بقلم : أحمد بان

أطلقت حادثة نحر أبنائنا في ليبيا والتي أذاع تنظيم داعش فيديو لها أمس، حالة من الشعور بالصدمة لدى الشعب المصري الذي هالته تلك الوحشية بحق أبنائنا من فقراء هذا البلد، الذين خرجوا لتحصيل العيش. وبعيدا عن عبارات الشجب والاستنكار والسب لهذا الفصيل المجرم، لابد من التأمل الهادئ فيما يريده هذا التنظيم من مصر الدولة المركزية القوية وآخر قلاع النظام العربي، خصوصا بعد تدمير دولة العراق وسوريا واليمن وأخيرا ليبيا، التي يراد إعادة استنساخ المسار العراقي على بعد مرمى حجر من حدودنا وحدود كل دول المغرب العربي.
تلك المجموعات التي تدعى الصلة بالدين وتستدعى أجواء الصراع التاريخى القريب بين الشرق والغرب، من خلال استحضار مفردات الصراع بين دار حرب ودار إسلام في استدعاء منكور لنصوص مشوهة. حيث تجعل هذه النصوص من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قاطع طريق لا يشبع من الدماء، متبجحين بالقول بأنه بعث بالسيف رحمة للعالمين، في تسويق لتصور شاذ لفريضة الجهاد التي ماشرعت إلا للدفاع عن الناس، وليس الغزو الدائم على طريقة قطاع الطرق الذين تحالفت معهم تلك المجموعات، سواء في شمال مالي أو الصحراء الجزائرية أو المغربية أو نيجيريا ودول القارة الأفريقية، التي تحولت إلى مستودع لهذا التحالف الجديد بين عصابات التهريب التي أسال لعابها هذا المخزون الضخم من السلاح الذي تركه نظام القذافي، والذي بلغ أكثر من 20 مليون قطعة سلاح متنوعة مابين سلاح خفيف ومتوسط وثقيل. برز في شمال مالي الجزائرى مختار بلمختار الملقب بالأعور أو مستر مارلبورو في إشارة لاشتهاره بتهريب السجائر، تلك العصابات التي وجدت ضالتها في مجموعات التطرف التي تحالفت هي أيضا معها تكتيكيا للاستفادة منها في هدم واستنزاف جيوش واقتصادات الدول، من خلال التنفيذ الأمين لاستراتيجية أبوبكر الناجي (أحد القادة الفكريين لتنظيم القاعدة) التي سماها إدارة التوحش التي تبدأ بالمرحلة الأولى وهى شوكة النكاية، حيث تمعن تنظيمات داعش في القتل والنحر بوحشية تستهدف بث الرعب ونشر أجواء الفوضى السياسية والأمنية، التي تمثل البيئة المثالية لهدم الدولة وخضوعها للمرحلة الثانية، وهى إدارة التوحش قبل استسلام تلك المجموعات للسلطة القائمة والتسليم لها والتمكين للدولة.
ساهمت الفوضى السياسية والأمنية التي سبقها إنقسام مجتمعي واضح في العراق، وتضارب الأجندات داخليا مابين سنة وشيعة وأكراد من جهة، والتناقض والصراع الإقليمي بين تركيا وإيران من جهة أخرى في خلق أجواء تلك الفوضى التي خلقت داعش بتخطيط ودعم أمريكي واضح، لا تغيب عنه الأصابع الصهيونية التي كانت حاضرة منذ البداية، وسرعت من إيقاع الخطة سياسة المالكي المدعوم أمريكيا وإيرانيا في تهميش السنة والإمعان في ظلمهم، بالشكل الذي دفعه لأحضان التطرف بعدما كادت الصحوات السنية أن تقضي على حلم داعش. ومن ثم اكتسبت داعش قوة نوعية بالظهير السني، الذي وصل إلى حد تجنيد 30 ألف شاب في الموصل وحدها وفقا لتقارير عراقية محايدة، فضلا عن ظهير إقليمى تمثل في تركيا التي أمنت ممرا آمنا لوصول الأفراد والعتاد العسكري. ولعل وصول صواريخ إسكيف للتنظيم والتي مكنته من حسم معارك مهمة مع الجيش العراقي بالرغم من عدم وجودها بسوق السلاح الموازية، ما يشرح كيف سلح هذا التنظيم ودعم من جهات متعددة ليكون أداة الفوضى الجديدة. ولعلها ليست صدفة أن دولته التي ضمت أراضي سورية وعراقية شاسعة تتوسط بالضبط كل دول الإقليم، ليتمدد منها إلى كل تلك الدول هذا السيناريو الذي يشرح كيف تمددت داعش في العراق، حتى أصبح شعارها الأثير الدولة الإسلامية باقية وتتمدد، هو نفس السيناريو الذي يراد تكراره في ليبيا، لتنطلق رياح التنظيم وتعصف بوحدة وتماسك دول شمال أفريقيا لتفتيت المغرب العربي وتفكيكه، لصالح تلك الفكرة الجهنمية بعدما كادت تنجح في تفتيت دول المشرق العربي بحيث تنطلق الفوضى من عقالها لتضرب كل دول العالم العربي، ليبقى الكيان الوحيد الأكثر تماسكا والأقدر على فرض كلمته الكيان الصهيوني، الذي تبدو بصماته واضحة في تلك الأفكار التي تكاد تتماهى مع العقيدة الأمريكية ،التي تجعل المعركة الفاصلة ومفردات الصراع لغة مشتركة بين تنظيمين يتفقان في الأهداف وإن تقنعا بشعارات العداء الزائف، التي تؤكد أن تنظيم داعش هو رسول الفوضى الجديد لتقسيم دول المنطقة وإنهاء الدول القومية.