بقلم : أحمد بان
احوال مصر
احوال مصر

تسهم التغطية الإعلامية المختزلة، وطريقة تناول العديد من الباحثين والمراقبين لظاهرة الكيانات الإرهابية المسلحة، على شاكلة تنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم داعش، في إشاعة صورة غير دقيقة لبنية هذه المجموعات الفكرية، حيث تميل إلى التسطيح الذي يختزل أحيانا في صورة رجل أشعث عابس يحمل بندقيته أو يحمل رأسا مقطوعة، دون أن يدقق الكثيرون في البنية الفكرية لهؤلاء وكيف تتشكل عقولهم. من المراجع التي تلقى الضوء على طريقة تفكير هؤلاء هذا الكتاب المهم إدارة التوحش لمؤلفه أبوبكر الناجي المصري، الكتاب الذي يقع في 113 صفحة ويضم خمسة مباحث رئيسية كتب قبل عام 2003 قبل خروج الأمريكان من العراق كما يفهم من سياقه، والذي يعبر عن رؤية كاتبه والتيار الذي ينتمي له وهو تيار التوحيد والجهاد الذي أسسه أبو مصعب الزرقاوي في العراق في العام 2003، يعبر عن رؤية مقاتل تمرس على القتال في المشهد الأفغاني وهضم تجربة قتال الإخوان والجهاد والجماعة الإسلامية مع الدولة المصرية.
تبدو فكرة استعادة الخلافة الإسلامية فكرة مركزية في وعي كل المجموعات الإسلامية التي يراها الكاتب لم تقدم المشروع الأوفى والمكتوب، سوى خمسة منها هي تيار الإخوان سواء الحركة الأم أو التنظيم الدولي، وسلفية الصحوة الذي يرمز له سلمان العودة وسفر الحوالي ( دعاة سعوديون )، وتيار إخوان الترابي، وتيار الجهاد الشعبى مثل حركة حماس وجبهة تحرير مورو وغيرها، وأخيرا تيار السلفية الجهادية التي ينتمى لها ويعتقد أنها الأقرب لمنهج الإسلام والأكثر توافقا من وجهة نظره مع ما يسميه السنن الشرعية والكونية التي يحتفظ لها بتفسير خاص، وهو في تقييمه لتلك المشاريع الخمسة يزكى مشروعه دون أن ينسى نقد باقي المشروعات وتفنيدها، حيث يرى أن مشروع سلفية الصحوة خاصة في سنواته الأخيرة اهتم بإنشاء المؤسسات التي يرى أنها في النهاية تشبه مشروع الإخوان البدعي، الذي يراه لا يمكن أن يتجاوز مراحله الأولى حتى بعد مرور آلاف السنين، لأنه يتجاوز لديه السنن الكونية والشرعية التي من أهمها التدافع وعنوانها الأبرز لديه المجالدة بسيف القوة، أما إخوان الترابي فهو لديه قد أخذ ببعض السنن الكونية بالإنقلاب مما أهله لإقامة دولة البشير والترابي، إلا أن تجاهل ذلك التيار لبعض الأوامر الشرعية وتحريفه لبعضها، جعلها دولة علمانية من وجهة نظرة تخيلوا دولة السودان لديهم دولة علمانية! أما تيار الجهاد الشعبي فهو مشروع شبيه بمشروع تيار السلفية الجهادية إلا أنه مخترق في فكره السياسى بمنهج الإخوان ومنهج إخوان الترابي، مما سيجعله حسبما يعتقد إما يقيم دولة شبيهة بدولته، أو سقوط الثمرة في النهاية بيد العلمانيين والقوميين. وهو بهذه التحليل يزكي في النهاية رؤية السلفية الجهادية ويطرح أفكاره التي يستهلها بتحديد ملامح النظام الذي كان يدير العالم منذ حقبة سيكس بيكو، تلك الحقبة الاستعمارية التي قسم بموجبها العالم الإسلامي وضعت الحدود المعروفة للدول القومية التي يناصبونها العداء، ويعتقد أن النظام الذي ظل يحكم العالم منذ تلك الحقبة هو إدارة الفوضى الناشئة عن انهيار السلطة وتقديم الخدمات اللازمة لاستمرار حياة الناس، دون امتلاك أي مشروع ثم يتحدث عن ما سماه وهم القوة ومركزية القوى العظمى أو القوة العسكرية والهالة الإعلامية الكاذبة حولها، وكيف أنهم استطاعوا كسرها في حربهم مع الإتحاد السوفيتى ثم كسرها مع أمريكا بغزوة مانهاتن وغيرها من المعارك في أفغانستان في ظل حكم طالبان، يفصل بعدها ماذا تعنى إدارة التوحش وهى إدراة مناطق انهارت السلطة المركزية فيها وخضعت لفوضى سياسية وأمنية، تجعل الناس يريدون من يسوسهم أو يدير شؤون الدفاع عنهم وصيانة الأمن داخليا وتوفير بعض الاحتياجات الضرورية لاستمرار الحياة في تلك المناطق. هذه النظرية تنطلق من تفكيك الدولة على ثلاث مراحل أولها سماه شوكة النكاية، وهي الإمعان في القتل والحرق والوحشية المفرطة، التي تستهدف بث الرعب في نفوس الداخل والخارج بالشكل الذي يبسط سلطة المجاهدين، وهو لا يستبعد فشل تلك المرحلة في تحقيق الهدف منها حيث يقول ببساطة “الإخفاق في إدراة التوحش سيؤدى إلى مزيد من التوحش، لكن أفحش درجات التوحش هي أخف من الاستقرار تحت نظام الكفر بدرجات.”