728x90 شفرة ادسنس

  • اخر الاخبار

    Wednesday, July 29, 2015

    جدوى انخراط الفنانين المصريين في العمل السياسي

    د. مروة نظير
    المركز الاقليمي 

    تُثير حالةُ الحراك المجتمعي التي تشهدها مصر منذ ثورة يناير 2011، العديدَ من الإشكاليات والقضايا الجدلية، لا سيما فيما يتعلق بانفتاح المجال العام أمام مختلف الفاعلين من مختلف التوجهات، على نحو يؤدي في حالات عدة إلى إثارة العديد من علامات الاستفهام حول حدود وجدوى انخراط بعض الأفراد أو الفئات في العمل السياسي. وتصدق تلك التساؤلات بشكل واضح في حالة الفنانين على اختلاف ميولهم وتوجهاتهم؛ حيث شهدت السنوات الماضية حضورًا فاعلا للفنانين المصريين في المشهد السياسي، وإن اختلفت آليات واتجاهات هذا الحضور، كما اختلفت الجدليات المترتبة عليه.
    أولا- أنماط الانخراط: بين المواطنة الفاعلة والتحركات الموجهة:
    امتدت أنماط انخراط الفنانين في العمل السياسي على نطاق واسع يشمل تحركات تنوعت ما بين:
    - المشاركة المباشرة في الفعاليات:
    فقد عمد كثيرٌ من الفنانين إلى المشاركة في بعض الفاعليات والأحداث، ولعل أبرزها في هذا السياق المظاهرات والتجمعات الشعبية. وهذا ما تجلى في مشاركةِ عددٍ من الفنانين في أحداث ثورة يناير 2011، والتواجد في ميدان التحرير، ومن الأسماء التي تبرز في هذا السياق: خالد صالح، عمرو واكد، منى زكي، آسر ياسين، أحمد عيد، وخالد الصاوي، الذي قاد تحركات للشباب والفنانين أمام نقابة المهن التمثيلية. في المقابل، أعلن فنانون دعمهم للرئيس الأسبق مبارك، ونزلوا إلى الميادين بمبادرات شخصية، أو باتفاقات مع السلطة، لحثّ الشباب على الخروج. كذلك قام بعضهم بمهاجمة ثوار التحرير في وسائل الإعلام، وحاولوا تصويرهم كمخربين، ومن أبرزهم: تامر حسني، ومحمد فؤاد. وتجدر الإشارة إلى أن المواقف التي تبناها الفنانون من ثورة يناير كانت سببًا في ظهور ما عُرف بقوائم "الشرف" مقابل قوائم "العار"؛ حيث قامت بعض التيارات الثورية بنشر قائمة بأسماء الفنانين والرياضيين الذين ينبغي مقاطعتهم بسبب موقفهم السياسي المنحاز إلى مبارك، وذلك تحت اسم "القائمة السوداء للفنانين المصريين"، وتصدرت القائمة أسماء مثل "عمرو مصطفى" الذي وصف المتظاهرين بالخونة، وساعد في تشكيل حركة "إحنا آسفين يا ريس". كذلك تضمنت القائمة اسم الفنان "طلعت زكريا"، الذي اتهم المتظاهرين بارتكاب تجاوزات أخلاقية.
    وكانت هناك لحظة مفصلية أخرى مع أحداث يونيو 2013، وتصاعد الصدام بين الإخوان وعموم الفنانين عقب تعيين وزير الثقافة علاء عبد العزيز، واتهامه بالسعي إلى "أخونة" الوزارة. فشارك عشرات الفنانين في اعتصامات أمام وزارة الثقافة في بداية يونيو 2013، مطالبين بإقالة الوزير، كما اتجه بعضُ الفنانين إلى التوقيع على استمارة "تمرد"، والمشاركة في مظاهرات 30 يونيو 2013. كما حرص بعض الفنانين على المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي ترتبت على تلك الأحداث، من أمثال: عمرو واكد الذي أعلن عن تأييده للمرشح حمدين صباحي، وإلهام شاهين التي شاركت في الانتخابات الرئاسية، وأعلنت تصويتها للمرشح -آنذاك- عبد الفتاح السيسي.
