هدى رؤوف
باحث دكتوراة في العلاقات الدوليةالمركز الاقليمي
الدائرية وعدم الحسم وعدم التوافق، أهم سمات مرحلة الاستعداد للاستحقاق التشريعي المقبل في مصر حاليا، على الرغم من الحالة التى شهدتها البلاد في أعقاب ثورة 30 يونيو، والتي حققت توافقًا من جانب القوى والأحزاب والتيارات السياسية الرئيسية ومؤسسات الدولة حول خارطة الطريق المتعلقة بالمسار السياسي في مصر والتى وضعت لاستكمال بناء مؤسسات الدولة من دستور وانتخابات رئاسية وبرلمان منتخب يُتوقع له خصوصية متفردة عن المجالس في الأعوام السابقة.
تنبع خصوصية مجلس النواب المقبل من عدة اعتبارات، على رأسها، دوره المهم من خلال الصلاحيات الممنوحة له في ظل دستور 2014، إضافة إلى التمثيل المميز في دورته الأولى لبعض الفئات ليتيح لها فرصة تمثيل مصالحها، وكذلك اختلاف المزاج العام الشعبي الذي أصبح متوجسًا من كل ما هو منتمٍ للتيار الأصولي. ايضا تم تغيير اسم البرلمان المصري من مجلس الشعب إلى مجلس النواب، وإلغاء الغرفة الثانية من البرلمان المصري وهي مجلس الشورى.
لذا يحاول المقال استعراض أهمية دور البرلمان المقبل، مع الوقوف على مدى قابلية انتهاء الخلاف بين القوى السياسية والحكومة على قوانين الانتخابات، من خلال استعراض أسباب الخلاف، ومسار كل طرف بعيدًا عن الآخر، وموقف تلك القوى من المشاركة في الانتخابات في ظل القانون المعدل حاليًّا.
صلاحيات جديدة للبرلمان وفقًا لدستور 2014:
منح دستور 2014 البرلمان المصري العديد من الصلاحيات التي تجعل من البرلمان لاعبًا أساسيًّا فاعلا في الحياة السياسية المصرية، بل إنه أخذ مزيدًا من صلاحيات الرئيس في الدساتير السابقة ليوسع تلك الممنوحة للبرلمان. ويتولى مجلس النواب -وفقًا لصلاحياته بدستور 2014- سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، كما يُمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.
صلاحيات في تشكيل الحكومة:
- للبرلمان المقبل دور رئيسي في تشكيل الحكومة وفقًا لنص المادة (146).
- كما لا يمكن لرئيس الدولة إعفاء الحكومة، أو إجراء تعديل وزاري دون موافقة البرلمان، وفقًا لنص المادة 147.
- الصلاحيات التشريعية:
أعطى الدستور رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وأعضاء مجلس النواب حق إصدار القوانين، إلا أنه قيّد إصدار القانون بموافقة البرلمان حتى لو اعترض رئيس الجمهورية، وفقًا لنص المادتين 122، 123.
- الرقابة على السلطة التنفيذية:
- أعطى الدستور للمجلس سلطة إقرار الموازنة العامة للدولة وفق المادة (124)، كما قيّد سلطة الموافقة على اقتراض الحكومة أو تمويل مشروع في المادة (127)، ونصت المادة (161) على سلطة البرلمان في سحب الثقة من الرئيس وبعد الاستفتاء. كما جاء حق مجلس النواب في تشكيل لجنة تقصي حقائق في المادة (135).
- أسباب الخلاف بين الحكومة والقوى السياسية:
- القوانين المطعون عليها:
1- قانون تقسيم الدوائر:
بدأت أولى أزمات انتخابات مجلس النواب بتأخر صدور قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، وما إن صدر القانون رقم 202 لسنة 2014 الخاص بتقسيم الدوائر حتى تم تقديم طعون ضده للدفع بعدم دستوريته ومخالفته للدستور، خاصةً المواد 102، 4،53،87 باعتباره يخل بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة من جهتين، الأولى المغايرة في أعداد المقاعد المخصصة لدوائر النظام الفردي، والجهة الثانية أن المشرع حين تولى تقسيم الدوائر لم يراعِ التمثيل العادل للسكان والمحافظات والمتكافئ للناخبين؛ حيث جعل لدوائر ممثلا واحدًا، وأخرى ممثلين وثلاثة.
