728x90 شفرة ادسنس

  • اخر الاخبار

    Friday, May 1, 2015

    الانتخابات البرلمانية 2015.. بين القانون والسياسة

    بقلم/
    صبري سعيد
    باحث في الشأن المصريالمركز الاقليمي للدراسات 


    جاءت أحكام المحكمة الدستورية الأخيرة ببطلان قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، وإقرارها لاحقًا بأحقية مزدوجي الجنسية في الترشح لانتخابات مجلس النواب؛ متوافقةً إلى حد كبير مع توقعات العديد من الخبراء والمختصين، سواء على الصعيد القانوني أو السياسي، وكذلك مع مطالب العديد من القوى السياسية، سواء الحزبية أو المستقلة، بشأن القوانين المطعون عليها أمام المحكمة الدستورية العليا؛ لما بها من شبهات العوار الدستوري. وعلى الفور قررت اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية وقف تنفيذ القرار رقم 1 لسنة 2015 الخاص بدعوة الناخبين إلى انتخاب مجلس النواب الجديد، وما تلاه من قرارات أو إجراءات مترتبة عليه.
    أولاً- الدستورية تحسم مصير البرلمان:
    لقد جاء قرار اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية تأجيلَ الجدول الزمني الجديد الخاص بإجراء الانتخابات البرلمانية؛ التزامًا منها بحكم المحكمة الدستورية العليا. وهنا يُطرَح التساؤل: هل لدى لجنة إعداد قانون الدوائر الانتخابية، قانون جاهز (حسب ما أشيع في وسائل الإعلام) ستعرضه على الحكومة؟ أم تفتح اللجنة المجال مجددًا لمزيد من النقاش ومشاركة القوى السياسية أثناء إعداد مشروع القانون الجديد قبل عرضه على الحكومة والتصديق عليه؛ حتى لا يُطعَن عليه مرةً أخرى؟
    فالقوى السياسية برمتها، سواء على صعيد الائتلافات أو الأحزاب خارج هذه الائتلافات أو حتى المستقلين؛ ترغب -بل وكثيرًا ما تناشد الدولةَ واللجنة المنوط بها تعديل قانون تقسيم الدوائر- في أن تخرج هذه التعديلات بطريقة دستورية، والاستجابة للملاحظات التي تبديها، ومراعاة رغباتها وتحفُّظاتها ومناقشاتها؛ حتى لا يحدث الارتباك مرةً أخرى، فيضيع الوقت هدرًا، وإن تحفَّظ بعض الخبراء أنه من المستحيل تقسيم الدوائر تقسيمًا عادلاً ومتكافئًا؛ نظرًا إلى أن معظم السكان موجودون في الوادي والدلتا، ومن ثم يتعذر الوصول إلى العدالة الكاملة، خاصةً في ظل السعي إلى الالتزام بالمعايير المتعددة والمُركَّبة التي التزمت اللجنة بها، خاصةً أن أصحاب هذا التحليل والتحفُّظ يستندون إلى أن أي تعديلات قادمة أو مُقترحَة، ستكون محل عوار دستوري، ومن ثم سيُطعَن على القانون الجديد وسيُحَل البرلمان -إذا تم انتخاب أعضائه هكذا- مثلما حدث من قبل مع برلمانات 90 و95 و2000؛ ما جعل البعض يطرح حلاًّ لهذه المعضلة؛ هو أن تكون رقابة المحكمة الدستورية العليا سابقةً، لا لاحقةً، على القوانين، وهو ما تحوَّل إلى مطلب شعبي أو شبه شعبي بعد الحكم الأخير. لكن في المقابل، فإن القانونيين -ولهم الحق- يعتبرون أن مجلس الدولة هو الذي يجب أن يضطلع بتلك المهمة، خاصةً أن العوار الدستوري لا يظهر إلا بعد تطبيقه، وهو ما يُعتبَر معيارًا يعطي ضمانًا للمواطن.
    ولعل ما استقر عليه الأمر، أنه لن يُقبَل بإجراء انتخابات برلمانية ووجود مجلس نواب به عوار دستوري؛ لذلك ستُعرَض المواد المُعدَّلة كافةً على لجنة التشريع بمجلس الدولة، وتأخذ وقتًا كافيًا مع دراسة جميع الخطوات بدقة واتزان. ومما لا شك فيه، أن هذا التأجيل الذى تم بأمر الدستورية، قد يتيح الفرصة لإصلاح ما حدث من أخطاء، ويُخرج الجميع من المشهد المرتبك في النظام الانتخابي، أو فرصةً للقوى السياسية أن تعيد ترتيب أوراقها، وحل الخلافات والصراعات داخل الأحزاب والقوى السياسية حول تشكيل التحالفات الانتخابية والقوائم التي ستخوض الانتخابات.