    - لعب دور قادة الرأي:
    سعى فنانون كثر خلال الفترة السابقة إلى محاولة التأثير في الرأي العام إزاء بعض القضايا، عبر الإعراب عن رؤاهم وتوجهاتهم إزاء بعض القضايا، وفي بعض الأحيان قام فنانون بدعوة المواطنين مباشرة للقيام بعمل أو تبني رأي بعينه. ظهر ذلك في مناسبات عدة، فمثلا خلال أزمة وزير الثقافة خلال حكم د. محمد مرسي، اختار فنانون (مثل: أحمد عيد، وحمزة نمرة، والشاعر عبد الرحمن يوسف القرضاوي) دعم الرئيس المعزول محمد مرسي، فشنوا هجومًا على الجبهة الوطنية المعارضة التي قادها حمدين صباحي، ومحمد البرادعي.
    وخلال المرحلة الانتقالية التي تلت ذلك، طالب فنانون مثل: أحمد بدير، وهالة صدقي، وصابرين، وإلهام شاهين، وتامر عبد المنعم، الرئيسَ السيسي بالترشح للرئاسة، وتلبية نداء الشعب المصري كله، وحثوا المصريين على المشاركة في الاستفتاء على الدستور، معتبرين أن تأييد الدستور يضمن الاستقرار السياسي لمصر. كما شكل حكم براءة مبارك مناسبة للعديد من الفنانين للإعراب عن سعادتهم بذلك.
    على الجانب الآخر، وبعد فوز السيسي بالرئاسة، وجّه خالد النبوي رسالةً له مطالبًا فيها بضرورة إقامة العدل في المرحلة المقبلة، وتمنى أن يلتزم الرئيس بتطبيق القانون على الجميع لإقامة دولة العدل، وذكّره بأن نجاحه الشخصي سيعود بالنفع الإيجابي على البلد ككل. فيما انتقد خالد أبو النجا الرئيس السيسي بسبب عدم قدرته على تأمين البلاد من الهجمات الإرهابية التي تشهدها بشكل متكرر، منتقدًا قرارات إلغاء العديد من الفعاليات والمهرجانات السينمائية. وظهر محمد عطية في المشهد السياسي عام 2014، بعد تدخله في أزمة خالد أبو النجا، بعدما تعرض لهجوم شديد لانتقاده الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ حيث ساند "عطية" زميلَه ودعمه.
    - إنتاج أعمال فنية تناقش قضايا سياسية:
    شكلت الأعمال الفنية التي تناقش قضايا سياسية أحد أبرز أدوات الانخراط في العمل السياسي في مرحلة ما بعد ثورة يناير، إذ اعتبر عدد من الفنانين أن انخراطهم في السياسة يحتم عليهم تقديم الأعمال الفنية الجادة التي تساند الثورة. ولعل النماذج التي لفتت الانتباه في مراحل متقدمة في هذا السياق المطرب محمد منير الذي أنتج أغنيته "إزاي" لتصير أغنية الثورة، محققًا شعبية غير مسبوقة. وكذلك حصل الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي على شعبية كبيرة بعد قصيدة "الميدان"، وقصيدة "ضحكة المساجين" التي تحولت إلى أغنية للمطرب على الحجار. كما برز فيلم "الشتا اللي فات" من بطولة وإنتاج عمرو واكد كأحد أبرز الأعمال الفنية التي اعتبر البعض أنها تؤرخ لأحداث ثورة يناير.
    وكانت المفارقة أن يشهد عام حكم الإخوان المسلمين ذيوع اسم الراقصة سما المصري التي أدت وأذاعت رقصات وأغنيات تُهاجم فيها الجماعة ورموزها، كذلك قدّم ممثلون (مثل: هاني رمزي، وأحمد آدم) برامج سياسية ساخرة.
    أما بعد تغير النظام السياسي عقب أحداث 30 يونيو، وإقصاء الإخوان عن السلطة؛ فقد حدثت نقلة نوعية في هذا الإطار، فأصبح إنتاج الأعمال الفنية ذات الطابع السياسي أحد أهم آليات انخراط الفنانين في العمل السياسي، فبرزت في هذا السياق أغنية "تسلم الأيادي" لمصطفى كامل التي اعتبرها البعض شعارًا للمرحلة. فيما شارك المطرب محمد منير في احتفال تنصيب السيسي رئيسًا، وأصدر أغنية "متحيز"، من ألحان عمرو مصطفى، كما كتب الأبنودي قصيدة "باب المجلس".
