728x90 شفرة ادسنس

  • اخر الاخبار

    Monday, February 23, 2015

    المسألة الحريدية في إسرائيل

    بقلم : أكرم ألفي

    11005777_976357145722950_1071674501_n
    عندما أعلن ديفيد بن جوريون تأسيس الدولة الصهيونية- في 15 مايو 1948- كان عدد الحريديم بفلسطين التاريخية لا يتجاوز 30 ألف شخص. خلال مرحلة بناء الدولة، سعى بن جوريون لتحقيق  نوع من التوافق مع اليهود المتشددين عبر الاتفاق مع “أجودات إسرائيل” – الممثل السياسي الوحيد للحريديم حينذاك- عام 1951. وتضمن الاتفاق – المعروف باتفاقية الوضع الراهن” (Status Que)- احترام الدولة لحرمة السبت “شابات” كيوم راحة رسمية واحترام القوانين اليهودية الدينية في مجال الأحوال الشخصية (وخاصة الزواج) واستقلال شبكة التعليم الحريدية “اليشيفوت” ودعمها مالياً.
    وواجه هذا الاتفاق التأسيسي تحدياً رئيسياً منذ بداية التسعينيات تحت ضغط صعود القوة السكانية والسياسية للحريديم في المجتمع الإسرائيلي وتحولهم من أطراف الحياة السياسية إلى مركزها وبروز محاولة اليهود المتشددين فرض الكثير من القوانين اليهودية على المجتمع. في المقابل، جاء المهاجرون الروس ليمنحوا الحالة العلمانية زخماً عبر مليون مهاجر يرفضون التعاليم اليهودية التقليدية ويواجهون تحدياً بشأن تهويد ثلثهم.   
    وخلق التناحر والصراع بين المجموعتين العلمانية والحريدية منذ التسعينيات وضعية “تصدع اجتماعي” (وهو المفهوم الذي وضعه ستين روكون ومارتن ليبست”).  فقد ساعدت القوة التصويتية الأحزاب الحريدية في البقاء بمعظم الحكومات الائتلافية وبالتالي استمرار ضخ الأموال الحكومية لمدارس “اليشيفوت” والتي بلغت في ميزانية 2011 نحو مليار و120 مليون شيكل واستمرار إعفاء الطلاب الحريديم من الخدمة في الجيش. بالتوازي، استغل الحاخامات سلطاتهم على قوانين الأحوال الشخصية في الحيلولة دون “تهويد” نحو 300 ألف روسي من القادمين الجدد.  
    وشكلت القضايا الثلاث الرئيسية (التجنيد – التعليم – القوانين اليهودية) حالة صراع مستمرة بين سكان المدن من العلمانيين ومعهم القادمين الجدد من الاتحاد السوفيتي السابق والحريديم عبر أكثر من 30 عاماً. ففي الوقت التي سعت فيه الأحزاب الحريدية لتوجيه ضربات استباقية خلال السنوات الأخيرة من خلال الضغط لتطبيق القوانين الدينية في مجال الحياة العامة وفي تعميم الأكل الحلال “الكشيروت” ومنع العمل نهائياً يوم السبت. دخل العلمانيون في معركة بشأن حقوق المواطنة على الحريديم وفي قلبها دفع الضرائب والتجنيد في الجيش.
    وأصبح اتفاق “الوضع الراهن” محل نقاش وجدل في سياق الصراع العلماني – الديني، حيث سعت القوى العلمانية إلى الانقلاب على الاتفاق وتخفيض الدعم المالي للحريديم من خلال مخصصات الأطفال وتمويل “اليشيفوت” وإنهاء وضعية استثناء طلاب الحريديم من التجنيد والسعي لإقرار قوانين مدنية للأحوال الشخصية وتقييد يد الحاخامات في مسألة التهويد. وقادت هذه المحاولة، خلال التسعينيات والعقد الأول من القرن الحالي، الأحزاب الروسية (إسرائيل بعالياه – إسرائيل بيتنا) والأحزاب العلمانية (شينوي – ميريتس). في المقابل، سعت الأحزاب الحريدية إلى توسيع نفوذها وبسط سيطرتها على وزارت التعليم والمالية والشئون الدينية. وكان قدرة القيادة الحريدية في حشد الأصوات خلال الانتخابات هي الأداة الرئيسية لضمان نفوذها السياسي وبالتالي تسهيل توفير الخدمات والإعفاءات للكتلة السكانية المتضخمة.
