بقلم : أكـرم ألـفي

يبلغ حجم هيئة الناخبين في الانتخابات البرلمانية 2015 أكثر من 54 مليون ناخب وهي أكبر هيئة انتخابية في تاريخ البرلمانات المصرية وتتوزع هذه الهيئة الناخبة على 27 محافظة بالإضافة إلى المصريين في الخارج.
وهيئة الناخبين The Electorate هي “مجموع المواطنين الذين يتمتعون بحق الانتخاب”، وتطورت هيئة الناخبين من مرحلة التقييد إلى مرحلة الاقتراع العام.
وكان الدستور المصري لعام 1930 يشترط في الناخب أن يكون مالكاً لأموال ثابتة مربوط عليها ضريبة عقارية لجانب الحكومة لا تقل عن جنيه مصري سنوياً، أو لعقارات مبنية قيمة إيجارها السنوي لا تقل عن اثني عشر جنيهاً مصرياً، أو أن يكون حائزاً لشهادة الدراسة الابتدائية أو لشهادة تماثلها.
وكان هذا القيد مواز لقيد آخر له علاقة بالسن وفقاً لدستور 1923 الذي جعل حق انتخاب أعضاء مجلس النواب لمن بلغ 21 عاماً وحق انتخاب مجلس الشيوخ لمن بلغ 25 عاماً قبل توحيد سن الرشد السياسي لحق انتخاب المجلسين عام 1930 في سن 25 عاماً. وحال دستور 1923 دون حق تصويت المرأة وهو الاستبعاد الذي استمر حتى عام 1956 حينما صدر قانون مباشرة الحقوق السياسية.
وتبنى قانون مباشرة الحقوق السياسية في مصر الذي صدر عام 1956 منهج الاقتراع العام بحيث سمح للمرة الأولى للمرأة بالتصويت في الانتخابات عبر المادة (4) التي نصت على أنه يجب أن يقيد في جداول الانتخاب كل من له حق مباشرة الحقوق السياسية من الذكور والإناث.
ولكن القانون ذاته أنشأ في المادة (5) جداول الانتخاب التي يقيد فيها أسماء الأشخاص الذين تتوافر فيهم شروط الناخب في أول من نوفمبر كل سنة وحتى الحادي والثلاثين من يناير من السنة التالية. وهو الشرط الذي صنع ما عرف بالقيد في الجداول الانتخابية الذي انتهى بتعديل المادة (5) من القانون عقب ثورة 25 يناير 2011 وجعل القيد بحسب الرقم القومي. ونص التعديل على أن “تنشأ قاعدة لبيانات الناخبين تقيد فيها تلقائياً من واقع بيانات الرقم القومي الثابتة بقاعدة بيانات مصلحة الأحوال المدنية بوزارة الداخلية اسماء من تتوافر فيهم شروط الناخب”.
وخلقت ظاهرة القيد الاختياري في الجداول الانتخابية بفارق بين من يحق لهم التصويت (تجاوز عمرهم 18 عاماَ) وبين المقيدين فعليا في جداول الانتخاب. ففي انتخابات 2005 على سبيل المثال كان من يحق لهم التصويت يبلغ نحو 41.3 مليون مصري بينما كان المسجلين في الجداول الانتخابية نحو 32 مليوناً فقط بفارق 9 ملايين شخص كان يحق لهم التصويت ولم يسجلوا أنفسهم في جداول الانتخابات بفارق بلغ 23%.
وجاء تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية في 2011 ليخلق طفرة في أعداد الناخبين اللذين يحق لهم التصويت في الانتخابات من 41.2 مليون ناخب في 2011 إلى 50.2 مليون ناخب في انتخابات برلمان 2012-2011 بزيادة 10 ملايين ناخب خلال عام واحد فقط بنسبة تفوق 20%.
جدول تطور هيئة الناخبين في مصر (بالملايين):

