د. عمـــــاد جــــاد
" يحظر التهجير القسري التعسفى للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لاتسقط بالتقادم". ما سبق هو نص المادة (٦٣) من دستور البلاد الحالي، وتنص المادة (62) على أن " حرية التنقل، والإقامة، والهجرة مكفولة.
ولا يجوز إبعاد أى مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه.
ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة فى جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائى مسبب ولمدة محددة، وفى الأحوال المبينة فى القانون."
كما تنص مواد أخرى في دستور البلاد على المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن العرق، اللغة، الدين والجنس.
يحدث ذلك بينما تتواصل عمليات التهجير القسري لمواطنين أقباط على يد مواطنين آخرين وبموجب تهديدات مباشرة أو جلسات عرفية تقضي بذلك، جلسات عرفية تتابعها الأجهزة الأمنية والتنفيذية وربما تشرف على تنفيذها في مراحل معينة وقد تستفيد من ذلك ماديا وأحيانا معنويا، ماديا من خلال الحصول على حصة من " الغنيمة" التي غنموها من ممتلكات الأسر التي تم تهجيرها، ومعنويا عبر الشعور بالارتياح لرحيل ومعاقبة مغاير ديني، فكثير من أجهزة ومؤسسات الدولة يعشعش فيها التطرف والتشدد، وسكنتها الأفكار الأصولية.
يكشف مراجعة تاريخ عمليات التهجير القسري لمواطنين مصريين أنها عقوبة غالبا ما تطبق على الأقباط فقط، وتبدأ بواقعة قد تكون حقيقية أو مختلقة وأحيانا تنسج حولها روايات منقولة دون التحقق منها.
شهدنا في عقد السبعينيات فرار أسر قبطية من صعيد مصر وتحديدا من محافظتي أسيوط والمنيا بسبب جرائم الجماعات المتطرفة واعتداءاتها المتكررة على الأقباط وفرض إتاوات عليهم بمعرفة الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة، وكان ذلك منطقيا في عهد السادات التي قام بأسلمة المجال العام في البلاد ونشر التشدد والتطرف، بل عهد لرجاله بتأسيس جماعات متطرفة وإمدادها بالسلاح كما حدث في حالة الجماعة الإسلامية في أسيوط في بداية السبعينيات.
استمر الأمر كذلك طوال عهد مبارك وبلغ الذروة في زمن المرشد والجماعة وتحديدا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، فقد أطلقت يد الجماعات المتشددة كي تعيث فسادا في المجتمع المصري، فتهدم الكنائس وتقطع أذن مواطن وتقص " شعر " النساء في المترو ثم تتوسع في عملية تهجير الأسر القبطية. ودخل على الخط بلطجية وقطاع طرق استخدموا عامل الدين في الاستيلاء على ممتلكات أسر قبطية، ونذكر هنا واقعة تهجير أربع أسر قبطية من " العامرية " بالإسكندرية تحت دعوى إقامة مواطن مصري قبطي علاقة جنسية مع مواطنة مصرية مسلمة، وقضت الجلسة العرفية بطرد عائلة كبير الأقباط من القرية، الرجل لا علاقة له بالواقعة ولكن الجلسة العرفية قضت بترحيله وتفويض مواطنين من القرية في بيع ممتلكاته ورد ثمنها إليه لاحقا. وكشفت التحقيقات عن عدم سلامة الرواية من الأساس، فهي رواية مختلقة، وأن الهدف الرئيسي من وراء فبركة الرواية ونشرها في القرية تشكيل رأي عام يطالب بمعاقبة مرتكب الواقعة، وهو الأمرالذي استغله البعض في القرية للمطالبة بترحيل عائلة ثري القرية القبطي والاستيلاء على ممتلكاته، وقد كان فقد أمرت الجلسة العرفية بطرد العائلة والاستيلاء على ممتلكاتها وبيعها من قبل كبارالقرية، والهدف كان الاستيلاء على أرض الرجل وتجارة القطن والموبيليا التي برع فيها.
ولا تختلف واقعة قرية " درويش " التابعة لمحافظة الفشن ببني سويف عن وقائع تهجير الأقباط بموجب جلسات عرفية سوى في التفاصيل، فالرواية هذه المرة أن شاب من القرية يعمل في الأردن نشر على صفحته في " الفيسبوك" ما يعتبر إساءة للإسلام، وجرى نشر الرواية في القرية، وهب الأهالي دفاعا عن الإسلام فجرى حرق منازل لأسرة الشاب، وتدخل عمدة القرية ووقع غرامة ( جزية) على أسرة الشاب قدرها ربع مليون جنيه، ثم عقد جلسة عرفية قررت تهجير عائلة الشاب المكونة من أربع أسر، وجرى تنفيذ العقوبة في ساعات معدودات تحت اشراف مدير الأمن وبمعرفة المحافظ.