    - ممارسةُ العمل السياسي بشكلٍ مباشرٍ:
    حاول بعضُ الفنانين لعب دور سياسي أكثر تبلورًا خلال السنوات الماضية، عبر الانضمام للأحزاب السياسية أو حتى المبادرة بإنشائها؛ حيث انضم المخرج خالد يوسف لحزب "المصريين الأحرار" لأنه اعتبره الحزب الليبرالي/المدني الوحيد الذي يتحرك على مستوى الشارع وبشكل حقيقي مع الجماهير. فيما قامت الفنانة تيسير فهمي بتأسيس حزب جديد تحت اسم المساواة والتنمية، مبررةً ذلك بأن "المناخ السياسي قبل الثورة لم يكن يسمح بوجود حياة سياسية حقيقية، وأنه لم يعد منطقيًّا أن نذهب إلى ميدان التحرير كلما أردنا أن يصل صوتنا للمسئولين، أو كلما أردنا مراقبة رئيس أو حكومة، أو من ينوب عنهم". وبالمثل انخرط خالد الصاوي في الحياة السياسية، كونه من مؤسسي حزب التحالف الشعبي الهادف إلى ترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية، وإقامة دولة مدنية تتساوى فيها الحقوق بين المواطنين. فيما شارك عمرو واكد في تأسيس حزب الجبهة القومية للعدالة والديمقراطية.
    في السياق ذاته، اتجه بعضُ الفنانين للترشح لعضوية البرلمان، فخاضت كل من هند عاكف وتيسير فهمي انتخابات مجلس الشعب لعام 2011 / 2012، ولم توفَّقا فيها. أما انتخابات مجلس النواب المرتقب والمتوقع لها أن تجري خلال العام الحالي، فقد أعلن عددٌ من الفنانين رغبتهم في خوضها للحصول على عضوية البرلمان، ومن أبرز هؤلاء الفنانين: المخرج خالد يوسف، الذي أكد أنه قرر خوض الانتخابات على المقعد الفردي بمسقط رأسه بدائرة كفر شكر بالقليوبية شمال القاهرة. وأن برنامجه سيعتمد على تحقيق أهداف ثورة 25 يناير، وهي (عيش، حرية، عدالة اجتماعية). وكذلك المطرب إيمان البحر درويش الذي كشفت مصادر محسوبة على عائلته نيته الترشح عن دائرة العطارين، مسقط رأسه في الإسكندرية، لتتوالى بعدها أخبار قيامه بعقد لقاءات مكثفة مع رموز الدائرة، خاصة أنها تتميز بوجود كثافة سكانية عالية وكتلة تصويتية كبيرة، مستغلا شعبيته وشعبية عائلته للحصول على ثقة الناخبين، والوصول لمقعد البرلمان. وكذلك إسلام خليل، مؤلف أغاني المطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم، الذي أعلن خوض الانتخابات عن دائرة منشية القناطر، وأجرى الكشف الطبي تمهيدًا لتقديم أوراقه رسميًّا. وانطبق الأمر ذاته على الراقصة سما المصري التي أعلنت نيتها خوض المنافسة الانتخابية على مقعد دائرة الأزبكية في برلمان 2015، وبدأت إجراءات استكمال أوراقها من أجل الترشح رسميًّا للانتخابات البرلمانية.
    أما أحدث نماذج انخراط الفنانين في ممارسة العمل السياسي بشكل مباشر، فكانت لعب دورٍ في السياسة الخارجية للبلاد، وهو ما تبلور بشكل جلي خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السياسي لألمانيا مؤخرًا، والتي رافقه خلالها وفدٌ يضم عددًا كبيرًا من الإعلاميين والفنانين اختارتهم مؤسسة الرئاسة، كان من بينهم: يسرا، وإلهام شاهين، وممدوح عبد العليم، وغيرهم.
    ثانيًا- الجدليات المثارة.. بين الحياد والعلاقة مع السلطة:
    يزخر التاريخ المصري المعاصر بحالات عدة، لعب خلالها الفنانون دورًا سياسيًّا ملحوظًا، مرورًا بأمير الشعراء أحمد شوقي الذي كان يلقب بـ"شاعر العزيز"، وعبد الحليم حافظ الذي يرى كثيرون أنه أرخ لأحداث ثورة يوليو 1952، وأم كلثوم التي لعبت دورًا هامًّا في جمع تمويل للجيش المصري فيما عُرف بـ"دعم المجهود الحربي".