هيمنة الشباب على الهيئة الانتخابية. حيث يمثل الشباب (18 – 40 عاماً) نحو 60% من الناخبين. وكانت الدراسات الانتخابية السابقة تشير إلى أن الشباب هو العنصر الاقل ميلاً للتسجيل في جداول الانتخابات خلال التسعينيات والعقد الاول من القرن الحالي مما جعل نسبته من المقيدين في الجداول لا تزيد عن 35% إلى 40% من الناخبين.فقد ارتفع عدد الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات المصرية من 27.4 مليون شخص عام 1984 إلى 54 مليوناً في عام 2015 بزيادة تصل إلى 50.7% خلال 31 عاماً. وبحساب الخارجين من جداول الانتخابات بسبب الوفاة خلال تلك الفترة فإن الت في الهيئة الانتخابية خلال تلك الفترة يتراوح بين 65% إلى 70% بحسب اسقاطات الباحث، وهو ما يعني أننا أمام هيئة انتخابية جديدة لها سماتها الخاصة عن الهيئات الانتخابية السابقة عن 2011 من أبرزها:
- ارتفاع تمثيل المرأة في الهيئة الانتخابية. حيث بلغت نسبة السيدات اللاتي يحق لهن التصويت بحسب قاعدة الناخبين لعام 2014 نحو 48% مقابل 40% لعام 2010 و18% فقط في انتخابات 1984. وأرجع الباحثون تراجع إقبال السيدات على تسجيل أنفسهن في جداول الناخبين قبل 2011 إلى العزوف العام للمرأة المصرية عن المشاركة في المجال السياسي إلى جانب عدم الاهتمام من قبل الهيئات السياسية أو البيروقراطية على تشجيع المرأة على المشاركة الانتخابية، وبالتالي التسجيل في الجداول الانتخابية.
- ارتفاع نسبة المتعلمين في الهيئة الانتخابية. حيث انخفضت الأمية في مصر من نحو 40% عام 1984 إلى 26% عام 2014. وبإضافة معامل عزوف المتعلمين بشكل عام عن التسجيل في جداول الانتخابات سابقاً ضمن عزوف الطبقة الوسطى عن المشاركة السياسية لإدراكها عدم جدوى التصويت وتركز اهتمام الأحزاب السياسية وخاصة الحزب الوطني المنحل والأجهزة البيروقراطية على تسجيل الأقل تعليماً لسهولة توجيه أصواتهم، وبالتالي فنحن إزاء هيئة انتخابية ترتفع فيها نسبة المتعلمين مقارنة بالانتخابات السابقة على 2011 إلى جانب ارتفاع تمثيل الطبقة الوسطى بالضرورة.
وتتمثل أهمية دراسة هيئة الناخبين أيضاً في فهم المحافظات والمناطق الأكثر تأثيراً في الانتخابات البرلمانية.
وفي مصر هناك ست محافظات كبرى تمثل نحو 50% من الناخبين الذين يحق لهم التصويت وهي: القاهرة والجيزة والإسكندرية والدقهلية والشرقية والبحيرة بإجمالي 26 مليون ناخب.
وهذه المحافظات الست يمثلها في البرلمان 187 مقعداً بالنظام الفردي بنحو 44% من إجمالي المقاعد الفردية البالغ عددها 420 مقعداً.
جدول الناخبين في المحافظات الست الكبار (بالملايين):

إن الجدول السابق باستخدام اسقاطات مدرسة الديموجرافيا السياسية وفرضياتها يدلل على أن القاهرة تستحوذ على النسبة الأكبر من الناخبين الأكثر تعليماً والكتلة الأكبر من الطبقة الوسطى بين المحافظات الكبرى ويليها الإسكندرية بينما تتراجع الجيزة بحكم وجود حيز ريفي واسع بالمحافظة.ويلاحظ أن القاهرة وحدها تمثل 12.5% من الهيئة الانتخابية بينما تمثل نحو 10.5% من السكان وذلك بسبب انخفاض معدل المواليد في العاصمة مقارنة بكافة محافظات مصر الأخرى. فهنا الهيئة الانتخابية تمثل البيان الأكثر دقةً (بحسب مدرسة الديموجرافيا السياسية) على التطور السكاني.
فهيئة الناخبين في القاهرة والإسكندرية اللتان تعدان المركز الرئيسي للصراع السياسي تميل أكثر للنقاش والاختلاف حول القضايا الانتخابية مقابل تراجع عوامل القبيلة والطائفة أي الروابط العائلية والدينية.
ويختلف المشهد كلية في محافظات الصعيد التي تمثل نحو 26% من الهيئة الانتخابية في مصر. حيث أن هذه المحافظات يرتفع بها نسبة الأمية والفقر. فبحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء عام 2011 تضم محافظات الصعيد بين جنباتها أعلى نسبة للفقر في مصر بنحو 51.4% في الريف و29.5% في الحضر مقابل 17% و10.3% في ريف وحضر الوجه البحري على التوالي.
وتعد أسيوط المحافظة الأكثر فقراً في مصر بنسبة للفقراء تبلغ 69% من عدد سكانها تليها سوهاج (59%) وأسوان (54%). وتتصدر بني سويف قائمة الفقر متعدد الأبعاد بنسبة 20.7% وتليها أسيوط (17.3%).
وعلى صعيد مستويات الأمية تأتي المنيا في المقدمة بنسبة 38.2% وتليها سوهاج (36.4%) وبني سويف (35.5%) والفيوم (34.6%) وأسيوط (32.7%).
- جدول الناخبين في محافظات الصعيد:

ويضاف لارتفاع مستويات الفقر والأمية بين الهيئة الانتخابية في محافظات الصعيد معامل الطائفة. حيث تضم هذه المحافظات نسبة كبيرة من المسيحيين على عكس محافظات الوجه
البحري. ووفقاً لتقديرات أولية للباحث فإن نسبة المسيحيين في أسيوط تبلغ نحو 30% من السكان وتليها المنيا بنحو 18%.
هكذا فإننا نجد أنفسا أمام هيئة انتخابية أقل تعليماً وأكثر فقراً ومنقسمة بحسب الدين في محافظات الصعيد إلى جانب ارتفاع معامل القبلية، حيث تمثل القرابة والصلات العائلية عاملاً جوهرياً في تركيبة الهيئة الانتخابية بصعيد مصر.
المرجع:
1- تعديل بمرسوم لقانون رقم 46 لعام 2011
2- تنخفض النسبة إلى40% في حال تبني التعريف الديموجرافي التقليدي للشباب من عمر 18 إلى 29 عاماً.
3- وفاء داود. المرأة المصرية في ضوء الانتخابات البرلمانية. مجلة الديمقراطية. مركز دراسات الأهرام. أكتوبر 2010.
4- أكرم ألفي، كيف يصوت المصريون، كراسات استراتيجية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، العدد 233، ص 21.