728x90 شفرة ادسنس

  • اخر الاخبار

    Wednesday, May 20, 2015

    كيف تفسر الخبرة الغربية مع الكنيسة معضلة "الخلافة الإسلامية"؟

    جون أوين
    ترجمة المركز الاقليمي 

    ظهر خلال السنوات الماضية اتجاه فكري داخل الغرب، يتمترس خلف مقولات التاريخ الغربي، ويستدعي هذا التاريخ في التعاطي مع قضايا الإسلام والمسلمين. فالتاريخ - وفقًا لهذا الاتجاه- يحمل قسمات مشتركة ومسارات شبه متماثلة، ومن ثمَّ فإن التعامل مع قضايا الإسلام يمكن أن يتم عبر الإحالة إلى التحولات التي مر بها وضع المسيحية بالغرب، والتي ارتبطت بصورة جوهرية بثنائية (الكنيسة والدولة)، وحدود تدخل الكنيسة والدين المسيحي في المجتمع. وهكذا وبعد قرون من تسوية هذه الصراعات، شرع العديدون داخل الغرب والدول الإسلامية في استحضار مشهد الصراعات الدينية في الغرب، على اعتبار أنها الاقتراب الأفضل لفهم معطيات الصراع الراهن في الكثير من الدول الإسلامية، ومن ثمّ إيجاد مقاربة متماسكة لتسوية هذا الصراع.
    وتأسيسًا على ما سبق، يتناول جون أوين، من خلال مقاله بدورية "الشئون الخارجية" عن شهري مايو/ يونيو بعنوان "من كالفن إلى الخلافة: ما الذي تخبرنا به الحروب الدينية في أوروبا عن الشرق الأوسط الحديث" - الصراعات الأيديولوجية في الشرق الأوسط من منظور التاريخ الغربي؛ حيث يفترض أوين أن الصراع الديني الذي شهدته الدول الغربية منذ قرون يُشكل مدخلا جوهريًّا للتعاطي مع الأزمات التي يشهدها الشرق الأوسط، خاصة أنها أزمات تدور بالأساس حول فكرة الهوية، ووضعية الشريعة، وهي قضايا مؤثرة أيضًا في التاريخ المسيحي الغربي، وكان لها تأثير على التحولات التي مر بها الغرب.
    مصدر السيادة في المجتمع:
    يؤسس أوين تحليله على فكرة مصدر السيادة في المجتمع، كفكرة حاكمة للصراعات القائمة في المجتمعات الإسلامية، فالكثير من هذه المجتمعات لم تحسم مسألة الهوية ومصدر السيادة، وهو الأمر الذي أوجد مساحة كبيرة من التجاذب بين تيارين رئيسيين: أحدهما يرى أن السيادة في المجتمع يتعين أن تكون إلهية، ومن ثم تكون المرجعية للشريعة والنص الديني. بينما يؤكد التيار الآخر السيادة البشرية، والتي تعني أن التشريع وإدارة شئون المجتمع مستمدة بالأساس من القوانين الوضعية والمصالح التي يُقدرها العقل البشري. صحيح أن هناك بعض الاتجاهات التي حاولت التوفيق بين المنطلقات الفكرية لكلا التيارين، ولكن بالرغم من ذلك، ظلا هما التيارين الأكثر تأثيرًا وحضورًا في الساحة الفكرية.
    لقد بدأ هذا الصراع الأيديولوجي - بحسب أوين - مع تعرض منطقة الشرق الأوسط للاستعمار الغربي؛ حيث سعت القوى الغربية إلى فرض الخبرة العلمانية الغربية على دول المنطقة، لتوجِد بذلك حاضنةً للتيار العلماني الذي نشأ في المنطقة، ووجدت له النخب المقتنعة به، والتي اعتبرت أن العلمانية الغربية هي النموذج النهضوي الأمثل للدول الإسلامية، ولم تؤدِّ مرحلة الاستقلال إلى تراجع التيار العلماني، ولكنه استمر وطرح نفسه كبديل. وفي المقابل بدا ثمة تيار إسلامي يكرس هو الآخر لفرضياته المتعارضة بالضرورة مع أطروحات التيار العلماني.
    وخلال الربع الثاني من القرن العشرين، تصاعد المد الإسلامي في المنطقة، وتنامت الدعوة إلى الرجوع إلى الشريعة، على اعتبار أن من الصعب للمسلم أن يعيش في دولة تحكمها قوانين وضعية. وبمرور الوقت، كان الصراع الأيديولوجي بين العلمانيين والإسلاميين يشهد تحولات جوهرية، فالتيار الإسلامي أنتج من بين صفوفه نسخةً أكثر راديكالية تسعى إلى إقامة دولة الشريعة بالقوة. وفي الوقت ذاته، كان المشروع العلماني يتعرض لانتكاسات كبيرة بفعل الأحداث التي مرت بها المنطقة، والتي كان من أهمها هزيمة يونيو 1967، والثورة الإيرانية في 1979، وحرب الخليج في التسعينيات، وهي جميعها كانت تصب في صالح الإسلاميين، وتخصم من مساحة المشروع العلماني.