    وعلى الرغم من ذلك فإن مشاركة الفنانين في تفاعلات الحياة السياسية خلال السنوات الأربع الماضية أدت إلى إثارة العديد من الجدليات أو القضايا الإشكالية التي لم يُفلح الرأي العام أو قادة الرأي في حسمها، والوصول إلى توافق بشأنها، ومنها على سبيل المثال:
    - مقبولية ممارسة الفنان لدور سياسي:
    حيث يعتبر البعض أن الفنان يمثل الطبقة الأكثر تثقيفًا في المجتمع، وأن لديه رؤية واضحة للمشهد السياسي، ومن ثم فإن الواجب الوطني للفنان يحتم عليه أن يلعب دورًا سياسيًّا مؤثرًا. يتفق مع ذلك من يرون أن مشاركة الفنانين في الحياة السياسية ترتبط بحقوق المواطنة، فالفنان هو في النهاية مواطن له حقوقه وواجباته، وأنه لا غرابة في اتجاه الفنان للحياة الحزبية، ولا تعارض مع دور الفنان، فمعظم الفنانين في العالم ينتمون إلى أحزاب سياسية أو يؤيدونها.
    بيد أنه على الجانب الآخر، تعرض كثير من الفنانين لانتقادات بسبب إقحام أنفسهم في السياسة، انطلاقًا من نقص الخبرة السياسية التي تجعلهم غير مؤهلين للحكم أو إبداء الآراء بصدد ما يجري من أحداث سياسية كبرى بمجتمعنا المصري. ويدللون على ذلك بقيام بعض الفنانين بالإدلاء ببعض التصريحات التي تراجعوا عنها فيما بعد.
    - إشكالية علاقة الفنان بالسلطة السياسية:
    ويرتبط الجدل في هذا الصدد بإشكالية العلاقة بين السلطة السياسية والمثقفين في مصر بصفة عامة. وكانت تلك الإشكالية ظاهرة على امتداد تطورات الأحداث التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية والتي كان للفنانين حضور فيها بشكل أو بآخر. 
    فعلى سبيل المثال، فسر كثيرون دعم قطاع عريض من الفنانين لمبارك في ضوء سطوة هذا النظام عليهم، والمصالح المتبادلة فيما بينهم، وهو ما تجلى في حالة الممثل طلعت زكريا صاحب فيلم "طباخ الريس". ومن ثم اعتبر البعض أن اتجاه بعض الفنانين للإعراب عن معارضتهم لهذا النظام من قبيل الأعمال البطولية التي تستحق التقدير. وهذا ما يفسر أيضًا قيام بعض الفنانين بعد نجاح الثورة بمحاولة تغيير آرائهم بعد سقوط النظام.
    بيد أنه خلال حكم الإخوان المسلمين شعر الفنانون بالخطر يترصدهم، مع تصاعد احتمالات التضييق عليهم، لا سيما مع القضايا التي رُفعت ضد عددٍ منهم في المحاكم باسم دعاوى الحسبة (مثل: عادل إمام، وإلهام شاهين، وغيرهما). ولذا لم يكن غريبًا أن يكون حضور الفنانين واضحًا خلال أحداث ٣٠ يونيو، بل إن شرارة الحراك ضد مرسي اندلعت من مقر اعتصام وزارة الثقافة على خلفية أزمة وزير الثقافة.
    وتُعيد هذه الإشكاليةُ طرح نفسها بقوة مرة أخرى في الوقت الراهن، أي في ظل نظام ما بعد 30 يونيو، لا سيما في ظل ما يُثار عن اتجاه النظام السياسي إلى توظيف ما يُعرف بـ"القوة الناعمة" للفن في تحقيق أهدافه السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي، مثلما تجلى في الترويج لجهود مكافحة الإرهاب، فضلا عن زيارة الرئيس لألمانيا مؤخرًا والتي سبقت الإشارة إليها.
    ويُمكن القول إن إعادة طرح هذه الإشكالية على هذا النحو وفي هذا التوقيت ربما يُعطي مصداقية لما يراه البعض من أن اقتراب القيادة السياسية من المبدعين والفنانين علامة صحية للطرفين شريطة أن يكون الاقتراب قائمًا على الندية والحوار لا التبعية والتزلف أو النفاق.
    وفي النهاية.. تجدر الإشارة إلى أن الانخراط في العمل السياسي خلال السنوات القليلة المنقضية لم يكن حكرًا على الفنانين من اتجاه أو فكر معين، بل أظهرت الأحداث أن بعض الفنانين الذين انخرطوا في ممارسة العمل السياسي كانوا ثوريين مؤدلجين، فيما كان بعضهم مؤيدًا للنظام الحاكم، ودعم بعضهم الحكم الإسلامي، واستمر بعضهم على النهج المعارض. بيد أن الآليات التي يتم انتهاجها للانخراط في العمل السياسي تعبر في المقام النهائي عن قناعات كل فنان واختياراته الشخصية.

    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: جدوى انخراط الفنانين المصريين في العمل السياسي Rating: 5 Reviewed By: Unknown
    Scroll to Top