقبال على صناديق الاقتراع لإظهار أن السيسي لن يتمكّن من النجاح اعتماداً على شعبيته وحدها وأنه كان في حاجة إلى مساعدتها.
    على الرغم من ظروف انتخابه غير المريحة إلى حدّ ما، فضّل السيسي حتى الآن أن يترفّع على الخلافات، معتبراً أنه لن يكسب ولن يخسر سوى القليل إذا حاول تنظيم المجال السياسي الوطني، وهو الأمر الذي ينطوي على تصنيف العديد من المصالح المتباينة. عندما التقى السيسي مع الأحزاب السياسية في منتصف كانون الثاني/يناير، يُقال إنه حذّرها من أنه إذا شعر الشعب المصري أنه ليس ممثَّلاً بصورة جيدة، فإنه قد يثور ضد البرلمان الجديد. في نهاية المطاف، قد يكون توزيع اللوم بسبب مايُرجَّح أن يجري، وبما في ذلك ربما تعمّق الصعوبات الأمنية والاقتصادية، هو الغاية التي تسعى إليها الهيئات السياسية في مصر في الوقت الحاضر.



    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: وطنيو مصر يُهيمنون في ساحة تفتقر إلى السياسة Rating: 5 Reviewed By: Unknown
    Scroll to Top