تصاعد في الآونة الأخيرة نفوذ بعض جماعات الضغط التابعة لعدد من الأقليات في منطقة الشرق الأوسط، على غرار الأكراد والدروز والأرمن، بشكل كان له تأثير، في بعض الأحيان، على السياسات الخارجية للدول المستضيفة لها، لا سيما أن الأخيرة بدأت تبدي اهتمامًا خاصًّا بالتداعيات المختلفة للصراعات المسلحة التي تشهدها بعض دول المنطقة على الأقليات الموجودة فيها. لكن ذلك لا ينفي أن ثمة متغيرات عديدة تحكم حدود التأثير الذي يمكن أن تمارسه تلك الجماعات في المستقبل.
دور بارز:
نجحت بعض الأقليات في المنطقة في تأسيس جماعات ضغط تابعة لها من أجل تحقيق مصالحها، ويتمثل أبرزها في:
1- اللوبي الكردي في الولايات المتحدة الأمريكية: وقد أسسه قباد طالباني، ممثل إقليم كردستان في واشنطن، عام 2006، وسعى من خلاله إلى الاستعانة ببعض الشخصيات الأمريكية من أجل دعم نفوذ الأكراد في واشنطن، وتأييد السياسات التي يتبناها الأكراد في مرحلة ما بعد سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين. وتشير تقارير عديدة إلى أن هذا اللوبي حاول إقناع الإدارات الأمريكية المتعاقبة بدعم تطبيق النموذج الفيدرالي في العراق، كما سعى إلى جذب الاستثمارات الأمريكية إلى كردستان من خلال تأسيس علاقات قوية مع بعض الشركات الكبرى ورجال الأعمال، وضم بعض الأمريكيين إلى عضويته.
2- اللوبي الدرزي في إسرائيل: تشير تقارير عديدة إلى أن الدروز في إسرائيل الذين تُقدرهم بعض الإحصائيات بنحو 130 ألف نسمة، يمارسون ضغوطًا من أجل دفع حكومة بنيامين نتنياهو إلى التدخل لحماية الدروز في سوريا من أية انتهاكات محتملة قد يتعرضون لها من قبل التنظيمات المتطرفة، مثل تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة"، على غرار ما حدث مع بعض الأقليات الأخرى كطائفة الإيزيديين.
3- اللوبي الأرمني في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا: ويعد الأكبر بعد اللوبي اليهودي، حيث سعى دومًا إلى إضفاء أهمية وزخم خاص على قضية "مذابح الأرمن"، ونجح في استقطاب عدد من الشخصيات السياسية في واشنطن وباريس من أجل تأييد مطالبه.
تداعيات عديدة:
يبدو أن تزايد نفوذ لوبيات الأقليات سوف يفرض تداعيات عديدة تتمثل في:
1- تقديم مزيد من المساعدات العسكرية، وتبدو الحالة الكردية أبرز مثال على ذلك، فقد أشارت عدة اتجاهات إلى أن اللوبي الكردي مارس دورًا بارزًا في إقناع واشنطن بتقديم دعم عسكري للأكراد في إطار الحرب على تنظيم "داعش"، خاصةً في ظل نجاحهم في تطهير بعض المناطق من عناصر التنظيم على غرار مدينة عين العرب "كوباني". وقد تسبب ذلك في حدوث نوع من التوتر في العلاقات بين واشنطن وبغداد، خاصة بعد أن أصدر الكونجرس الأمريكي مشروع قرار يفرض على الحكومة العراقية ضرورة إشراك القوى غير الشيعية في إدارة الدولة، للحصول على المساعدات التي تقدر بـ715 مليون دولار، ويطالب بخصم 75% من هذه المساعدات، وتوجيه 60% منها إلى الأكراد والسنة في حالة عدم التزام الحكومة بتنفيذ ذلك.
2- استقطاب دعم دولي لقضايا الأقليات، فقد سعى اللوبي الأرمني في واشنطن إلى استقطاب عدد من الشخصيات الأمريكية من أجل إقناع الأخيرة بدعم مطالب الأرمن بضرورة اعتراف تركيا بـ"الإبادة الأرمنية". فضلا عن أنه ساهم في تصعيد القضية على الساحة الدولية، وفي رؤية اتجاهات عديدة فإن هذه القضية أصبحت تحظى باهتمام 22 دولة و40 برلمانًا ومجلسًا محليًّا على مستوى العالم.
3- تقديم تنازلات، حيث أشارت تقارير عديدة إلى قيام إسرائيل بتقديم مساعدات إنسانية لبعض تنظيمات المعارضة السورية، لكنها اشترطت عدم الاقتراب من الحدود أو ارتكاب أية انتهاكات ضد الدروز. كما ألمح قائد سلاح الجو الإسرائيلي إمير إيشل إلى إمكانية قيام سلاح الجو بدور ما لمساعدة الدروز لمواجهة أية تهديدات محتملة.
حدود التأثير:
لكن رغم ذلك، فإن قدرة لوبيات الأقليات على التأثير في السياسات الخارجية لبعض الدول تبقى محكومة بعدة متغيرات، يتمثل أولها، في المواقف التي تتبناها تلك الدول تجاه الصراعات المسلحة في المنطقة. فعلى سبيل المثال، لا تبدو إسرائيل في وارد التدخل بقوة في الصراع السوري، بشكل سوف يفرض خيارت محدودة أمام تحركها لمساعدة الدروز. فيما ينصرف ثانيها، إلى حرص القوى الدولية على الحفاظ على مصالحها المشتركة مع بعض دول المنطقة، على غرار تركيا، بشكل يمكن أن يدفع الأولى إلى تجنب ممارسة ضغوط قوية على الأخيرة للاستجابة لبعض المطالب التي تتبناها جماعات الضغط في الخارج. ويتعلق ثالثها، بحالة الانقسام الملحوظة داخل بعض الأقليات في المنطقة، والتي تقلص، إلى حد ما، من قدرة جماعات الضغط في الخارج على تحقيق أهدافها، وهو ما يبدو جليًّا في الحالة الكردية، حيث لا يتبنى الأكراد سياسة واحدة، في ظل انشغالهم في الفترة الحالية بمواجهة التداعيات المختلفة التي يفرضها تمدد تنظيم "داعش" داخل العراق وسوريا، وتباين اتجاهات علاقاتهم مع بعض دول المنطقة على غرار تركيا وإيران.
في النهاية، يمكن القول إن بعض الأقليات في الشرق الأوسط نجحت في تصعيد قضاياها على الساحة الدولية، والحصول على دعم دولي لا يمكن تجاهله، في خضم الصراعات المسلحة التي تشهدها المنطقة، والتي تبدو مقبلة على استحقاقات استراتيجية مهمة سوف تدفع، في الغالب، تلك الأقليات إلى تبني سياسات خارجية مستقلة.
المركز الاقليمي للدراسات