إلا أن تقرير هيئة المفوضين أشار إلى دستورية تخصيص مقعد أو اثنين أو ثلاثة طالما أنها تراعي التناسب بين عدد الناخبين وعدد المقاعد، فالمشرع واجه اختلاف الكثافات السكانية بين الدوائر المختلفة ومن ثم اختلاف أعداد الناخبين في المراكز والأقسام، وهو ما قد يدفعه إلى تفتيت تلك الكيانات على مستوى القسم والمركز إلى مستوى الشياخة والقرية، أو اللجوء إلى تخصيص مقاعد تتناسب مع تلك الكثافة وهو ما تم فعليًّا.
وفي النهاية انتهى تقرير الهيئة إلى ضرورة فصل بعض الدوائر المضمومة إلى بعضها، وإعادة توزيع بعض الدوائر الأخرى بما يحقق السلم الاجتماعي، مع مراعاة أن تكون نسبة الانحراف المقبول بين دائرة وأخرى لا تتعدى 25%، وهي المعمول بها في الدول الديمقراطية. وبالتالي عدم دستورية الجداول الخاصة بالدوائر المخصصة للانتخاب الفردي، وهو ما حكمت به المحكمة الدستورية العليا لعدم امتثال القانون لقاعدتي التمثيل العادل للسكان، والتمثيل المتكافئ للناخبين، مما ترتب عليه اختلاف الوزن النسبي للناخبين باختلاف الدوائر الانتخابية.
2- المادة 25 من قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية الخاصة بالحد الأقصى لما يُنفقه المترشح في النظام الفردي وفي نظام القائمة. وقد رفضت المحكمة الدستورية العليا قبول الطعن عليه.
3- المواد 4، 6، 10 من قانون مجلس النواب:
المادة "4" المرتبطة بتقسيم الدوائر في النظامين الفردي والقائمة، والمادة "6" مرتبطة بشرط استمرار الصفة الحزبية وتمييز المرأة عن الرجل فيها، وإن كان هدف القانون ضمان استمرار تمثيل المرأة بعد دخولها البرلمان، وتضييق نطاق احتمالات خروجها، وعدم سقوط عضويتها إلا في حال تم تغيير انتمائها الحزبي. والمادة "10" من القانون نفسه. إلا أن المحكمة حكمت برفض الدعوى. لكن يعد الطعن على قانون تقسيم الدوائر الانتخابية هو النقطة الفارقة، حيث ترتب على الحكم بعدم دستوريته الحكم بوقف إجراءات الانتخابات البرلمانية.
مسارات الانتخابات القادمة
ومن تتبع المشهد نجد أن هناك مسارين يتم فيهما التحرك استعدادًا للانتخابات؛ المسار الأول وهو الذي تسير فيه الحكومة ممثلة في لجنة تعديل القوانين الانتخابية، والمسار الثاني الموازي هو الذي تسلكه القوى السياسية الآن متمثلة في لجنة إصلاح البنية التشريعية، ثم مبادرة المشروع الموحد. لكن في الوقت ذاته، هناك أحزاب تزيد من جاهزيتها واستعدادها للانتخابات من خلال استغلال فترة التأجيل في تفعيل التواصل المباشر مع المواطنين، وحشد الدعم لمرشحيها.
أولا- المسار الحكومي: محاولات تعديل القوانين:
انتهت مؤخرًا لجنةُ تعديل القوانين من التعديلات المرتبطة بها، مراعية الأحكام التي ذكرتها المحكمة الدستورية العليا، وقد أرسلت القوانين المعدلة إلى قسم التشريع بمجلس الدولة لمراجعة التعديلات. ومن ذلك نسبة الانحراف المقبول العمل بها في قانون تقسيم الدوائر لتصل إلى 25%، وزيادة عدد المقاعد في النظام الفردي. كما تم تعديل سقف الدعاية الانتخابية.
