728x90 شفرة ادسنس

  • اخر الاخبار

    Thursday, May 28, 2015

    معوقات إصلاح المنظومة القضائية فى الدول العربية

    المركز الاقليمي للدراسات

    يبدو أن إصلاح منظومات العدل والقضاء لم تعد مسألة اختيارية بالنسبة لأنظمة الحكم فى المنطقة العربية، لا سيما بعد تصاعد الدعوات المنادية بذلك، حيث يواجه القضاء حزمة من التحديات تجعل مسألة البحث عن سبل لإصلاحه أمرًا لا غنى عنه، يأتي فى مقدمتها؛ الخطر المتنامي لتسييس القضاء منذ انطلاق الثورات العربية، واتساع نطاق غياب ثقة قطاع من المواطنين فى القضاء، فضلا عن غياب مفهوم الاستقلالية الذي يعد جوهر منظومة العدالة. وقد دفع ذلك بعض الدول العربية إلى السعي نحو إصلاح منظومتها القضائية منها تونس، والمغرب، والأردن، وموريتانيا، والسودان. لكن تظل هناك حزمة من الكوابح تحول دون إتمام عملية الإصلاح المنشودة، والتي قد تمثل بداية لاستكمال مسار الإصلاح المؤسساتي لبقية الأجهزة الأخرى.
    جهود متعددة:
    انتشرت المشاريع الإصلاحية فى مختلف الدول العربية بنسب متفاوتة عن بعضها البعض من حيث الجدية، والسرعة فى الاستجابة لتلك المطالب الإصلاحية، ويأتي فى مقدمتها تونس، حيث صادق مجلس النواب فى جلسته العامة، فى 15 مايو 2015، على مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء، بعد أن وافق عليه 131 نائبًا، وعارضه 14 فيما امتنع 8 أعضاء عن التصويت، وهو بذلك يصبح أول وثيقة دستورية يصادق عليها البرلمان.
    كما صارت الأردن على النهج الإصلاحي للمنظومة التشريعية المتعلقة بالسلطة القضائية، فقد صدر قانون استقلال القضاء الأردني، فى 6 نوفمبر 2014، والذي أكد بشكل واضح وقاطع على الاستقلال التام للقضاء بنصه على أن "القضاة مستقلون لا سلطان عليهم فى قضاءهم"، و"أن يحظر على أى سلطة المساس باستقلالهم أو التدخل فى شئونهم"، وذلك فضلا عن تشكيل المجلس القضائي المعنى بتسيير شئون القضاء فى البلاد.
    وقد بدأت المغرب في الاتجاه نحو إصلاح منظومة العدالة لكن بوتيرة أقل، فمنذ مايو عام 2012 دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى إطلاق الحوار الوطني لإصلاح القضاء عبر تشكيل هيئة مكونة من 40 شخصية من جميع عناصر المنظومة القضائية للإشراف عليه، وذلك بهدف بلورة ميثاق واضح لإصلاح منظومة العدالة، وهو الميثاق الذي صدر بالفعل فى سبتمبر 2013 وتضمن 6 أهداف إستراتيجية كبرى و36 هدفًا فرعيًا و200 آلية تنفيذ. 
    واستمرارًا للنهج ذاته، قدم مصطفى الرميد وزير العدل والحريات مشروع قانون جديدًا يهدف إلى تنظيم القضاء فى المملكة فى أواخر نوفمبر 2014، حيث تضمن نظامًا جديدًا لتطوير المحاكم وتقسيمها إلى عدة أقسام متخصصة فى القضاء الإداري، وأخرى فى القضاء التجاري، فضلا عن استحداث الغرفة العقارية، وبعض المصالح الفنية، علاوة على اهتمام المشروع بالتفتيش القضائي، الذي تمارسه المفتشية العامة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والتفتيش الإداري والمالي للمحاكم، الذي تمارسه المفتشية العامة للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل.
    وتسعي موريتانيا أيضًا إلى إجراء تعديلات جوهرية بهدف رفع كفاءة منظومة العدالة بها، مما دفع وزارة العدل الموريتانية، فى أواخر ديسمبر 2014، إلى طرح مسودة أولية لمشروع قانون نظامي يحل محل القانون المطبق حاليًا بشأن النظام الأساسي للقضاء فى البلاد، حيث أكدت المسودة على الاستقلالية التامة للقضاء وعدم خضوع القضاة سوي للمجلس الأعلى للقضاء.
    وفى خطوة رمزية إلى حد بعيد، بدأت السودان فى المضي قدمًا نحو إصلاح طفيف فى النظام القضائي، وهو ما انعكس في تأسيس المعهد القضائي السوداني بموجب قرار جمهوري صدر عن الرئيس عمر البشير في أول يناير 2015، حيث يضطلع المعهد بمهمة إعداد وتأهيل وتدريب المساعدين القضائيين ورجال السلطة القضائية.
    معوقات إصلاحية:
    لكن هذه الجهود لا تزال ضعيفة وغير مؤثرة، ويرجع ذلك لحزمة من الكوابح بعضها يرتبط بالمنظومة القضائية ذاتها، وبعضها يتعلق بالسياق والمناخ العام فى تلك الدول، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
    1- غياب الإرادة السياسية للإصلاح الفعلي، فعلى الرغم من إعلان بعض دول المنطقة عن رغبتها فى إصلاح ورفع كفاءة منظومتها القضائية، إلا أن عملية التنفيذ تظل بطيئة بشكل ملحوظ. ففي المغرب، على سبيل المثال، تدخل عملية الإصلاح عامها الرابع دون إقرار قانون متكامل بصفة نهائية، وهو ما يتكرر في حالة موريتانيا أيضًا، حيث لم يتجاوز فيها الإصلاح سوي مقترح حكومي.
    2- انسحاب بعض الأطراف الهامة من حوارات الإصلاح، بشكل يساهم في تقليص مصداقية العملية الإصلاحية برمتها، وهو ما حدث عقب إعلان نادي قضاة المغرب- وهو الهيئة التمثيلية الرئيسية للقضاة- انسحابه من الحوار الوطني لإصلاح العدالة، بدعوى أن هذا الحوار ليس له أي جدوى طالما غابت الإرادة السياسية لتطبيق بنوده، حيث استند القضاة إلى أن وعود تحسين أوضاعهم المالية التي تضمنها ميثاق إصلاح العدالة لم تترجم إلى إجراء قانوني عبر إصدار مرسوم لتحديد التعويضات والمنافع المتوقع منحها لهم.
    3- الصراعات الداخلية بين أطراف المعادلة القضائية، إذ إن إصلاح منظومة القضاء يتطلب بوضوح شكلا من أشكال التوافق بين أعضاء المنظومة القضائية على رؤية موحدة بهدف عرضها على السلطتين التشريعية والتنفيذية لأخذها فى الاعتبار عند إصدار تشريعات وإجراءات الإصلاح، وهو ما لا يتوافر بشكل ملحوظ في كثير من الحالات.
    4- معارضة القضاء لقوانين الإصلاح الجديدة، وقد بدا ذلك جليًا في الرفض الذي أبدته الجمعية التونسية للقضاة لقانون المجلس الأعلى للقضاء باعتباره غير دستوري، وأيضاً لكونه يفرغ المجلس من أبزر صلاحياته الهامة ويسندها للسلطة التنفيذية ممثلة فى وزير العدل، وهو ما دفع القضاة للدخول فى إضراب عن العمل دام لمدة 5 أيام احتجاجًا على القانون الذي يكبل فكرة استقلال القضاء.
    5- استبعاد القضاة من عمليات الإصلاح، وهو ما يحدث في دول عديدة، ففي موريتانيا تنفرد الحكومة بإصلاح قوانين القضاء، مما دفع جمعية قضاة موريتانيا، فى منتصف يوليو 2014، إلى المطالبة بإشراكها فى عملية الإصلاح القضائي الجارية، وقد تكرر ذلك أيضًا فى حالة تونس، وهو ما دفع القضاة، خاصة الجمعية التونسية للقضاة، إلى الدخول فى إضراب عن العمل.
    وإجمالا، يمكن القول إن تطوير منظومة العدالة والقضاء مرهون بقدرة دول المنطقة على إجراء عملية إصلاح شاملة لكافة أجهزة الدولة التي كشفت الثورات العربية عن ترهلها وفشلها فى مواكبة التغيرات. لكن تظل مسألة الإرادة السياسية للإصلاح هي العامل الأهم فى نجاح أو فشل تلك العملية.
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: معوقات إصلاح المنظومة القضائية فى الدول العربية Rating: 5 Reviewed By: Unknown
    Scroll to Top