    ولكن يبدو أن هذا صعب الحدوث؛ فحكم الدستورية بعدم دستورية منع مزدوجي الجنسية من خوض الانتخابات، قد أضاف إلى المشهد مزيدًا من الارتباك، فباتت التحالفات الانتخابية التي نشطت في السابق -رغم مشكلاتها وتخبُّطاتها- عرضةً للانهيار، خاصةً أن هذا الحكم يدفع بإعادة الانتخابات بأكملها وإعادة فتح الباب أمام مشاورات تشكيل قوائم جديدة بمعايير تتفق مع التعديلات.
    وبغض النظر عما يُتداوَل من أن الوثيقة الدستورية جديدة وتطبيقاتها القضائية لم تستقر بعد، فضلاً عن أن عبارات الدستور في هذا الصدد تحديدًا جاءت فضفاضة وواسعة، وتحتمل أكثر من معنى؛ فاللجنة لم تخطئ -كما يردد البعض- قدر ما اجتهدت حال إعدادها مشروع القانون الذي طُعِن عليه.
    ثانيًا- إعادة تكوين التحالفات:
    أثارت أحكام المحكمة الدستورية، وما تلاها من أحكام مجلس الدولة، جدلاً كبيرًا ساد الأوساط السياسية والشعبية؛ فالبعض فسَّر هذه الأحكام بأنها تحصينٌ لمجلس النواب من الحل أو البطلان بعد تشكيله، والبعض الآخر اعتبر أنه يشير إلى جدية الإرادة السياسية بتشكيل برلمان غير مطعون في شرعيته، وأن التأجيل أفضل من الطعن على المجلس المقبل. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل ستجعل تلك الأحكام القوى السياسية تتبيَّن ملامح المستقبل؟ أم سيكون الجمود والانتظار المسيطر على المشهد برمته؟
    ومن المؤكد أن هذا التأجيل سيكون له كثيرٌ من التداعيات على الائتلافات الانتخابية التي تشكَّلت بصعوبة قبيل فتح باب الترشح؛ إذ إنه من المحتمل أن ينصهر بعضها ويتفكَّك بعضها؛ بسبب الارتباك الذي ساد طوال فترة تكوين هذه الائتلافات خلال الشهور الماضية، خاصةً أن معظم هذه الائتلافات أو التحالفات لم تكن مُرضِية للتفسيرات السياسية والأيديولوجية المنضبطة، وشابها -إضافةً إلى التسرع- قدرٌ كبير من الأنوية، أو ما يطلق عليه الانتهازية السياسية.
    كما أن هذا التأجيل سيفرض -إذا أدركت القوى السياسية- أن يكون هذا البرلمان مختلفًا عن أي برلمانات سابقة أو حتى لاحقة؛ حيث إنه يكمل خارطة الطريق التي وُضعَت بعد ثورة يونيو 2013، ووافق عليها فئات المجتمع كافةً، بما فيها كل القوى السياسية. وبدون شك، فإن استكمال خارطة الطريق أمام العالم، لن يكتمل إلا ببرلمان يدرك حجم المسئولية والمخاطر التي تحدق بالأوطان، إقليميًّا ودوليًّا، وبرلمان غير مطعون في شرعيته أو دستوريته، إضافةً إلى أن هذا التأجيل سيتيح الفرصة لبعض القوى السياسية التي قاطعت كي تعيد النظر في مقاطعتها، وأهمها التيار الديمقراطي أو التحالف الشعبي الاشتراكي.
