بقلم : أكرم ألفي
“نحن لا نخشى الاشتباكات .. ففرد الألتراس الحقيقي لا يخاف بل أن منا من يفرح باصابته لأنها تتحول لذكرى بالنسبة له ولأخوته (من أعضاء الألتراس)”.
اعادت مذبحة استاد الدفاع الجوي الذي قتل فيها 19 من جماهير نادي الزمالك “وايت نايتس” خلال الاشتباكات بين الأمن والجماهير قبيل مباراة الزمالك وانبي في 8 فبراير 2015 الجدل بشأن حركة “الالتراس” وعلاقتها بالعنف والصدام مع السلطة.
وسطرت مذبحة “الوايت نايتس” حروفاً جديداً في علاقة الأزمة والمواجهة بين التراس الأندية في مصر والأجهزة الأمنية والسلطة. فعقب المذبحة اتهمت جماهير الزمالك علانية الداخلية ورئيس نادي الزمالك واعلاميين بأنهم المتسببن في مقتل زملائهم. فيما جاءت بيانات وزارة الداخلية دفاعية ومشددة على أن الجماهير سعت لاقتحام ملعب المباراة بدون تذاكر وبدون وجه حق وانه تم تفريقهم بالغاز المسيل للدموع بدون استخدام الرصاص الخرطوش.
وعقب المذبحة تباينت الاراء ما بين مدافع عن “وايت نايتس” مشدداً على فشل الأمن المصري في التعامل مع المجموعات وعداءه القديم للألتراس وجماهير الكرة منذ ثورة 25 يناير 2011 وبين مجموعة اعتبرت أن الالتراس وبالتحديد “وايت نايتس” تعمل تحت تأثير سياسي من مجموعات معادية لنظام ما بعد ثورة 30 يونيو وبالأخص التيار السلفي الجهادي والإخوان المسلمين. وهي الاتهامات التي لم ينجح أحد في اثباتها حتى اللحظة.
ويبدو أن أسباب ميل الألتراس للمواجهة سيظل سؤالاً شائكاً في مصر خلال الفترة المقبلة كما كان منذ 2007.
توفرت لمجموعات “الألتراس” خبرات سابقة وشكل تنظيمي يؤهلها لاختبار تكتيك العنف والمواجهة.
فقد ظهرت روابط مشجعي الأندية في 2007. بدءا بالتراس “وايت نايتس” الذي كان الأول في مصر ثم بعده مباشرة ظهر الألتراس الأهلاوي وكان أول ظهور للألتراس الأهلاوي في المدرجات يوم 13 ابريل 2007 في مباراة الأهلي وانبي في الدوري المصري.
ولا توجد رواية واحدة أو مؤكدة لنشأة الألتراس في العالم، وإن كانت بعض التقارير تشير إلى أن بعض الجماعات المتعصبة ظهرت في الصين وأمريكا الجنوبية، أما الظهور الأول في أوروبا فينسب لمجموعة أنصار نادى هايدوك سبيلت فى كرواتيا الذين اتخذوا من التطرف طريقة للتشجيع خلال مباراة 29 نوفمبر 1950 ضد الغريم التقليدي “النجم الأحمر”، حيث قام أنصار الفريق، وبشكل جماعي ومنظم بدخول أرضية الميدان بعد صفارة النهاية.
وبدأت ظاهرة الألتراس تأخذ طريقها إلى الملاعب الإيطالية أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات في الملاعب.
وكانت مجموعة Fossa Dei Leioni الخاصة بنادي ميلان هي أول مجموعة ألتراس ظهرت وذلك عام 1968.. وهناك تقارير تشير إلى أن أول مجموعة من التراس إيطالية ظهرت في مدينة تورينو عام 1951، والتي كانت تعرف باسم Fedelissimi Granata، أما أول مجموعة أطلق عليها اسم ألتراس فكانت تابعة لفريق سمبدوريا عام 1969، وهو العام الذي شهد ظهور ألتراس إنترميلان واسمه Inter Boys.
ونجد أن “الألتراس” في مصر يتبنى تنظيماً شبه عنقودي. ويشير محمد الجوهري إلى أن الألتراس عبارة عن “دائرة كبيرة لها مركز. وهذا الدائرة الكبيرة داخلها عدد من الدوائر، التي يحدد قربها أو بعدها عن المركز مدى تداخلها في عملية صنع القرار داخل المجموعة. وتحديد المسؤولين عن صنع القرار أو القرب من مركز الدائرة يتحدد باعتبارات كثيرة منها الخبرة في إدارة شئون المجموعة وكل ما يتعلق بها سواء في نواحي التشجيع وإعدادات الدخلات أو الشؤون المالية، الأقدمية وطول الفترة الزمنية داخل المجموعة ومن أجلها اعتبار آخر، هناك أيضاً مدى ما يتمتع به العضو من قدرة على الإبداع والابتكار سواء في الهتافات أو الأغاني، إلا أن أهم هذه الاعتبارات مدى قدرة العضو على تخصيص وقت أكبر للمجموعة وإدارتها وأنشطتها، فكلما توافرت هذه الاعتبارات، كانت فرص العضو أكبر في القرب من مركز الدائرة ومن ثم المشاركة في عملية صنع القرار”.