- استمرار مواضع الاختلاف بين الحكومة والأحزاب:
قامت وزارة العدالة الانتقالية بتوجيه الدعوة للأحزاب من أجل عقد سلسلة لقاءات يمكن من خلالها تجسير الفجوات بين الطرفين، وتقريب وجهات النظر، وتمت اللقاءات برئاسة السيد رئيس الوزراء، وقد لبّت بعض الأحزاب الدعوة. وبعد عقد ثلاثة لقاءات يُمكن القول إنها انتهت بالفشل، حيث لم يتم التوافق بين الحكومة والأحزاب المشاركة، فقد قدمت الأحزاب مقترحات لم يتم التجاوب معها؛ حيث اعتبرت غير دستورية من جانب الحكومة. كما أظهرت أن من الأحزاب من لا يزال يرفض النظام الانتخابي الحالي، وطريقة الانتخاب، فقد قدمت بعض الأحزاب اقتراحًا بتعديل القوائم الانتخابية، وزيادتها إلى 8 قوائم على مستوى الجمهورية، بدلا من 4، وزيادة عدد مقاعد الفردي، وهو ما رفضته الحكومة على اعتبار أن لجنة تعديل القوانين تقدمت بهذا المقترح منذ البداية وقت حكم الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، ولكنه قوبل بالرفض من جانب الأحزاب وقتها.
كما قُدم اقتراح بإقرار نظام 40% فردي 40% قائمة و20% للفئات المنصوص عليها في الدستور بدلا من تخصيص 80% لمقاعد النظام الفردي و20% لنظام القائمة؛ فالأحزاب ترى أن النظام الفردي يكرس هيمنة المستقلين على مقاعد مجلس النواب، ويفتح الباب أمام سيطرة المال السياسي، ولا يدعم الأحزاب السياسية. كما طالب البعض بوضع عقوبات لضبط الإنفاق المالي. أما عن الرقابة السابقة واللاحقة على القوانين فقد طالبت الأحزاب المجتمعة بإقرار الرقابة السابقة على القوانين، كما أعلنت الأحزاب رغبتها في تغيير النظام الانتخابي، ورفض نظام القائمة المغلقة المطلقة، والأخذ بدلا منها بنظام القائمة المفتوحة.
ثانيًا- مسار الأحزاب السياسية:
في الوقت الذي تمضي فيه الحكومة في مسارها بتعديل قوانين الانتخابات، وتراجَع الآن من خلال قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة؛ تتحرك الأحزاب السياسية في اتجاه صياغة قوانين جديدة، خاصةً بعد فشل الحوار بين الطرفين، وتسعى الأحزاب إلى إرسال القوانين للسيد رئيس الجمهورية لإقراره ما يتوصلون إليه من قوانين، وذلك من خلال مبادرات إصلاح البنية التشريعية والمشروع الموحد. في الوقت نفسه، تتحرك أحزاب أخرى نحو تحقيق أقصى استفادة من تأجيل الانتخابات لدعم صلتها بالناخب، وأحزاب أخرى تشهد صراعات داخلية.
1- لجنة إصلاح البنية التشريعية:
لجنة خماسية تتشكل من عدد من الشخصيات العامة والسياسيين، وتعمل اللجنة على صياغة قوانين للانتخابات ولتقسيم الدوائر.
2- مبادرة المشروع الموحد:
ربما تكون تكرارًا للشكل السابق من اجتهادات القوى السياسية، فهي مبادرة نادى بها حزب المحافظين، وتهدف إلى التنسيق بين تصورات الأحزاب المختلفة حول منظومة قوانين الانتخابات المقبلة، وصياغة قانون موحد للانتخابات البرلمانية. ويشارك في تنسيقية المبادرة أحزاب: الوفد، الكرامة، الغد، الحركة الوطنية، المحافظين، التحالف الشعبي الاشتراكي، التجمع.
3- دعم التواجد الحزبي في الشارع:
يُعد حزب "النور" خير مثال لهذا السلوك، فنظرًا لأن الحزب أول الأحزاب التي قدمت مرشحين وقوائم انتخابية قبل غيره ، مما عكس جاهزيته، واستعداده لخوض الانتخابات؛ فقد حاول الحزب الاستفادة من فترة تأجيل الانتخابات في العمل على مسارين هما: دعم كوادره ومرشحيه بتقديم دورات لرفع الوعي السياسي والثقافي، والثاني التواصل مع المواطنين بتقديم خدمات طبية وعقد ندوات للتعريف بالحزب وبرنامجه.
4- صراعات داخل الأحزاب:
يمثل حزب الوفد حاليًّا هذا النمط؛ حيث يدور صراع بين قياداته، وهو ليس بجديد، فقد سبق وحدث صراع بين قياداته زمن الدكتور نعمان جمعة. الصراع الآن يعكس حالة من عدم الثقة، فبينما قام بعض أعضاء الهيئة العليا للحزب بإعلان سحب الثقة من رئيسه الحالي الدكتور سيد البدوي لتحجيم محاولات سيطرته من وجهة نظرهم، حاول هو الآخر التخلص من تلك القيادات بانتخاب هيئة عليا جديدة، الأمر الذي دفع رئيس الجمهورية للتدخل لإنهاء الأزمة.
- الإشكالية المحتملة لقانون تقسيم الدوائر بعد تعديله:
في الوقت الذي تُراجع فيه القوانين المعدلة من قبل مجلس الدولة، طلب المجلس قاعدة بيانات الناخبين حتى شهر مايو، ويثار الجدل حاليًّا حول أن لجنة تعديل القوانين قد عملت على تقسيم الدوائر وفقًا لقاعدة بيانات الناخبين التي أغلقت حتى يناير 2015، بما يعني وجود فروق بين عدد السكان والناخبين من شهر يناير وحتى مايو. ويشير بعض القانونيين من داخل لجنة تعديل القوانين إلى أن العبرة تكون بمراعاة قاعدة بيانات السكان والناخبين وقت إعداد القانون.
جدير بالذكر أنه مع وجود الفروق فسوف يتم بالطبع إدخال تعديلات على قانون تقسيم الدوائر، وهو ما يعني مزيدًا من الوقت في التعديل ثم المراجعة، ومن ثم استمرار مرحلة الدوران في حلقات مفرغة تُطيل من حالة غياب السلطة التشريعية. على الجانب الآخر فإن مبادرة المشروع الموحد تسير جنبًا إلى جنب مع لجنة إصلاح البنية التشريعية، وتحضر بعض الشخصيات والأحزاب في الجانبين، وهو ما يثير إشكالية صعوبة التنسيق والتوصل إلى رأي موحد لتقديمه إلى رئيس الجمهورية.
فهل ستلتفت الحكومة إلى تلك المحاولات في الوقت الذي بذلت فيه جهد لإعادة تعديل القوانين للمرة الثانية وتراجع حاليا في مجلس الدولة؟ فالمؤكد أن تلك القوى، في ظل عدم توحد تصوراتها وصعوبة التنسيق بينها، لن يوجد أمامها سوى المشاركة في الانتخابات في ظل القوانين المقدمة من الحكومة.
لذا يحاول المقال استعراض أهمية دور البرلمان المقبل، مع الوقوف على مدى قابلية انتهاء الخلاف بين القوى السياسية والحكومة على قوانين الانتخابات، من خلال استعراض أسباب الخلاف، ومسار كل طرف بعيدًا عن الآخر، وموقف تلك القوى من المشاركة في الانتخابات في ظل القانون المعدل حاليًّا.
صلاحيات جديدة للبرلمان وفقًا لدستور 2014:
منح دستور 2014 البرلمان المصري العديد من الصلاحيات التي تجعل من البرلمان لاعبًا أساسيًّا فاعلا في الحياة السياسية المصرية، بل إنه أخذ مزيدًا من صلاحيات الرئيس في الدساتير السابقة ليوسع تلك الممنوحة للبرلمان. ويتولى مجلس النواب -وفقًا لصلاحياته بدستور 2014- سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، كما يُمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.
صلاحيات في تشكيل الحكومة:
- للبرلمان المقبل دور رئيسي في تشكيل الحكومة وفقًا لنص المادة (146).
- كما لا يمكن لرئيس الدولة إعفاء الحكومة، أو إجراء تعديل وزاري دون موافقة البرلمان، وفقًا لنص المادة 147.
- الصلاحيات التشريعية:
أعطى الدستور رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وأعضاء مجلس النواب حق إصدار القوانين، إلا أنه قيّد إصدار القانون بموافقة البرلمان حتى لو اعترض رئيس الجمهورية، وفقًا لنص المادتين 122، 123.
- الرقابة على السلطة التنفيذية:
- أعطى الدستور للمجلس سلطة إقرار الموازنة العامة للدولة وفق المادة (124)، كما قيّد سلطة الموافقة على اقتراض الحكومة أو تمويل مشروع في المادة (127)، ونصت المادة (161) على سلطة البرلمان في سحب الثقة من الرئيس وبعد الاستفتاء. كما جاء حق مجلس النواب في تشكيل لجنة تقصي حقائق في المادة (135).
- أسباب الخلاف بين الحكومة والقوى السياسية:
- القوانين المطعون عليها:
1- قانون تقسيم الدوائر:
بدأت أولى أزمات انتخابات مجلس النواب بتأخر صدور قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، وما إن صدر القانون رقم 202 لسنة 2014 الخاص بتقسيم الدوائر حتى تم تقديم طعون ضده للدفع بعدم دستوريته ومخالفته للدستور، خاصةً المواد 102، 4،53،87 باعتباره يخل بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة من جهتين، الأولى المغايرة في أعداد المقاعد المخصصة لدوائر النظام الفردي، والجهة الثانية أن المشرع حين تولى تقسيم الدوائر لم يراعِ التمثيل العادل للسكان والمحافظات والمتكافئ للناخبين؛ حيث جعل لدوائر ممثلا واحدًا، وأخرى ممثلين وثلاثة.
إلا أن تقرير هيئة المفوضين أشار إلى دستورية تخصيص مقعد أو اثنين أو ثلاثة طالما أنها تراعي التناسب بين عدد الناخبين وعدد المقاعد، فالمشرع واجه اختلاف الكثافات السكانية بين الدوائر المختلفة ومن ثم اختلاف أعداد الناخبين في المراكز والأقسام، وهو ما قد يدفعه إلى تفتيت تلك الكيانات على مستوى القسم والمركز إلى مستوى الشياخة والقرية، أو اللجوء إلى تخصيص مقاعد تتناسب مع تلك الكثافة وهو ما تم فعليًّا.
وفي النهاية انتهى تقرير الهيئة إلى ضرورة فصل بعض الدوائر المضمومة إلى بعضها، وإعادة توزيع بعض الدوائر الأخرى بما يحقق السلم الاجتماعي، مع مراعاة أن تكون نسبة الانحراف المقبول بين دائرة وأخرى لا تتعدى 25%، وهي المعمول بها في الدول الديمقراطية. وبالتالي عدم دستورية الجداول الخاصة بالدوائر المخصصة للانتخاب الفردي، وهو ما حكمت به المحكمة الدستورية العليا لعدم امتثال القانون لقاعدتي التمثيل العادل للسكان، والتمثيل المتكافئ للناخبين، مما ترتب عليه اختلاف الوزن النسبي للناخبين باختلاف الدوائر الانتخابية.
2- المادة 25 من قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية الخاصة بالحد الأقصى لما يُنفقه المترشح في النظام الفردي وفي نظام القائمة. وقد رفضت المحكمة الدستورية العليا قبول الطعن عليه.
3- المواد 4، 6، 10 من قانون مجلس النواب:
المادة "4" المرتبطة بتقسيم الدوائر في النظامين الفردي والقائمة، والمادة "6" مرتبطة بشرط استمرار الصفة الحزبية وتمييز المرأة عن الرجل فيها، وإن كان هدف القانون ضمان استمرار تمثيل المرأة بعد دخولها البرلمان، وتضييق نطاق احتمالات خروجها، وعدم سقوط عضويتها إلا في حال تم تغيير انتمائها الحزبي. والمادة "10" من القانون نفسه. إلا أن المحكمة حكمت برفض الدعوى. لكن يعد الطعن على قانون تقسيم الدوائر الانتخابية هو النقطة الفارقة، حيث ترتب على الحكم بعدم دستوريته الحكم بوقف إجراءات الانتخابات البرلمانية.