    ثالثًا- تصحيح مسار الائتلافات:
    من المُلاحَظ أن معظم التحالفات التي تم تكوينها خلال الشهور الماضية -إن لم يكن كلها- انتابتها السرعة والارتجالية وعدم إدراك المخاطر. وتكفي الإشارة إلى أن هذه القوى السياسية لم تدرك هذا إلا بعد إشارة الرئيس عبد الفتاح السيسي في اجتماعاته ومشاوراته ولقاءاته مع قيادات كل الأحزاب التي تزيد عن السبعين، طالبًا منهم التنسيق فيما بينهم؛ لانتخاب برلمان مدني يعي التحديات ويكمل خارطة الطريق ويُسهم في بناء الدولة الحديثة، خاصةً أن هذا البرلمان -حسب نصوص الوثيقة الدستورية- يشارك وبقوة وبحصانة في صياغة طبيعة النظام السياسي أو نظام الحكم بعد انتخابه 
    ولعل الدلالة الأهم لذلك الحدث، هي تأكيده ضعف الأحزاب السياسية التي تصارعت أكثر ما اتفقت، واختلفت أكثر ما توافقت على هذه الأهداف. خاصةً أن كل المؤشرات تؤكد ضعف أدائها، وأنها ستكون ضيف شرف البرلمان القادم، ولن تلعب دورًا رئيسيًّا أو مهمًّا؛ وذلك استنادًا إلى المعلومات المتوافرة عن مرشحيها قبل الطعن الأخير. ومن ثم يمكن القول إن على هذه الأحزاب، وعلى سائر القوى السياسية التي تجهز أوراقها لخوض انتخابات البرلمان القادم المُؤسِّس للدولة الحديثة واستكمال مشروع الدولة الجديدة؛ أن تتسم بالمعايير التالية:
    - أن تُسهِم في إخراج البرلمان القادم ليكون برلمانًا يؤسس لدولة مدنية عصرية.
    - أن تراجع فلسفة ورؤى تحالفاتها وتنسيقاتها بعضها مع بعض، بحيث تتقدم المصلحة العامة على التوجهات الأيديولوجية.
    - من الأفضل -بل ومن الضروري- أن تأتلف تلك الأحزاب والتحالفات في ثلاثة تيارات رئيسية: أولها القوى السياسية في مجملها (اشتراكيون - قوميون - ناصريون...) حتى الأحزاب الجديدة ذات التوجه اليساري أو ما يطلق عليه يسار الوسط، كما هو الحال في الحزب الديمقراطي الاجتماعي.
    - وثانيها القوى الليبرالية، سواء التقليدية أو الجديدة، كحزب المصريين الأحرار، وهو ما يطلق عليه يمين اليمين. وهاتان القوتان تمثلان ما يطلق عليه "القوى المدنية".
    - إضافة إلى القوة الثالثة، وهي القوى الإسلامية، تحت راية حزب النور وتابعيه.
    وإذا أدركت القوى السياسية والأحزاب والائتلافات هذه الأبعاد، فمن الممكن أن تتلافى الأخطاء السابقة، وأيضًا إمكانية إخراج برلمان يحقق طموحات النظام السياسي الراهن، ويكمل خارطة الطريق التي ينتظرها، سواء المجتمع المصري أو المجتمع الدولي.
    رابعًا- التحالفات والأيديولوجيا:
    فالتأجيل الذي تم إجبارًا بحكم الدستورية -إضافةً إلى أنه أنقذ البرلمان القادم- أفادت منه القوى السياسية والأحزاب كافةً، لإعادة النظر في كشوف المرشحين ووحدة الصف الوطني عن طريق مراجعة التحالفات الانتخابية. والأهم أنه أتاح الفرصة للأحزاب لشرح البرامج السياسية والاجتماعية للناخبين بصورة أفضل، وكذلك لسد الثغرات في الأحزاب السياسية، والقناعة بأن أمام هذه الأحزاب تحديات كبيرة لوجودها هي ذاتها، ولقوة تأثيرها في البرلمان القادم.
    لا شك أن القوائم التي طرحتها الأحزاب اتسمت بأنها قوائم انتخابية سياسية، وليست حزبية تنافس على 120 مقعدًا، وتتشكل من شخصيات عامة متباينة الاتجاهات السياسية، لا يربط بينها خط سياسي؛ ما يُصعِّب على الناخبين تعرُّف البنيان والتوجُّه الفكريَّيْن للقوائم التي تتقدم للبرلمان في مرحلة تحول تاريخية، تؤسس لحكم المؤسسات والقانون والمواطنة الكاملة غير المنقوصة، فعبَّرت هذه القوائم السابقة عن عشوائية الساحة السياسية، باستثناء شريحة مدنية بعض الشيء.
    هذا الواقع يؤكد فقدان الأحزاب السياسية القدرةَ على تشكيل قوائم منفصلة أو بقياداتها. وبناءً عليه، تم استحداث التحالفات الانتخابية التي تعكس التعددية السياسية الهزيلة والضعيفة والواهنة، وتعكس أيضًا عدم القدرة على المشاركة في بناء مجتمع سياسي متطور وناضج.