    الخبرة الغربية:
    يفترض أوين أن المجتمعات الإسلامية تمر في الوقت الراهن بأوضاع تشبه ما كانت تشهده الدول الغربية (لا سيما في غرب أوروبا) منذ نحو 450 عامًا؛ حيث كانت الحروب الدينية والثورات التي قام بها أتباع البروتستانتية الجديدة المعروفة بالكالفينية، والتي كانت تعبر عن مذهب يحمل توجهات دينية وسياسية واقتصادية في آنٍ واحد، وقد أدت معارضة المذهب الجديد للنظام الاقتصادي والاجتماعي المتمحور حول الكنيسة الكاثوليكية إلى تنامي حدة الصراع الديني داخل الغرب، وإعادة تعريف دور الكنيسة والمسيحية داخل الدولة.
    القضية الرئيسية التي يطرحها أوين في هذا السياق هي قضية الشرعية، فالصراع الديني الذي بدأ بين البروتستانتية (الكالفينية) والكاثوليكية يعكس - بشكل أو بآخر - صراعًا حول فكرة الشرعية، ومن يمتلك الصلاحية الفكرية لإدارة الدولة. ولم تتوقف هذه الأزمة مع انتهاء الصراع الديني، ولكنها تجلت فيما بعد عبر الصراع بين الملكية والدستورية، ثم الصراع بين الليبرالية والشيوعية. وعطفًا على ما سبق؛ فإن المقارنة بين الخبرة التاريخية الغربية وواقع الشرق الأوسط تكشف عن دلالتين جوهريتين:
    أولا- ثنائية الداخل والخارج: فالكثير من الصراعات الأيديولوجية، سواء في الغرب أو الشرق الأوسط انطوت على درجة ملحوظة من التفاعل بين الداخل والخارج، وقد ظهر هذا الأمر أثناء الحروب الدينية في الغرب؛ حيث إن كل طرف في الصراع كان لديه ظهير خارجي يعتمد عليه، خصوصًا وأن الحرب كانت عابرة للقومية، ولا تقتصر على منطقة بعينها، وتم استدعاء هذا النموذج أيضًا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وفي خضم الصراع بين الليبرالية والشيوعية، حيث سعى الرئيس الأمريكي هاري ترومان إلى استغلال التباينات داخل التيار الاشتراكي الفرنسي، وأقام تحالفًا مع الاشتراكيين المعارضين للشيوعية والنفوذ السوفيتي. وهي الاستراتيجية التي لم تنجح كثيرًا داخل إيطاليا، خاصةً مع تقارب الأحزاب اليسارية من الاتحاد السوفيتي، ومن ثمَّ لجأت الولايات المتحدة إلى سياسة بديلة، متمثلة في إقامة أحزاب منافسة، كالحزب المسيحي الديمقراطي الذي تمكّن من الفوز بانتخابات 1948 بمساعدة أمريكية.
    وبالانتقال إلى حالة الشرق الأوسط، يبدو السياق مشابهًا، فقد لعب الغرب دورًا مؤثرًا في الصراعات الأيديولوجية، وكان لهذا الدور ثلاثة تجليات؛ أولها أثناء الحقبة الاستعمارية، وسعي الدول الغربية حينها إلى تعزيز الانقسامات الأيديولوجية داخل مجتمعات المنطقة. أما التجلي الثاني فقد اتصل بالتدخلات العسكرية المعاصرة في المنطقة، والتي قامت بها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، لتؤدي إلى مزيد من الإشكاليات والصراعات داخل المنطقة. وارتبط آخر التجليات، بطريقة التعاطي مع تيار الإسلام السياسي؛ حيث ظهر اتجاه داخل الغرب خلال السنوات الماضية يضع تصنيفات للإسلاميين، وبناء على هذا التصنيف طُرحت الكثير من السيناريوهات حول إمكانية التحالف مع فصيل من الإسلاميين، وتوظيف هذا التحالف في المواجهة مع فصائل إسلامية أخرى، وهو ما أسهم في تعزيز الاستقطابات الأيديولوجية بالمنطقة.
    ثانيًا- مسارات التسوية: إذ يُشير التاريخ الغربي إلى أن أزمات الشرعية عادةً ما يتم تسويتها عبر ثلاثة مسارات رئيسية، وهي: انتصار أحد الأطراف بشكل حاسم، أو التوصل إلى حالة تعايش بين الأطراف المتنازعة (التسامي فوق الصراع)، أو من خلال تأسيس نظام هجين يجمع بين المذاهب المتناحرة. وبالتعرض إلى حالة الشرق الأوسط، فليس من المرجح تحقق المسار الأول، خاصة وأن الإسلام السياسي ليس كتلة واحدة متجانسة، وبالتالي فمن غير الواقعي الحديث عن انتصار حاسم لتيار الإسلام السياسي في المجمل. 