    ومن تعقيدات الواقع أن الحريديم هم الذين دفعوا الثمن الأكبر اجتماعياً لاتفاق الوضع الراهن الذي دشن هيمنة الحاخامات على تفاصيل حياتهم. فقد أصبح الحريديم عبر العقود الأخيرة الكتلة الأكثر فقراً داخل الدولة العبرية، حيث إن مساعدات الدولة لا تغطي تكاليف المعيشة والإنفاق خاصة أن أسرهم ضخمة العدد بفعل اعتبار انجاب الأطفال واجباً دينياً. بالتوازي، قاد عدم تجنيدهم في الجيش إلى لفظهم خارج سوق العمل، إلى جانب عدم توفير التعليم الديني للمؤهلات التي تسمح لهم بالحصول على وظائف في مجالات مرتفعة الأجور. في الوقت نفسه، فإن أزمة السكن في الدولة العبرية دفعتهم مجبرين للبحث عن مساكن جديدة خارج القدس المحتلة ومدنهم “المقدسة”.
    وتشير البيانات الإسرائيلية إلى تضاعف عدد اليهود المتدينين “الحريديم” ثلاث مرات خلال الفترة من 1948 إلى 2013. وبحسب البيانات المتوفرة فقد قفز عدد الحريديم من 30 الفاً عام 1948 إلى 140 ألفاً في 1980 و400 الف في 1990 وصولاً إلى 750 أو 800 ألف خلال عام 2013 بنسبة 10% من سكان الدولة العبرية و13% من السكان اليهود. ووفقاً لهذه الأرقام فإن نسبة نمو السكان الحريديم سنوياً تبلغ 6% مقابل 1.8% لمتوسط النمو في إسرائيل.
    نحن أمام كتلة سكانية شابة تتميز بخصوبة مرتفعة، حيث تعد الحريديات الأكثر خصوبة في الدولة العبرية. وبلغت الخصوبة لدى الحريديم الاشكناز خلال 2009 نحو 6.2 طفل لكل سيدة و4.8 طفل لكل سيدة حريدية سفاردية مقابل 2.97 لكل سيدة يهودية و3.75 طفل لكل سيدة مسلمة.
    وفي هذا السياق، نجد أن العديد من الدراسات تضخم من التوقعات بشان النمو الحريدي سكانياً. فعوزي ريبهون يشير في دراسة حديثة إلى أن الحريديم سيمثلون نحو 11% من سكان الدولة العبرية وستصل نسبة المتدينين الصهاينة إلى 21% فيما ستتراجع الأغلبية العلمانية إلى 68%، بحلول 2020. وتشير دراسة لمكتب الإحصاءات الإسرائيلي المركزي(CBS) لعام 2010 إلى أن 8% من اليهود يعرفون أنفسهم كحريديم، 12% متدينين، 13% متدينين تقليديين، 25% تقليديين غير متدينين و43% علمانيين ومن بين العلمانيين هناك 47% لا يؤمنون بوجود الله. وظهرت خلال 2011 وحدها 3 تقديرات متباينة لعدد الحريديم في إسرائيل، الأول يبلغ 700 ألف نسمة بحسب دراسة لمكتب الإحصاء الإسرائيلي، وهو الرقم الأقرب للواقع السكاني اليهودي. فيما قدر القيادي الحريدي  موشيه جفني عدد الحريديم بنحو مليون نسمة. وقدرتهم مؤسسة “مائير جال” ما بين 930 ألفاً إلى 950 ألف نسمة.