مسارات الانتخابات القادمة
ومن تتبع المشهد نجد أن هناك مسارين يتم فيهما التحرك استعدادًا للانتخابات؛ المسار الأول وهو الذي تسير فيه الحكومة ممثلة في لجنة تعديل القوانين الانتخابية، والمسار الثاني الموازي هو الذي تسلكه القوى السياسية الآن متمثلة في لجنة إصلاح البنية التشريعية، ثم مبادرة المشروع الموحد. لكن في الوقت ذاته، هناك أحزاب تزيد من جاهزيتها واستعدادها للانتخابات من خلال استغلال فترة التأجيل في تفعيل التواصل المباشر مع المواطنين، وحشد الدعم لمرشحيها.
أولا- المسار الحكومي: محاولات تعديل القوانين:
انتهت مؤخرًا لجنةُ تعديل القوانين من التعديلات المرتبطة بها، مراعية الأحكام التي ذكرتها المحكمة الدستورية العليا، وقد أرسلت القوانين المعدلة إلى قسم التشريع بمجلس الدولة لمراجعة التعديلات. ومن ذلك نسبة الانحراف المقبول العمل بها في قانون تقسيم الدوائر لتصل إلى 25%، وزيادة عدد المقاعد في النظام الفردي. كما تم تعديل سقف الدعاية الانتخابية.
- استمرار مواضع الاختلاف بين الحكومة والأحزاب:
قامت وزارة العدالة الانتقالية بتوجيه الدعوة للأحزاب من أجل عقد سلسلة لقاءات يمكن من خلالها تجسير الفجوات بين الطرفين، وتقريب وجهات النظر، وتمت اللقاءات برئاسة السيد رئيس الوزراء، وقد لبّت بعض الأحزاب الدعوة. وبعد عقد ثلاثة لقاءات يُمكن القول إنها انتهت بالفشل، حيث لم يتم التوافق بين الحكومة والأحزاب المشاركة، فقد قدمت الأحزاب مقترحات لم يتم التجاوب معها؛ حيث اعتبرت غير دستورية من جانب الحكومة. كما أظهرت أن من الأحزاب من لا يزال يرفض النظام الانتخابي الحالي، وطريقة الانتخاب، فقد قدمت بعض الأحزاب اقتراحًا بتعديل القوائم الانتخابية، وزيادتها إلى 8 قوائم على مستوى الجمهورية، بدلا من 4، وزيادة عدد مقاعد الفردي، وهو ما رفضته الحكومة على اعتبار أن لجنة تعديل القوانين تقدمت بهذا المقترح منذ البداية وقت حكم الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، ولكنه قوبل بالرفض من جانب الأحزاب وقتها.
كما قُدم اقتراح بإقرار نظام 40% فردي 40% قائمة و20% للفئات المنصوص عليها في الدستور بدلا من تخصيص 80% لمقاعد النظام الفردي و20% لنظام القائمة؛ فالأحزاب ترى أن النظام الفردي يكرس هيمنة المستقلين على مقاعد مجلس النواب، ويفتح الباب أمام سيطرة المال السياسي، ولا يدعم الأحزاب السياسية. كما طالب البعض بوضع عقوبات لضبط الإنفاق المالي. أما عن الرقابة السابقة واللاحقة على القوانين فقد طالبت الأحزاب المجتمعة بإقرار الرقابة السابقة على القوانين، كما أعلنت الأحزاب رغبتها في تغيير النظام الانتخابي، ورفض نظام القائمة المغلقة المطلقة، والأخذ بدلا منها بنظام القائمة المفتوحة.
ثانيًا- مسار الأحزاب السياسية:
في الوقت الذي تمضي فيه الحكومة في مسارها بتعديل قوانين الانتخابات، وتراجَع الآن من خلال قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة؛ تتحرك الأحزاب السياسية في اتجاه صياغة قوانين جديدة، خاصةً بعد فشل الحوار بين الطرفين، وتسعى الأحزاب إلى إرسال القوانين للسيد رئيس الجمهورية لإقراره ما يتوصلون إليه من قوانين، وذلك من خلال مبادرات إصلاح البنية التشريعية والمشروع الموحد. في الوقت نفسه، تتحرك أحزاب أخرى نحو تحقيق أقصى استفادة من تأجيل الانتخابات لدعم صلتها بالناخب، وأحزاب أخرى تشهد صراعات داخلية.