    ولقد تجرَّفت الأحزاب ذات المرجعية المدنية؛ لعدة أسباب موضوعية شاركت فيها طبيعة وأداء وسياسات الأحزاب نفسها، وطبيعة العلاقة بينها وبين الدولة، في سنوات، بل وعقود سابقة.
    كما أن هذا التأجيل قد يفرض -في أضيق الحدود- أن تعيد القوى السياسية وكذلك النظام السياسي الراهن؛ التفكير في المساحات الأيديولوجية والفكرية والسياسية المشتركة، وأن تقف الدولة مُحايِدةً بين كل التيارات الفكرية والأحزاب، بما لا يخل بمدنية الدولة ومرجعيتها الديمقراطية، كدولة لكل المواطنين، يحتكمون إلى دستورهم المدني فقط المؤسِّس لدولة عصرية ديمقراطية حديثة من خلال مؤسسات مدنية مستقلة.
    من هنا، فإن أي تحالف انتخابي -خاصةً بعد ثورة يونيو- لا بد أن يدرك احترام المنابع الفكرية لدى أطراف التحالف؛ حيث إن هذا التحالف قد يكون في المستقبل القريب قابلاً للكسر وعدم الاستمرار.
    من المؤكد أن هذه التحالفات قد تشكَّلت -كما يعتقد البعض- للعبور فقط إلى البرلمان والحضور داخله كقوى مدنية؛ حتى لا يفسحوا الطريق لأي قوى رجعية ماضوية ظلامية، كتيار الإسلام السياسي. ومع أن هذا الرأي صحيح نظريًّا، فإنه على صعيد التجربة، من الجائز أن تتحوَّل هذه التحالفات إلى انقسامات داخل البرلمان؛ ما يعطل إنجاز الاستحقاق الثالث والأخير من خارطة الدولة الجديدة، ويصبح البرلمان ساحةً للتراشق وعدم الوصول إلى توافقات واضحة بشأن العملية الديمقراطية برمتها، وكذلك التشارك مع المؤسسات الأخرى لتحقيق الاستقرار واستكمال البناء المؤسسي، خاصةً أن هذا البرلمان -ولأول مرة- سيكون شريكًا في الحكم، من خلال ما أُضيف إلى أدواره التقليدية من بنود في الوثيقة الدستورية الجديدة، ومن ثم يفرض هذا -سواء على التحالفات أو الأحزاب- أن تلعب أدوارًا واضحةً تُحسَب من خلالها تضاؤل المساحات المتروكة للأيديولوجيا، كما كان سابقًا في مرحلة الرفاه الأيديولوجي، وتكثر التباينات داخل الحزب الواحد إلى عدة تقسيمات أيديولوجية، رغم انتمائهم جميعًا إلى بنية فكرية وأيديولوجية واحدة؛ فكما تقول الأدبيات: إذا افترضنا أن المسافة بين اليمين واليسار كانت مترًا واحدًا في ستينيات القرن الماضي، فقد صارت الآن لا تزيد عن السنتيمترات، خاصةً في المجتمعات التي اتسمت بالاستقطاب الحاد. ومن ثم، على هذه الأحزاب والقوى أن تتبنى قضايا اجتماعية واقتصادية واضحة ترتبط بمصالح غالبية المواطنين، بل جميعهم، وانحسار الأصوات الداعمة للانقضاض على الدولة المدنية الراعية والمحافِظة لمصالح فئات المجتمع كافةً.
    وخلاصة القول، أنه بغض النظر عن الاشتباكات والتقييمات، سواء القانونية أو السياسية بشأن الأحكام الأخيرة للدستورية العليا؛ فان الأمر بات الآن في ملعب القوى السياسية والأحزاب لاستعادة كفاءتها وإعادة تقييماتها بشأن التحالفات؛ حتى تكون أكثر إيجابيةً، وتفرز منافسة حقيقية لبرامج واضحة ومُعتبَرة في ظل نظام سياسي يبحث عن استكمال الشرعية الكاملة، بمؤسسات حقيقية تعاونه على ترسيخ الدولة المدنية العصرية، كما تشير الوثيقة الدستورية لتحقيق الأمل الاجتماعي لجميع الطبقات، وحقوق المواطنة، وللدفاع عن السلامة الوطنية.
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: الانتخابات البرلمانية 2015.. بين القانون والسياسة Rating: 5 Reviewed By: Unknown
    Scroll to Top