هشام السروجي


لكي تنتمي للعصبة الداعشية، ليس بالضرورة أن تحمل بطاقة هوية متطرفة، أو أن تقدّم طلبًا لأميرهم أبو بكر البغدادي، ممهورًا بتوقيع موظفين حكوميين وتوصية من ذي منصب، بل يكفيك قذارةً أن تتولى أجندتهم وتنتهج فكرتهم وتقوم بأفعالهم، ومن دنو الأمر أنّ أتباع التنظيم الدموي في أرض سيناء المصرية، كان لهم السبق على أمرائهم في العراق والشام، وأكدوا سنة تهجير الأقباط منذ ما يقرب من 3 أعوام.
وفي حقيقة الأمر أنّ الدماء التي تسيل كل لحظة، لا يتحمل تنظيم "داعش" وحده وزرها، إنما الوزر كل الوزر على من يمده ويدعمه ويسهل له تسريب الرجال عبر الحدود، مثل تركيا الداعم الاستراتيجي الأول وقطر والسعودية، والأخيرة هي من فتحت أبواب خزاناتها لتغدق عليهم بالدولارات، وأدارت الاتصالات مع التنظيم منذ نشأته في العراق عام 2006، لأهداف سياسية واستراتيجية، إن دلت على شيء فتدلّ على قصر نظر، وها هو الخطر يحدق بها، جراء صنيعتها الأولى.
في الأسابيع الأولى من ثورة يناير المبتورة، كانت كنيسة رفح على موعد مع القدر، ليسجل التاريخ أنها أول دور عبادة يتم استهدافه من مجموعات التطرف الديني، حيث تلقّت جدرانها قذيفتي RBG، نتج عنها تدمير 70% من بنيانها، لكن الزخم السياسي وتحويل بوصلة الاهتمام تجاه القاهرة، لم يعطِ للحدث حقه في التغطية الإعلامية والصحفية، حتى أنّ المواقع القبطية المتخصصة في القضية القبطية، لم تعلم بالواقعة إلا في أول شهر مارس من نفس العام.
وأعتبر أن تلك الواقعة كانت تحمل بين طياتها، العديد من الرسائل والدلالات التي لم يفقهها القائمون على البلاد في تلك الآونة، وأول ما أشرت إليه تلك الحادثة، أنّ هناك فصيل راديكالي، يحمل أيديولوجية جديدة على سابقيه من الجماعات الأصولية، وكان يعلن عن منهجه الفكري، الأشد تطرفاً من إخوانه الموجودين على الساحة، ولكنه تاريخياً يمثل التيارات المتطرفة في القرون الأولى من التاريخ الإسلامي.
وأعتبر أن تلك الواقعة كانت تحمل بين طياتها، العديد من الرسائل والدلالات التي لم يفقهها القائمون على البلاد في تلك الآونة، وأول ما أشرت إليه تلك الحادثة، أنّ هناك فصيل راديكالي، يحمل أيديولوجية جديدة على سابقيه من الجماعات الأصولية، وكان يعلن عن منهجه الفكري، الأشد تطرفاً من إخوانه الموجودين على الساحة، ولكنه تاريخياً يمثل التيارات المتطرفة في القرون الأولى من التاريخ الإسلامي.
وفي حالة أن تُقارَن كنيسة رفح بكنيسة القديسين، يكون القياس فاسد، فالأخيرة إن افترضنا جدلاً أنّ منفذي حادثة تفجيرها من الجماعات الأصولية، فهناك فرق بين فترة تضييق الخناق عليهم في عصر مبارك، وفترة ما بعد 25 يناير التي اعتبرتها جميع تيارات الإسلام السياسي المنفس لممارسة فكرهم على أرض الواقع، وفرض أجندتهم الفكرية على عموم الشعب. إنّ واقعة كنيسة رفح استهدفت تفريغ سيناء من كل المصريين تدريجياً، وبدأت من الأقباط، وما يبرهن تلك الرؤية، هو ما أعقبها بعدة شهور، حيث استيقظ أقباط سيناء، وعلى أبوابهم لصقت منشورات تحذيرية، تطالبهم بمغادرة منازلهم بل وسيناء كلها، وأمهلتهم أسبوع لتنفيذ المنشور، وإلا سيكون مصيرهم القتل، وإن أسقطنا تلك الواقعة على ما تقوم به داعش في سوريا والعراق، لوجدناها تتطابق مع المنشور (ن) اختصاراً لنصراني، والذى علق على منازل الأقباط في العراق.
إلا أنّ الفرق بينها كان أنّ "داعش" وضعت حل ثالث بعد القتل والهجرة، ألا وهو دفع الجزية، والسبب في ذلك يعود، إلى أنّ فقه جماعات العنف المقدس "التكفيريين"، يفرض الجزية في حال طبّق الشرع وكان للإسلام دولة، أما في حالة الاستضعاف فالقتل أو التهجير هو الجائز، ولا تفرض الجزية إلا في حالة التمكين ومبايعة خليفة للمسلمين – حسب نظرتهم الفقهية ء ، استدلالاً منهم بأنّ المسلمين لم يفرضوا الجزية في مكة قبل الهجرة، إنما فرضت على مشركي مكة بعد الفتح وسيادة الشرع الإسلامي.
كما أنّ وقائع خطف الأقباط، وطلب فديه من أهاليهم، خاصةً في سيناء، فلها مبررات فقهيه لديهم، بل أنّ الأمر يتخطى تلك المرحلة في أدبياتهم التكفيرية، حيث أجاز علماؤهم "التترس" – الدرع البشريء بنساء وأطفال أهل الكتاب "الذميين".
يا سادة إنّ الواقع يقول بأنّ أدبيات "داعش" في سيناء، سبقت تحركهم في سوريا والعراق، وإن لم تعِ الجهات المعنية تلك الحقيقة، فقد نستيقظ في يوم وأميرهم المسمى أبو بكر البغدادي يبارك بيعة فرع الجماعة في سيناء على العلن، وها هي الوقائع بين أيديكم، والأرشيف الصحفي لم يمحَ، حيث رصد ما أقوله بالتاريخ والتفصيل، وأي قارئ يستطيع ربط الأحداث بما يشهده أقباط العراق وسوريا، وحينها سيدرك أنّ الفكر الداعشي أول ما ظهر كان في سيناء.