728x90 شفرة ادسنس

  • اخر الاخبار

    Monday, July 13, 2015

    أنماط التضييق على الحريات الفردية في المنطقة العربية

    المركز الاقليمي للدراسات 
    بات الفاعل المجتمعي حاضرًا بقوة في التحولات الداخلية للدول، لا سيما بعد اندلاع الثورات العربية وتوابعها، فلم يعد هامشيًّا كما كان، وخاصة في التأثير على مجال الحريات الخاصة، والتي أصبحت مهددة بشكل متفاوت في بعض الدول العربية، ومنها المغرب وتونس ومصر والجزائر وقطر والسودان؛ حيث يرجع هذا التهديد إلى العديد من الأسباب، التي يتمثل أبرزها في تزايد دور المجتمع كفاعل رئيسي، وتراخي أجهزة وسلطات الدول في التعامل مع انتهاك الحريات الفردية، وتنامي التيارات الأصولية والدينية المحافِظة، وتركيز الأجهزة الأمنية على الأمن السياسي لا المجتمعي، وهو ما يُرجح نمو هذه الظاهرة إلى حدٍّ بعيد.
    حالات متعددة:
    انتشرت حالات الاعتداء على الحريات الفردية بشكل نسبي في المرحلة الراهنة، فلم تعد قاصرة على دولة بعينها، بل امتدت إلى عدة دول عربية؛ حيث تعدت سلطة الشارع النقد لتصل إلى مرحلة الاعتداء المباشر على بعض الممارسات التي تقع في نطاق الحريات الشخصية. فضلا عن حدوث تحول يتعلق بانتقال التضييق على الحريات من السلطات الحاكمة إلى المجتمعات في تلك الدول.
    فقد شهدت مدينة فاس المغربية، في أول يوليو الجاري، اعتداء من قبل المواطنين على شخص مثليٍّ، حيث أوسعوه ضربًا، بينما حاول البعض قتله قبل قدوم الشرطة التي اعتقلته بعد ذلك. غير أنها لم تكن الحالة الأولى للاعتداء على الحريات في المغرب، فقد اعترض ملتحٍ بلباس أفغاني فتاةً بمدينة طنجة بشمال المغرب مطالبًا إياها بالالتزام باللباس المحتشم.
    وتكمن خطورة تلك الواقعة في أنها جاءت بعد أيام قليلة من اعتقال السلطات المغربية فتاتين بعد تعرضهما للاعتداء في إحدى ضواحي مدينة أغادير بسبب ارتدائهما تنوره قصيرة، وهو ما أثار مخاوف عديدة لدى الحقوقيين المغاربة الذين توجسوا من حدوث "ردة في مجال الحريات الفردية"، على حد وصفهم.
    وقد تكرر الأمر ذاته في مصر، في 11 يونيو 2015، حينما تم الاعتداء بالضرب من قبل مجموعة من المواطنين بمحافظة الجيزة على شاب تم الاشتباه في أنه "مثلي". كما أُطلقت دعوات في مصر لخلع الحجاب باعتباره من مظاهر الرجعية والتخلف، وفقًا لأصحاب تلك الدعوات، وهو ما يعد أحد أشكال الاعتداء على حرية اللباس المتمثل في الحجاب. وقد توازي ذلك مع تكرار بعض الاعتداءات على الملتحين والمنتقبات في مختلف محافظات الجمهورية وخاصة المنصورة.
    كذلك دشنت مجموعات شبابية في المراكز التجارية بالأردن، في منتصف عام 2013، حملة بعنوان "وَذَكِّرْ" لتقديم النصيحة للفتيات من أجل الاحتشام. ومع تزايد واتساع دور الوسائل الإعلامية الجديدة، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي؛ برزت العديد من حملات التوجيه الإلكتروني بهدف التضييق على الحريات الفردية في دول المنطقة. ففي منتصف مايو من العام الجاري تم إطلاق صفحة جزائرية على موقع "فيسبوك" بعنوان "كن رجلا ولا تترك نساءك يخرجن بلباس فاضح" تدعو الرجال لاحتشام زوجاتهم، وحملة أخرى في مصر، في يونيو من العام ذاته، عبر صفحة تسمى "إذا لم تستر نفسها.. افضحها" تدعو لتصوير الفتيات اللاتي يرتدين ملابس فاضحة، والتشهير بهن، بهدف منعهن من القيام بذلك، وهو ما تكرر في قطر، في منتصف عام 2014، عندما تم إطلاق حملة على موقعي "تويتر" و"إنستجرام" بعنوان "أظهر احترامك" لتشجيع الرجال والنساء من الأجانب على ارتداء لباس محتشم في الأماكن العامة احترامًا للقيم الثقافية المحلية.
    أسباب متباينة:
    تتعدد أسباب انتشار نمط التوجيه المجتمعي المتمثل في مفهوم عدالة الشارع بين أسباب سياسية، وأخرى دينية وثقافية، وأخرى تتصل بشكل مباشر بتراخي الدولة في التعامل مع حالات الاعتداء على الحرية الفردية. وفي هذا السياق، يمكن تلخيص أبرز تلك الأسباب فيما يلي:
    1- تزايد دور المجتمعات كفاعل رئيسي في التحولات الداخلية، فقد شهدت مرحلة ما بعد الثورات العربية تغيرًا كبيرًا في معادلة العلاقة بين المجتمع والدولة؛ حيث اتسع دورُ المجتمع بشكل كبير من جانب، في مقابل انحسار دور الدولة من جانب آخر، مما أعطى مساحة أكبر للقوى المجتمعية في ممارسة أشبه ما يكون بسلطة الوصاية على الاختيارات والتفضيلات الفردية، وهو ما انعكس في الممارسات والاعتداءات المتكررة أو حتى تدشين حملات النصح والإرشاد في كثير من الدول العربية.
    2- التراخي في التعامل مع انتهاك الحريات الفردية، حيث لم تكتفِ السلطات والأنظمة بعدم اتخاذ إجراءات ردع لتلك التجاوزات، بل إنها تشجع في بعض الأحيان على انتهاك الحريات الفردية، مما يعطي تلك الممارسات غطاء شرعيًّا، وتجلى ذلك في الحالة التونسية من خلال موقفين: الأول، التصريحات الأخيرة للرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، والتي طالب فيها المنتقبات بخلع النقاب أو عدم المشاركة في الحياة العامة والسياسية. والثاني، التضييق على الحريات الشخصية مثل غلق المقاهي وفرض قيود على روادها في نهار رمضان، وقد دفع ذلك العديد من الأحزاب التونسية -وفي مقدمتها حزب "التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات"- إلى إصدار بيان لرفض ما أسموه "التصرفات التعسفية من طرف قوات الأمن على الحريات الفردية والعامة".
    3- تنامي التيارات الأصولية والدينية المحافظة، إذ أن غالبية الثورات العربية أسفرت عن وصول تيارات ذات أيديولوجيات دينية إلى سدة الحكم على غرار جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، فضلا عن حصول حزب "النور" السلفي على موقع سياسي بارز بعد وصوله إلى المركز الثاني في انتخابات مجلس الشعب عام 2012، وهو ما تكرر بوصول حركة "النهضة" التونسية إلى السلطة، وسيطرتها على المشهد السياسي؛ حيث تتبنى غالبية تلك التيارات رؤية ذات طبيعة أحادية تقوم على فكرة ضرورة تقويم المجتمع، وضبط مساراته ومفاهيمه، وفقًا لرؤية دينية تميل إلى شكل من أشكال سلطة فرض الوصاية، وهو ما أعطى قواعدها غطاءً ضمنيًّا للتحرك في اتجاه ضبط السلوكيات المجتمعية دون العودة لسلطة الدولة، مثل دعوات الاحتشام، وضرورة ارتداء الحجاب والنقاب في مصر التي انتشرت آنذاك.
    غير أن خروج تلك التيارات من السلطة، ووصول قوى جديدة ذات توجهات ليبرالية متناقضة تمامًا مع سابقتها قد أفرز تطرفًا من نوع آخر تمثل في تبني رؤى عكسية ضد الحجاب والنقاب، وهو ما تجلى في تونس بعد الجدل الأخير حول النقاب.
    4- تركيز الأجهزة الأمنية على الأمن السياسي وليس المجتمعي، فمع التطورات التي تشهدها المنطقة العربية تحول تركيز الأجهزة الأمنية إلى الأبعاد السياسية للأمن كمكافحة الإرهاب وغيرها من المجالات، دون الاعتداد بالوظيفة الرئيسية لتلك الأجهزة وهي الحفاظ على استقرار الأمن المجتمعي، مما أنتج حالة من الفراغ في هذا المجال، واستدعى بالضرورة دخول الفاعل المجتمعي متمثلا في الشارع ليلعب دور ضبط الجوانب الأخلاقية وفقًا للرؤى المختلفة لأفراد المجتمع. 
    وإجمالا، يُمكن القول إن كفالة الحريات الفردية قد باتت على المحك، لا سيما مع التصاعد النسبي في الانتهاكات من جانب، وغياب دور الدولة في تحجيم ظاهرة الاعتداء على الحريات الفردية أو الحد منها من جانب آخر، خاصة مع استمرار وجود الأسباب الموضوعية لارتكاب مزيد من الانتهاكات في المستقبل، بالتزامن مع وجود مناخ مجتمعي دافع ومشجع لهذا الاتجاه.
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: أنماط التضييق على الحريات الفردية في المنطقة العربية Rating: 5 Reviewed By: Unknown
    Scroll to Top