هذا الشكل التنظيمي شبه العنقودي يساهم بشكل واضح في إدارة فعاليات الألتراس التي يشترك فيها أعداد ضخمة من الشباب وفي نفس الوقت الحفاظ على التناغم والتناسق في الفعل. وكلمة السر في الربط بين القيادة والأفراد هو “الكابو”. وهو الشخص المنوط له بقيادة المجموعة أو “سكشن” (section) حيث يقوم “الكابو” بإدارة شئون مجموعة تضم مئات من المشجعين في منطقة معينة إلى جانب التنسيق مع قادة المجموعات الأخرى. ويظهر دور الكابو واضحاً في الدخلات والتشجيع، حيث يتم تقسيم الأدوار في الدخلات خلال المباريات بين مجموعات الألتراس ويكون “الكابو” هو المسئول عن تنفيذ مجموعته مهمتها بشكل متناسق مع المجموعات الأخرى. وخلال المباراة يقود “الكابو” التشجيع والهتافات ويلاحظ بوضوح وجود تناغم كبير بين قيادات المجموعات “الكابوهات” وبين “الكابو” ومجموعته.
وبحسب محمود عبده علي فإنه”لا يوجد للألتراس رئيس، بل يتكون من مجموعة من المؤسسين الذين سرعان ما يتراجع دورهم بعد أن تصبح المجموعة قادرة علي الوقوف علي أرض صلبة. ويدير العمل داخل الألتراس مجموعات عمل صغيرة Top Boys تختص كل منها بتنظيم أنشطة المجموعة من تصميم وتنفيذ اللوحات الفنية وقيادة التشجيع داخل المدرجات وتنظيم الرحلات والإشراف على مصادر تمويل المجموعة”.
وانعكس الشكل التنظيمي وقدرته على ضمان شكل للفعل الجماعي الموحد والمتناسق على قدرة روابط مشجعي الأندية الرياضية في المبادرة بأعمال “عنف” اتسمت بالتنسيق والمفاجأة كما حدث في القيام بشل حركة مترو الأنفاق بالعاصمة عشية اصدار الأحكام القضائية على المتهمين في مذبحة بورسعيد الشهيرة في يناير 2013.
وساهم في تعظيم قدرات “الألتراس على تبني تكتيكات العنف الخبرات السابقة الطويلة في مواجهة الأمن منذ 2007.
ويشير الجوهري إلى أنه “منذ نشأة المجموعات في مصر حاولت الشرطة بكل السبل التضييق على نشاط الألتراس داخل الأستاد وخارجه، فقبل الثورة كان أفراد المجموعة يتعرضون لعمليات تفتيش مهينة اثناء دخولهم المدرج، ومنعهم من اصطحاب الأدوات التي يعتمدون عليها في التشجيع مثل السنانير وجلاد الدخلات، حتى وصل الأمر إلى منعهم من اصطحاب زجاجات المياه معهم إلى المدرج”.
واتسمت علاقة الألتراس بالشرطة بالعدائية مستندة على نظرة التوجس لدى الأمن نحو الالتراس بسبب خشية قيامهم بتأجيج العنف في الملاعب وعدم السيطرة عليهم وقدراتهم الكبيرة على الحشد والتنظيم مما دفع الأمن لاستخدام العنف في مواجهتهم. في المقابل، تبنت روابط مشجعي الأندية شعاراً موحداً ضد قوات الأمن ظهر بكثافة في رسوماتهم ودخلاتهم في الملاعب هو (ACAB)اختصاراً لـ(All Cops Are Brastards) أي “كل رجال الأمن أوغاد”.
فمن هنا يمكننا فهم أفكار الألتراس، فروابط المشجعين ليس لها أيديولوجية جامعة بل تقوم في مصر على فكرتين أساسيتين هما الانتماء للفريق الكروي والتمرد.
وبحسب محمد الجوهري فإن “الانتماء الشديد (للألتراس) نجد تفسيره في حالة الأغتراب التي سادت ليس فقط مصر بل الكثير من الدول العربية، حالة اغتراب عن الدولة.. فكان لابد أن لهذا الشباب الصغير أن يخلق كيان أو فكرة ينتمي لها”. والركن الثاني هو التمرد ورفض السيطرة من جانب السلطة ومعاداة قوات الأمن.