ومن جانبه نفى الشاب الواقعة من الأساس مؤكدا أنه لا يجيد القراءة والكتابة. عموما وبصرف النظر عن صحة الواقعة من عدمها فأن ما جرى يعتبر جريمة في جبين الدولة المصرية ويكشف عن حالة من التعصب والتشدد من قبل بعض مؤسسات الدولة وآجهزتها، ويكشف في الوقت نفسه عن البطئ الشديد في تعامل السلطة التنفيذية مع مثل هذه الحوادث، كما أن معالجة الموضوع تتم بجلسات عرفية أو يتم الاكتفاء بالتراجع عن قرارات الجلسة العرفية دون محاسبة من خالف الدستور والقانون، لتنفجر القضية في مكان آخر في وقت لاحق.
وفي تقديري أن استمرار انتهاك الدستور والقانون في كل القضايا الخاصة بالأقباط أمر لم يعد يحتمل لاسيما في ظل نشاط الأجيال الجديدة من الأقباط وضغوطهم على الكنيسة وعدم تقدير موقف الأخيرة المبني على حسابات معقدة للدرجة التي هزت هيبة رأس الكنيسة في عيون شباب الأقباط وهناك من وجه له الاتهامات بعدم التدخل لدى الدولة لرفع هذه الاعتداءات، وهناك من الشباب من وصف البابا بالعمل لدى الدولة وهو أمر يضعف من موقف البابا ويهز مكانته ويضعف قدرته على التعامل مع مثل هذه الأحداث.
في تقديري أن القضية لم تعد تحتمل التأجيل، لابد من تفعيل المادة (٦٣) من الدستور المصري، وتوجيه المسؤولين في الأجهزة الأمنية والتنفيذية بضرورة تطبيق القانون وإلغاء الجلسات العرفية، وأن من يقوم بمثل هذا العمل سيعزل من وظيفته ويقدم للمحاكمة، كما قلنا مرارا وتكرارا الحل في دولة القانون ذات الهيبة، والأمر هنا يتوقف على الإرادة السياسية، هل هناك رغبة حقيقية في تطبيق الدستور والقانون ومواجهة التمييز بين المصريين حقا، أم أن الدساتير حبر على ورق ومن ثم تتواصل معاناة المصريين من أشكال وأنواع من التمييز وأخطره الديني.
المصري اليوم
" يحظر التهجير القسري التعسفى للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لاتسقط بالتقادم". ما سبق هو نص المادة (٦٣) من دستور البلاد الحالي، وتنص المادة (62) على أن " حرية التنقل، والإقامة، والهجرة مكفولة.
ولا يجوز إبعاد أى مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه.
ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة فى جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائى مسبب ولمدة محددة، وفى الأحوال المبينة فى القانون."
كما تنص مواد أخرى في دستور البلاد على المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن العرق، اللغة، الدين والجنس.
يحدث ذلك بينما تتواصل عمليات التهجير القسري لمواطنين أقباط على يد مواطنين آخرين وبموجب تهديدات مباشرة أو جلسات عرفية تقضي بذلك، جلسات عرفية تتابعها الأجهزة الأمنية والتنفيذية وربما تشرف على تنفيذها في مراحل معينة وقد تستفيد من ذلك ماديا وأحيانا معنويا، ماديا من خلال الحصول على حصة من " الغنيمة" التي غنموها من ممتلكات الأسر التي تم تهجيرها، ومعنويا عبر الشعور بالارتياح لرحيل ومعاقبة مغاير ديني، فكثير من أجهزة ومؤسسات الدولة يعشعش فيها التطرف والتشدد، وسكنتها الأفكار الأصولية.
يكشف مراجعة تاريخ عمليات التهجير القسري لمواطنين مصريين أنها عقوبة غالبا ما تطبق على الأقباط فقط، وتبدأ بواقعة قد تكون حقيقية أو مختلقة وأحيانا تنسج حولها روايات منقولة دون التحقق منها.
شهدنا في عقد السبعينيات فرار أسر قبطية من صعيد مصر وتحديدا من محافظتي أسيوط والمنيا بسبب جرائم الجماعات المتطرفة واعتداءاتها المتكررة على الأقباط وفرض إتاوات عليهم بمعرفة الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة، وكان ذلك منطقيا في عهد السادات التي قام بأسلمة المجال العام في البلاد ونشر التشدد والتطرف، بل عهد لرجاله بتأسيس جماعات متطرفة وإمدادها بالسلاح كما حدث في حالة الجماعة الإسلامية في أسيوط في بداية السبعينيات.
استمر الأمر كذلك طوال عهد مبارك وبلغ الذروة في زمن المرشد والجماعة وتحديدا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، فقد أطلقت يد الجماعات المتشددة كي تعيث فسادا في المجتمع المصري، فتهدم الكنائس وتقطع أذن مواطن وتقص " شعر " النساء في المترو ثم تتوسع في عملية تهجير الأسر القبطية. ودخل على الخط بلطجية وقطاع طرق استخدموا عامل الدين في الاستيلاء على ممتلكات أسر قبطية، ونذكر هنا واقعة تهجير أربع أسر قبطية من " العامرية " بالإسكندرية تحت دعوى إقامة مواطن مصري قبطي علاقة جنسية مع مواطنة مصرية مسلمة، وقضت الجلسة العرفية بطرد عائلة كبير الأقباط من القرية، الرجل لا علاقة له بالواقعة ولكن الجلسة العرفية قضت بترحيله وتفويض مواطنين من القرية في بيع ممتلكاته ورد ثمنها إليه لاحقا. وكشفت التحقيقات عن عدم سلامة الرواية من الأساس، فهي رواية مختلقة، وأن الهدف الرئيسي من وراء فبركة الرواية ونشرها في القرية تشكيل رأي عام يطالب بمعاقبة مرتكب الواقعة، وهو الأمرالذي استغله البعض في القرية للمطالبة بترحيل عائلة ثري القرية القبطي والاستيلاء على ممتلكاته، وقد كان فقد أمرت الجلسة العرفية بطرد العائلة والاستيلاء على ممتلكاتها وبيعها من قبل كبارالقرية، والهدف كان الاستيلاء على أرض الرجل وتجارة القطن والموبيليا التي برع فيها.
ولا تختلف واقعة قرية " درويش " التابعة لمحافظة الفشن ببني سويف عن وقائع تهجير الأقباط بموجب جلسات عرفية سوى في التفاصيل، فالرواية هذه المرة أن شاب من القرية يعمل في الأردن نشر على صفحته في " الفيسبوك" ما يعتبر إساءة للإسلام، وجرى نشر الرواية في القرية، وهب الأهالي دفاعا عن الإسلام فجرى حرق منازل لأسرة الشاب، وتدخل عمدة القرية ووقع غرامة ( جزية) على أسرة الشاب قدرها ربع مليون جنيه، ثم عقد جلسة عرفية قررت تهجير عائلة الشاب المكونة من أربع أسر، وجرى تنفيذ العقوبة في ساعات معدودات تحت اشراف مدير الأمن وبمعرفة المحافظ.
ومن جانبه نفى الشاب الواقعة من الأساس مؤكدا أنه لا يجيد القراءة والكتابة. عموما وبصرف النظر عن صحة الواقعة من عدمها فأن ما جرى يعتبر جريمة في جبين الدولة المصرية ويكشف عن حالة من التعصب والتشدد من قبل بعض مؤسسات الدولة وآجهزتها، ويكشف في الوقت نفسه عن البطئ الشديد في تعامل السلطة التنفيذية مع مثل هذه الحوادث، كما أن معالجة الموضوع تتم بجلسات عرفية أو يتم الاكتفاء بالتراجع عن قرارات الجلسة العرفية دون محاسبة من خالف الدستور والقانون، لتنفجر القضية في مكان آخر في وقت لاحق.
وفي تقديري أن استمرار انتهاك الدستور والقانون في كل القضايا الخاصة بالأقباط أمر لم يعد يحتمل لاسيما في ظل نشاط الأجيال الجديدة من الأقباط وضغوطهم على الكنيسة وعدم تقدير موقف الأخيرة المبني على حسابات معقدة للدرجة التي هزت هيبة رأس الكنيسة في عيون شباب الأقباط وهناك من وجه له الاتهامات بعدم التدخل لدى الدولة لرفع هذه الاعتداءات، وهناك من الشباب من وصف البابا بالعمل لدى الدولة وهو أمر يضعف من موقف البابا ويهز مكانته ويضعف قدرته على التعامل مع مثل هذه الأحداث.
في تقديري أن القضية لم تعد تحتمل التأجيل، لابد من تفعيل المادة (٦٣) من الدستور المصري، وتوجيه المسؤولين في الأجهزة الأمنية والتنفيذية بضرورة تطبيق القانون وإلغاء الجلسات العرفية، وأن من يقوم بمثل هذا العمل سيعزل من وظيفته ويقدم للمحاكمة، كما قلنا مرارا وتكرارا الحل في دولة القانون ذات الهيبة، والأمر هنا يتوقف على الإرادة السياسية، هل هناك رغبة حقيقية في تطبيق الدستور والقانون ومواجهة التمييز بين المصريين حقا، أم أن الدساتير حبر على ورق ومن ثم تتواصل معاناة المصريين من أشكال وأنواع من التمييز وأخطره الديني.
المصري اليوم