    ويلاحظ من الإسقاطات الخاصة بالتعريف الديني وسط المجموعات اليهودية، أن عدد الحريديم تضاعف بنحو 3 أضعاف خلال الفترة من 1948 إلى 2012، فيما بلغت نسبة العلمانيين إلى نحو نصف سكان الدولة العبرية، وجاء ارتفاع نسبة هاتين المجموعتين على حساب اليهود الذين يعرفون أنفسهم على أنهم  “تقليديون”. فقد ارتفعت نسبة من ينتمون لجيش “التوراة كوظيفة” من 4,6% من اليهود عام 1990 إلى 11% خلال 2012. وهو ما يعود أساساً لمعدلات الخصوبة المرتفعة للحريديم. وكلما نظرنا لأسفل هرم التركيبة العمرية للسكان اليهود ترتفع نسبة الحريديم. وبحسب بيانات 2006، فإن 28,5% من المولودين اليهود الجدد كانوا لأمهات من الحريديم. وتشير الدراسات الإسرائيلية إلى عدة مواصفات لهذه الكتلة السكانية، منها الميل للزواج في سن أصغر بكثير من المتوسط العام في إسرائيل. ونسبة مشاركتهم في قوة العمل أقل بكثير من المتوسط العام بسبب انخراط عدد كبير منهم في مؤسسات التعليم الحريدية. وهم يعدون أقل فئات سكان الدولة العبرية من حيث متوسط الدخل وبالتالي فإن مستوى معيشتهم أقل حيث أغلبهم يندرجون ضمن الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى.
    ونجد أن الأسرة الحريدية تعول خمسة أطفال في المتوسط مقابل طفلين للأسرة اليهودية غير الحريدية. ومع ارتفاع نسبة المواليد بين هذه الكتلة السكانية العبرية، فإن الهرم العمري للحريديم أصبح مقارباً للهرم العمري لدول جنوب الصحراء في أفريقيا، حيث يبلغ متوسط العمر للحريدي نحو 16 عاماً مقابل 29 عاماً للإسرائيلي. مما يعني أن نحو نصف السكان الحريديم أقل من 16 عاماً. وبلغ متوسط العمر في المدن الحريدية الجديدة (مستوطنات بيتار عيليت وموديعين عيليت) نحو 11 عاماً فقط وهو المتوسط الأقل للعمر في العالم.
    وعلى الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، يمثل الحريديم القسم الأكثر فقراً في إسرائيل فنحو 59% من المتدينين المتشددين يعيشون تحت خط الفقر مقابل 25% لفلسطيني 48 و12% لليهود غير الحريديم. وعلى سبيل المثال فإن بني براك، حيت يتركز الحريديم تعد أفقر المدن الإسرائيلية على الإطلاق بنحو 38% من الأسر تعيش تحت خط الفقر. ووفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي فإن 40% من الشباب الحريدي (18 -30 عاماً) ينخرطون في سوق العمل . وبحسب بيانات مكتب الإحصاء الإسرائيلي فإن 42% فقط من الحريديم في سن العمل (25-64) يشغلون وظائف دائمة مقابل 85% لليهود غير الحريديم.
    وتعتمد أغلب الأسر الحريدية على المساعدات الحكومية (مخصصات الأطفال) التي تبلغ في المتوسط 3 آلاف شيكل شهرياً إلى جانب دخل النساء اللاتي يعملن في مجالات التعليم والتمريض بأجر يبلغ في المتوسط 3700 شيكل شهرياً. مما يجعل دخل الأسرة الحريدية يصل في المتوسط إلى 6 ألاف شيكل شهرياً مقابل 12 ألف شيكل في المتوسط للأسرة الإسرائيلية غير الحريدية.
    واتسعت”دائرة الفقر” الحريدي مع نمو تجمع “دارسي التوراة” خلال العقدين الماضيين، حيث يشير تقرير لصندوق النقد الدولي (2011) إلى أن الأسر الحريدية في أغلبها تعتمد على دخل الزوجة، وتكون مسؤولة على ضعف عدد الأطفال في الأسر الإسرائيلية المتوسطة (نحو 7 أطفال) ، مما يزيد من معدل الفقر للأسر الحريدية.
    فنحن هنا بصدد مجتمع فقير، تقوم المرأة فيه بتحمل أعباء إعالة العائلة بالعمل من داخل البيت أو خارجه. وتبلغ نسبة النساء العاملات في المجتمع الحريدي 61% بينما نسبة الرجال العاملين 62% فقط. ومجال العمل الأكثر انتشارا للنساء هو التعليم في المدارس وروضات الأطفال التابعة للمجتمع الحريدي. وخلال السنوات الأخيرة أضيفت مجالات عمل أخرى للنساء، مثل التسويق عبر الهاتف والسكرتارية وبرمجة الكمبيوتر. ومؤخراً أقيمت مصانع في مجال برمجة الكمبيوتر والهاي-تك في المدينة-المستوطنة الحريدية “موديعين عيليت” وتعمل فيها النساء الحريديات.
    وحذرت تقارير دولية وعبرية من التداعيات السلبية لعدم انخراط الحريديم في العمل على مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي. فأشار تقرير صندوق النقد الدولي إلى أنه في حال انخراط الحريديم وفلسطينيي 48 في العمل فإن الناتجالإجمالي لإسرائيل سيرتفع بنحو 15%،كماأنمداخيلالدولة العبرية منالضرائبسترتفعبنسبة 5%،بمعنىأكثرمن 10 ملياراتشيكل، (2,66 مليار دولار). وذكر تقرير لوزارة التجارة والصناعة الإسرائيلية خلال 2011، أن نسبة البطالة في أوساط الحريديم ستتضاعف خلال العقدين المقبلين “مالم يطرأ تغيير جذري في انخراط الحريديم في سوق العمل”.
    ويضع خبراء الاقتصاد الحريديم ضمن الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطي. وهي الفئة الاجتماعية التي تتمايز بأنها تخفض الإنفاق على خدمات الرفاهة إلى الحد الأدنى، ولا يوجد لديها فائض للادخار. وتعتمد على دخلها الشهري لتغطية النفقات الأساسية من طعام ولباس ومواصلات وعلاج، فيما يسكن أغلبها في شقق ضيقة بالأحياء الفقيرة. على الجانب الآخر، فإن “الاقتصادالأسود” ينتشر فيالوسطالحريدي، إلىحد أنهيوجدمنيُقدّرون أنهيُتداولفيبنيبراكماللايقلعمايُتداولفيتل أبيب (معكلأبراجها). وأسس هذا “الاقتصاد الأسود” هو قيام الطلاب الحريديم بالعمل بعض الوقت لدي محال أو مؤسسات صغيرة بدون عقد رسمي لتجنب دفع الضرائب من ناحية. ومن ناحية أخرى للحيلولة دون توقف المساعدات الشهرية بصفتهم طلاب في “اليشيفوت”.
    ويفصل تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2010 حول سوق العمل في إسرائيل الوضعية الاقتصادية للحريديم. ويشير التقرير إلى أن دخل الطالب الحريدي شهريا لا يتجاوز 390 دولاراً (1200 شيكل)، يصل في بعض الحالات إلى 2000 شيكل ولا يتجاوز دخل الأسرة الحريدية 4 إلى 6 ألاف شيكل شهريا مقابل 12 ألفاً للأسرة الإسرائيلية في المتوسط.
    وبحسب التقرير، فإنه على الرغم من تراجع دخل الحريديم، فإن الميل للتفرغ للدراسة بهدف الحصول على المساعدات ارتفع بشكل واضح خلال العقود الأخيرة. حيث ارتفع نسبة الرجال الحريديم (25-54 عاماً) الذين يتفرغون للدراسة من 40% عام 1980 إلى 60.5% عام 1996. وتراجع نسبة التوظيف بين الحريديم الذكور (في سن العمل) من 30% عام 1997 إلى 20% عام 2003. ويشير التقرير إلى أنه في غياب المساعدات الحكومية فإن ثلثي الحريديم في الولايات المتحدة وبريطانيا يعملون بأجر. ويوضح التقرير أن هناك مؤشرات على تحول في سوق العمل الحريدي منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مع خفض المخصصات للأطفال. فخلال التسعينيات كانت المخصصات قد ارتفعت بشكل ملحوظ. ولكن منذ 2000 بدأت الإصلاحات تدخل على نظام المخصصات خاصة في 2003 وهو ما دفع العديد من الرجال الحريديم للبحث عن فرص عمل في السوق. ولكن مع زيادة المخصصات خلال 2009، تراجع تأثير هذه الإصلاحات ليحول دون الدفع بالرجال الحريديم نحو دخول سوق العمل المفتوح وتنمية مهاراتهم.
    هكذا نحن أمام تجمع واسع من العاطلين اختيارياً، الذين يعتمدون على ميزانية الدولة لتغطية نفقاتهم الأساسية، مما يجعل منهم مجموعة مرتبطة هيكلياً بالدولة وميزانيتها.. وهو ما يعد الركيزة الأساسية لفهم السلوك السياسي للقيادات الحريدية بشأن الحكومات الإسرائيلية. بالتوازي، فإن تزايد حدة الفقر بين الأسر الحريدية الكبيرة، وسط الارتفاع المستمر لمستويات الدخل للإسرائيليين، تجعل التجمع الحريدي في حالة تحدي كبيرة، قد تفرز تحولات دراماتيكية في السلوك الاقتصادي. حيث يتوقع الكثير من الباحثين أن تدفع معاناة الحريديم إلى الانخراط في سوق العمل بشكل كبير، وهو ما سيتطلب “أيديولوجياً” تحولات في الخطاب الديني للحاخامات للتعاطي مع المتغير الجديد، وبالتالي وقف التوسع “غير الطبيعي” لمدارس “اليشيفوت” بالدولة العبرية. وتشير دراسة لناعوم زيون (Noam Zion) إلى أن الجدل الرئيسي بين الحاخامات خلال السنوات الأخيرة يدور حول قيمة العمل ومدى أولوية توفير حياة كريمة لـ”أبناء التوراة”.
    وفي هذا الإطار دافع باحثون إسرائيليون عن انخراط الحريديم في سوق العمل والجيش الإسرائيلي عبر التأكيد على ضرورة السعي لإخراج المتدينين المتشددين من “دائرة الفقر”. وكان تحديث التعليم الديني أحد مراكز هذا الجدل. فوفقاً للمسئولين في وزارة التعليم الإسرائيلية فإن التعليم الحريدي يعاني من فقر المناهج وجمودها، حيث يعتمد على تدريس المواد الدينية والتاريخ اليهودي والشريعة “الهالاخاة” وبالتالي يجعل الطالب غير قادر على الايفاء بمتطلبات سوق العمل في الدولة العبرية بل يعوق الطلاب من دخول الجامعات واستكمال التعليم. فبحسب بيانات 2012، فإن 6% فقط من الطلاب الحريديم نجحوا في تجاوز اختبارات دخول الجامعات مقابل 56% للطلاب في المدارس الدينية الحكومية. وبحسب البيانات المتوفرة فإن 28% من الشباب الحريدي حاصل على شهادة درجة أكاديمية تؤهلهم لدخول سوق العمل مقابل 80% للشباب اليهودي غير الحريدي.
    ووسط هذه الإشكاليات، برزت أزمة جديدة بين الشباب الحريدي خلال التسعينيات وهي معضلة الحصول على مسكن. وهي الأزمة التي دفعت أعدادا كبيرة من الشباب المتدين للبحث عن مسكن خارج “الجيتو” الضيق في القدس وبني باراك. وكانت المستوطنات القريبة من القدس هي المكان المفضل لهؤلاء الشباب المقبل على الزواج وتكوين أسر كبيرة.
    ومثل انتقال الشباب الحريدي من القدس وبني باراك إلى حيز جغرافي جديد تحولاً دراماتيكية في حياة هذه التكتل السكاني. فالحريديم يعدون أكثر “قبائل” إسرائيل ميلاً للسكن في “جيتوهات” وخاصة قرب المناطق المقدسة، فنحو 27% من اليهود المتشددين يقطنون مدينة القدس الغربية (235 ألف نسمة يمثلون 32% من سكان المدينة). ويعيش أغلب الحريديم في أحياء مغلقة داخل المدينة مثل مائة شعاريم ورمات شلومو وحار نوف. و40% من الحريديم يقطنون مدينة بني باراك (القريبة من تل أبيب) فيما يتوزع 10% بين بتاح تكفاه (6%) وأشدود (4%) والباقي  انتقل للسكن في مدن التطوير والمستوطنات.
    ولعل الانتقال للمستوطنات مثل تغيراً في التركيبة الذهنية للحريديم الذين ظلوا منذ تأسيس الدولة العبرية يرفضون السكن في مناطق الأغيار خشية الدخول في صراع دموي يدفع ثمنه “الدم اليهودي المقدس”. ولكن الأزمة الاقتصادية وصعوبة الحصول على سكن دفعت الشباب المتدين خلال التسعينيات إلى الانتقال لمستوطنات موديعين عيليت وبيتار عيليت والعاد وعمانوئيل (وهي مستوطنات قريبة من القدس المحتلة). ويمثل الحريديم حالياً نحو 30% من سكان المستوطنات مقابل 12% عام 1996. وتفيد بعد التقديرات غير الرسمية إلى أن عدد المستوطنين الحريديم بلغ 80 ألف مستوطن بنهاية 2010 أغلبهم في موديعين عيليت وبيتار عيليت. وخلال انتخابات 2013، حصلت الأحزاب الحريدية على 39% من أصوات الناخبين في الضفة الغربية ( 22% لحزب شاس و17% لحزب يهدوت هتوراة). وبلغ عدد الأصوات التي حصل عليها “يهدوت هتوراة” من مستوطنات الضفة نحو 25.108 ألف صوت مما يساوي مقعد في الكنيست معظم هذه الاصوات جاءت من مستوطنتي موديعين عيليت وبيتار عيليت.  
    وأجبر انتقال الشباب المتدين إلى المستوطنات القيادة الحاخامية على إعادة قراءة النص التلمودي لتتراجع فتوى اليعاز شاخ الشهيرة بحرمة السكن في المستوطنات والتي تعتبرها مخاطرة بامتحان صبر الأغيار لصالح فتاوى حديثة تجيز السكن في المستوطنات باعتبارها جزء من أرض إسرائيل ومنح هذه المستوطنات الصغيرة أسماء تلمودية لإعطائها الغطاء الديني.
    هكذا فإن الواقع الحريدي بالدولة العبرية مغايراً لما يحاول حاخامات اليهود تصويره، فهذا المجتمع يعيش في أزمة اجتماعية وبنيوية قد تدفعه للانفجار، ووقتها ستكون المؤسسة الحاخامية في ذاتها هي الهدف الرئيسي من هذا الانفجار. ويبدو للبعض أن ورقة التجنيد في الجيش الإسرائيلي هي الورقة الأخيرة التي يسعى الحاخامات الحريديم اللعب بها لضمان السيطرة على هذا التجمع المتضخم والفقير.
    المراجع:
    1- Uzi Rebhun and Chain I.waxman(editors), Jews in Israel: Contemporary Social and Cultural Patterns, University Press of New England,London,2004, p41.
    2- Efraim Ben-Zadok (editing), Local Communities and the Israeli Policy: conflict of values and interests, State University of New York, New York, 1993, p 166.
    4- Sever Plotzker, What do they say “Haredim must share burden?”.www.israelstudies.umd.edu/files/Plotzker.pdf‎.
    5- Matti Friedman, Haredim in Israel have growing influence, (AP), January 13, 2011
    6- Central Bureau of Statistics (CBS), Jerusalem, 2010.
    7- IMF: the ultra-Orthodox community, only 40% of men work, ynet, 12-3-2012.
    8- Haaretz, 22-1-2010.
    9- Organisation for Economic Cooperation and Development (OECD), OECD Reviews of Labour Market and Social Politics: Israel, 2010, p 169.
    10- Central Bureau of Statistics (CBS), Jerusalem, 2010.
    11-Organisation for Economic Cooperation and Development (OECD), Op.Cit, p 169.
    12- Ibid. p 170.
    13- Noam Zion, The Ethics of Economics: Israeli Haredim and Israeli Arabs:The Duty to Work and the Duty to Provide Work, Shalom Hartman Institute, 2012.
    14- Sever Plotzker, What do they say “Haredim must share burden?”, Op.cit.
    15- أكرم ألفي، أثر التغيرات الديموجرافية على اليمين الإسرائيلي، رسالة ماجستير غير منشورة، ص 153.
    16- مجموعة الأزمات الدولية، اليمين الديني في إسرائيل وقضية المستوطنات، تقرير الشرق الأوسط رقم 89، 20 يوليو 2009، ص 2.
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: المسألة الحريدية في إسرائيل Rating: 5 Reviewed By: Unknown
    Scroll to Top