ويشير البعض في هذا السياق إلى أن مجموعات “الألتراس” المصرية مخترقة من جانب مجموعات أيديولوجية وبالتحديد اختراق الإخوان المسلمين لروابط مشجعي النادي الأهلي واختراق المجموعات السلفية التي تنتمي لحازم صلاح أبو اسماعيل.
وهو الأمر الذي يتنافى مع هدف تشكيل “الألتراس” الرئيسي وهو تشجيع الأندية الكروية. ولكن كما سبق أن ذكرنا فإن تعدد الانتماءات للشباب أو “العضوية المتعددة” انعكست في انتماء عدد من “الكابوهات” لفصائل سياسية معينة مما دفع بوسائل إعلامية لتوجيه هذه الاتهامات للألتراس. ولكن إجمالاً فإن روابط مشجعي الأندية في مصر لا ترتبط تنظيميا أو أيديولوجياً بأي من الفصائل السياسية وتحكمها فقط فكرتا الانتماء للنادي والتمرد.
وتنعكس مركزية القاهرة على تركيبة روابط الأندية حيث يشكل أبناء العاصمة أكثر من 35% من أعضاء روابط ناديي الأهلي والزمالك (الالتراس). وبحسب تقرير أخر فإن عدد الالتراس أهلاوي المسجلين يبلغ 360 الفاً منهم 90 ألفاً في القاهرة وحدها بنسبة 25% مع ملاحظة أن مجموعة القاهرة تمثل القسم الأكثر فاعلية وتأثيراً. وينطبق نفس الوضع على روابط تشجيع الزمالك “وايت نايست”.
ويظهر ذلك في ضحايا الحادث الأخير في استاد الدفاع الجوي، حيث نجد أن من بين 19 قتيلاً من “الوايت نايتس” هناك 16 من القاهرة الكبري وثلاثة من المحافظات الآخرى. كما أن اعمارهم تتراوح بين 17 و23 عاماً.
ويبدو أن العلاقة الصدامية بين الألتراس والأمن تقوم أيضاً على قاعدة الحرب الجيلية (Generations clash). ويظهر هذا المفهوم في بيان اصدرته رابطة مشجعي نادي الزمالك القاهري “وايت نايتس” التي أشارت فيه إلى أن ما يحدث من صدامات مع الأمن هو تعبير عن “معركة جيل بأكمله لم يطلب سوى دورة الحياة الطبيعية.. لم يطلب سوى أن يكون هذا الجيل وصياً على أمر نفسه فهو أدرى بشئونه”، مشيراً إلى أن الممارسات الأمنية ضد روابط المشجعين ليست حرباً عليهم فقط بل معركة مؤسسات الأمن مع جيل بأكمله الشباب الذي يتحرق شوقاً للخلاص من دولة العواجيز بفسادهم ودناوتهم وحقارتهم”.
ويمكن القول إن ما حدث في مذبحة استاد الدفاع الجوي يدلل بوضوح على فشل السلطة الحالية بعد 30 يونيو في دمج واستيعاب هذه الكتلة الشبابية واستمرار خروجها عن السيطرة وانخراطها في صدام مستمر مع الأمن. وهي الوضعية التي يجب على صناع القرار التعامل معها بدلاً عن الحديث عن الحلول الأمنية وفرض سيطرة الدولة.
المراجع:
(1) الألتراس: النشأة والتاريخ، الأهرام المسائي،25-9-2011.
(2) حسن المستكاوي: يحقق الألتراس.. الانتماء المتطرف، صحيفة الشروق، 10 سبتمبر 2011.
(3) محمد الجوهري، كيف يمكن أن نفهم الألتراس، موقع جدلية، 15 أبريل 2013. الرابط:
(4) محمود عبده علي، “الألتراس”: التوجهات السياسية لجمهور كرة القدم في مصر، مجلة السياسة الدولية، الأهرام. الرابط: http://www.siyassa.org.eg/NewsContent/2/107/1939
(5) محمد الجوهري، كيف يمكن أن نفهم الألتراس، مصدر سبق ذكره.
(6) قيادي سلفي مصري مشهور سعى لخوض الانتخابات الرئاسية في 2012 وتم استبعاده بسبب جنسية والدته الأمريكية.
(7)مقابلة مع أحد قادة رابطة مشجعي نادي الزمالك “وايت نايتس”.
(8) تقرير: مجموعات الألتراس تجذب الساسة وتقلق السلطة، موقع سي إن إن باللغة العربية، 25 فبراير 2013.
(9) بيان “وايت نايتس”، صحيفة المصري اليوم ، 24 أكتوبر 2013 الرابط: