المركز الاقليمي للدراسات
أثارت الدعوات المطالِبة باقتراح وضع نص قانوني يحمي مجلس النواب بصورة نهائية من إمكانية الحل، وذلك من خلال تأجيل تنفيذ أي حكم محتمل يصدر من المحكمة الدستورية العليا ببطلان قوانين الانتخابات إلى الانتخابات التالية، أي بعد انقضاء فترة السنوات الخمس للمجلس النيابي- تفاديًا لحله خلال فترة انعقاده - العديد من التساؤلات حول مدى دستورية هذا المقترح، وحدود تأثيره على الاستقرار المؤسسي للبرلمان مستقبلا؟.
مقترح التحصين:
تقوم فكرة تحصين البرلمان على مقترح مشروع قانون يضمن كيفية المزاوجة بين تحرير المحكمة الدستورية العليا من المواعيد المختصرة والمحددة لنظر الطعون الانتخابية المتعلقة بمجلس النواب، وتبني عدم حل البرلمان نهائيًّا، لا سيما وأن التعديل الذي أُدخل على قانون المحكمة الدستورية العليا بشأن منازعات الانتخابات الرئاسية والنيابية بالقرار الجمهوري رقم 26 لسنة 2014 والذي صدر خلال فترة الرئيس المؤقت عدلي منصور أقر بسرعة البت في الدعاوى المرفوعة بأوقات زمنية محددة، بهدف تحقيق استقرار المراكز القانونية. كما تبنى مشروع القانون عدم حل المجلس نهائيًّا حتى لو صدر حكم بعد انعقاده ببطلان بعض نصوص قوانين انتخابه، وذلك باقتراح إضافة فقرة رابعة إلى نص المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا نصها "وإذا كان الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة يترتب عليه بطلان انتخابات مجلس النواب، فلا يسري أثر هذا الحكم على مجلس النواب الذي تم انتخابه، وفقًا للنصوص المقضي بعدم دستوريتها، وذلك دون الإخلال بحق المدعي في التعويض".
جدل متنامٍ:
أثار المقترح السابق جدلا واسعًا ما بين تيارين أساسيين؛ الأول يؤيد التحصين، لا سيما وأن القوانين المنظمة للعملية الانتخابية تعرضت من قبل، ومن المتوقع أن تتعرض مرة أخرى، للطعن بعدم الدستورية، وهو ما سيؤدي إلى حل البرلمان بعد تشكليه أو تعطيل العملية الانتخابية إلى أجل غير مسمى. ويستند هذا الاتجاه الذي تتبناه أحزاب مثل: الجيل الديمقراطي، والمحافظون، والوفد، والمصريون الأحرار، والإصلاح والنهضة، إلى مبررات عدة أهمها:
1- ضرورة استكمال البناء المؤسسي في ظل تأكيد الدولة التزامها بعقد الانتخابات البرلمانية قبل نهاية العام الجاري ليكتمل بذلك تنفيذ الاستحقاق الثالث والأهم من خارطة الطريق وهو تشكيل المؤسسة التشريعية لضمان القيام بأدوارها الرئيسية في الرقابة والتشريع، فضلا عن الاشتراك مع رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة.
2- تفادي إهدار التكلفة الاقتصادية والاجتماعية لتشكيل البرلمان، لا سيما وأن بعض التقديرات تشير إلى أن العملية الانتخابية تتراوح حدود تكلفتها من 130 - 140 مليون دولار، وهي تكلفة مرتفعة في ظل الضغوط الاقتصادية التي يُعاني منها الاقتصاد المصري.
3- تعدد الطعون المتوقع تقديمها على قوانين الانتخابات (قانون مجلس النواب، وقانون مباشرة الحقوق السياسية، وقانون تقسيم الدوائر الانتخابية) في ظل وجود صياغات ضبابية لعدد من مواد هذه القوانين جعلها تحمل تأويلات قانونية متعددة.
أما الاتجاه الثاني والرافض لفكرة التحصين فإنه يبرر ذلك الموقف بأن تحصين تشكيل المؤسسات أو حتى تحصين القرارات يتسم بخبرة سلبية في العقل الجمعي المصري، لا سيما وأن أحد أخطاء بل خطايا نظام مرسي هو الاتجاه لتحصين القرارات في الإعلان الدستوري الذي أصدره في نوفمبر 2012، وهو السلوك الذي أثار رفضًا مجتمعيًّا واسع النطاق. ويتبنى هذا الاتجاه عددا من خبراء وأساتذة القانون الدستوري وبعض القوى السياسية والحزبية، ومنها أحزاب: الكرامة، والمؤتمر. ويستندون إلى مبررات متعددة لهذا الرفض، أهمها:
1- أن تحصين البرلمان سيُفرز برلمانًا وضعه القانوني سيظل محل شك وتساؤل، مما سيسهم في تراجع دوره كأحد أهم مؤسسات النظام السياسي الجديد في ظل التشكيك في دستورية وسلامة الإجراءات التي بموجبها تم تشكيله، وهو ما سيُنتج قوانين وتشريعات ربما ستكون غير دستورية، مما يعوق تطبيقها بشكل فعال.
2- الإخلال بالمشروعية القانونية والدستورية من خلال حجب دور المحكمة الدستورية العليا في الرقابة على القوانين والتشريعات ومدى مواءمتها مع الدستور، وهو ما أقره الدستور المصري في المادة 192، والتي نصت على تولي المحكمة الدستورية دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح وتفسير النصوص التشريعية.
3- أن تحصين البرلمان سيكون سابقة تاريخية لم تحدث من قبل، وهو ما يعكس الإخفاق والفشل في وضع القوانين المنظمة للعملية الانتخابية لتتوافق مع الدستور، ويكشف الخلل في تشكيل اللجنة المكلفة بتعديل القوانين.
سيناريو مستبعد:
على خلفية الجدال السابق، من غير المرجح أن يصدر قانون لتحصين البرلمان لاعتبارين أساسيين؛ الأول الرفض المجتمعي لفكرة التحصين بما يحول دون إرساء الاستبداد المؤسسي عبر حماية البرلمان من الحل. أما الاعتبار الثاني وربما الأهم فإن التحصين سيرتبط بالإخلال بمبدأ توازن السلطات، والذي يجعل السلطات الثلاث (التشريعية، والقضائية، والتنفيذية) في حالة رقابة متبادلة على بعضها بعضًا لمنع انحراف أيٍّ منها بسلطتها المخولة لها، وهو ما يحقق التوازن والاستقرار المؤسسي الذي يعد ركيزة للبناء الديمقراطي الذي تحتاجه مصر بعد ثورتين ملهمتين. من هنا تثار الإشكالية المعقدة في كيفية الموازنة بين سرعة إجراء الانتخابات البرلمانية والحيلولة دون حل البرلمان مستقبلا، وهو الأمر الذي يتطلب ضرورة أخذ مقترحات الأحزاب والقوى السياسية في الاعتبار، وإعادة النظر في النظام الانتخابي بما يُمهد الطريق إلى هندسة البيئة الانتخابية بما يتوافق مع مواد الدستور المنظمة للعملية الانتخابية، مع مراعاة المعايير التي أقرتها المحكمة الدستورية العليا بعد حكمها ببطلان عدد من مواد قوانين الانتخابات، خاصة المتعلقة بالتقسيم الجغرافي، وذلك قبل إصدار التعديلات المقترحة على مشروعات القوانين المنظمة للعملية الانتخابية بصورة نهائية وإقرارها من الرئيس عبد الفتاح السيسي المعقودة له سلطة التشريع.