1- لجنة إصلاح البنية التشريعية:
لجنة خماسية تتشكل من عدد من الشخصيات العامة والسياسيين، وتعمل اللجنة على صياغة قوانين للانتخابات ولتقسيم الدوائر.
2- مبادرة المشروع الموحد:
ربما تكون تكرارًا للشكل السابق من اجتهادات القوى السياسية، فهي مبادرة نادى بها حزب المحافظين، وتهدف إلى التنسيق بين تصورات الأحزاب المختلفة حول منظومة قوانين الانتخابات المقبلة، وصياغة قانون موحد للانتخابات البرلمانية. ويشارك في تنسيقية المبادرة أحزاب: الوفد، الكرامة، الغد، الحركة الوطنية، المحافظين، التحالف الشعبي الاشتراكي، التجمع.
3- دعم التواجد الحزبي في الشارع:
يُعد حزب "النور" خير مثال لهذا السلوك، فنظرًا لأن الحزب أول الأحزاب التي قدمت مرشحين وقوائم انتخابية قبل غيره ، مما عكس جاهزيته، واستعداده لخوض الانتخابات؛ فقد حاول الحزب الاستفادة من فترة تأجيل الانتخابات في العمل على مسارين هما: دعم كوادره ومرشحيه بتقديم دورات لرفع الوعي السياسي والثقافي، والثاني التواصل مع المواطنين بتقديم خدمات طبية وعقد ندوات للتعريف بالحزب وبرنامجه.
4- صراعات داخل الأحزاب:
يمثل حزب الوفد حاليًّا هذا النمط؛ حيث يدور صراع بين قياداته، وهو ليس بجديد، فقد سبق وحدث صراع بين قياداته زمن الدكتور نعمان جمعة. الصراع الآن يعكس حالة من عدم الثقة، فبينما قام بعض أعضاء الهيئة العليا للحزب بإعلان سحب الثقة من رئيسه الحالي الدكتور سيد البدوي لتحجيم محاولات سيطرته من وجهة نظرهم، حاول هو الآخر التخلص من تلك القيادات بانتخاب هيئة عليا جديدة، الأمر الذي دفع رئيس الجمهورية للتدخل لإنهاء الأزمة.
- الإشكالية المحتملة لقانون تقسيم الدوائر بعد تعديله:
في الوقت الذي تُراجع فيه القوانين المعدلة من قبل مجلس الدولة، طلب المجلس قاعدة بيانات الناخبين حتى شهر مايو، ويثار الجدل حاليًّا حول أن لجنة تعديل القوانين قد عملت على تقسيم الدوائر وفقًا لقاعدة بيانات الناخبين التي أغلقت حتى يناير 2015، بما يعني وجود فروق بين عدد السكان والناخبين من شهر يناير وحتى مايو. ويشير بعض القانونيين من داخل لجنة تعديل القوانين إلى أن العبرة تكون بمراعاة قاعدة بيانات السكان والناخبين وقت إعداد القانون.
جدير بالذكر أنه مع وجود الفروق فسوف يتم بالطبع إدخال تعديلات على قانون تقسيم الدوائر، وهو ما يعني مزيدًا من الوقت في التعديل ثم المراجعة، ومن ثم استمرار مرحلة الدوران في حلقات مفرغة تُطيل من حالة غياب السلطة التشريعية. على الجانب الآخر فإن مبادرة المشروع الموحد تسير جنبًا إلى جنب مع لجنة إصلاح البنية التشريعية، وتحضر بعض الشخصيات والأحزاب في الجانبين، وهو ما يثير إشكالية صعوبة التنسيق والتوصل إلى رأي موحد لتقديمه إلى رئيس الجمهورية.
فهل ستلتفت الحكومة إلى تلك المحاولات في الوقت الذي بذلت فيه جهد لإعادة تعديل القوانين للمرة الثانية وتراجع حاليا في مجلس الدولة؟ فالمؤكد أن تلك القوى، في ظل عدم توحد تصوراتها وصعوبة التنسيق بينها، لن يوجد أمامها سوى المشاركة في الانتخابات في ظل القوانين المقدمة من الحكومة.