    ويذكر أوين أن المسار الثاني شهده الغرب بعد سنوات من الصراع بين البروتستانت والكاثوليك في الغرب، إذ توصل أتباع المذهبين إلى قناعة بحتمية التعايش، والتوقف عن التفكير في صيغة المعادلات الصفرية، وهذا الأمر ارتبط أيضًا بالاقتناع المشترك بضرورة الفصل بين الكنيسة والدولة. بيد أن التوصل إلى نتائج مماثلة في الشرق الاوسط سيتطلب من الإسلاميين والكتلة الجماهيرية الداعمة لهم إعادة النظر في مسألة الشريعة، ومساحة تداخلها في المجال العام والقوانين، ونظرًا لصعوبة التراجع عن هذه الفكرة فسيكون من غير المرجح تحقق هذا المسار.
    ويُشكل المسار الثالث أحد النماذج الهامة في التاريخ الغربي؛ حيث أفضت الصراعات الممتدة لعقود إلى التوصل لنظام هجين يمزج بين فرضيات المذاهب المختلفة، وذلك على غرار الصراع بين الملكيين الذين تمسكوا بتوريث الحكم، والجمهوريين الذين تمسكوا بفكرة انتخاب الحكومات. وقد انتهى هذا الصراع عمليًّا مع تبني بريطانيا نظامًا هجينًا، بموجبه حدث اندماج بين الملكية والقيود البرلمانية والحريات الدينية. وهنا يفترض أوين أن نجاح التجربة البريطانية ورعايتها للنظام الهجين، ساهم في نشر النموذج في دول أخرى.
    وعطفًا على ما سبق، يعتقد أوين أن الشرق الأوسط (العالم الإسلامي في المجمل) عايش خلال السنوات الماضية محاولات لتشكيل نظام هجين عُرف بالديمقراطية الإسلامية، والذي عبّر عن رغبة قطاع من الإسلاميين في التوصل إلى صيغة للتعايش بين الإسلام والديمقراطية الغربية. بيد أن هذا النظام تعرض لاهتزازات عنيفة بفعل إخفاق الإسلاميين في مصر، وخروجهم من السلطة، وتعثر تجارب الثورات العربية، فضلا عن الإشكاليات التي اعترضت النموذجين الإيراني والتركي؛ فكلا النموذجين -وفقًا لأوين- كان يُنظر لهما على أنهما النموذجان الأهم للنظام الهجين في المنطقة، ويمكن أن يلعبا الدور الذي قامت به بريطانيا في التاريخ الغربي. فطهران منذ الثورة الإسلامية عام 1979 تتبنى نظامًا جمهوريًّا يشهد انتخابات شبه تنافسية، بالتوازي مع سلطة المرشد الأعلى والملالي. أما تركيا فقد اختلف فيها الوضع مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، والذي مهّد لنظام يمزج بين التقاليد العلمانية التليدة والإسلام السياسي.
    ويُضيف أوين أن الصورة النمطية بخصوص النموذجين تغيرت، وأصابها الكثير من التشوهات، لا سيما مع الشكوك التي أثيرت حول انتخابات 2009 في إيران، وقمع المعارضة، بالإضافة إلى دعم طهران لنظام بشار الأسد في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا. كما أن نموذج حزب العدالة والتنمية في تركيا لم يعد على نفس الدرجة من المثالية كنموذج يُحتذى به، وخاصة مع توجه الحزب وزعيمه أردوغان جزئيًّا نحو نمط استبدادي في الحكم.
    ويخلص أوين إلى أن الإشكالية الأكبر التي يُعاني منها الشرق الأوسط ستظل إشكالية الشرعية، وتحديد مساحات التقاطع بين الديني والدنيوي، والتي على أساسها سيتضح مستقبل الصراع الأيديولوجي بالمنطقة. وبعيدًا عن التدخلات الخارجية فإن حسم هذه القضايا مرتهن بالداخل، والخيارات التي ستلجأ إليها النخب والكتل الجماهيرية بالمنطقة. وهي خيارات لن تكون بعيدة كثيرًا عن المسارات التي مر بها الغرب.

    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: كيف تفسر الخبرة الغربية مع الكنيسة معضلة "الخلافة الإسلامية"؟ Rating: 5 Reviewed By: Unknown
    Scroll to Top