المأساة الإنسانية للرئيس المعزول محمد مرسي تستحق التأمل.. مأساة إغريقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. بلدياتي من الشرقية، مركز ههيا، أبوه فلاح وهو بقى الأملة.. اتعين معيد واتجوز وخلف خمس عيال، ودرس بره وادى العيال جوازات سفر أمريكاني وكل حياته من بعد التخرج بقت ملك الأخوان.. همه اللي عملوا له كل حاجة، وعملوا منه سياسي، وبرلماني، وجوايز ولجان وحبشتكانات .. ولإنه فلاح أصيل كان بيسمع الكلام، ويصدر قفاه للكبير، والكبير هو المرشد، واللي يقول عليه المرشد قرآن ما يتردش ولا يرجع ولا حد يبم معاه مطلقاً بتاتاً أبداً.. علشان كده، لما المرشد لقى إن الشاطر بخ.. راح جايبه استبن، ونفخه وعمل منه رئيس جمهورية، وهو كان آخره دكتور غلبان في الجامعة، وممكن يقول خطبتين تلاتة في الجمعة مثلاً من واقع قراءاته الدينية ونشاطه البرلماني. المدهش بقى إنه لما دخل القصر، واتمرمغ في السلطة والهالوماه وعربيات رايحة وعربيات جاية، وحرس، وطيارات، وأول رئيس مدني منتخب، وحواليه إشي فيرمونت، وإشي برادعي، وإشي حمدين، وهيصة.. كان في لحظة ممكن يبقى زعيم قومي لو كان استندل حبتين، وراح بعد ما شال طنطاوي وعبد المجيد محمود مثلاً مقنطر الأخوان، وموقف المرشد على الشاطر عند حدهم، ومرمي (ولو صورياً) في حضن القوى المدنية (البرادعي/حمدين/البدوي) أي هبل في الجبل، لو كان عمل حركتين أونطا، وقال إنه رئيس كل المصريين، وراح للبطريرك مثلاً، أي كلام.. كان ممكن ساعتها يبقى زعيم أسطوري، والناس كانت مستعدة، وعندها شبق سياسي إنها تتعامل مع أول رئيس مدني.. إنما من حسن حظنا، ومن حسن حظ البلد إن البعيد ما كانش بيخطي خطوة من غير ما يجي له الظرف وفيه التعليمات، حتى السلطة بالنسبة له بكل إغراءاتها ما كانتش بتعني أي شئ، كل حاجة جاية من الأخوان، يبقى كل حاجة ترجع للأخوان، بطل إغريقي صنديد عنده مبادئ وإنتماء للجماعة السرية حتى ولو على رقبته، وحتى ولو على مصالح البلد.. “طز في مصر”! وطنه هو الأخوان، ودينه هو الأخوان وعقيدته هي الأخوان وحياته هي الأخوان.. ولا تفرق معاه أمريكا، ولا أوروبا، ولا روسيا.. كله عنده مالوش معنى. علشان كده لما لبس البدلة البيضا وبعدين الزرقا ودلوقتي الحمرا.. بقت لايقة عليه أكتر من البدل بتاعة الرياسة الغالية.. لإنه طول حياته مسجون، الأخوان سجنوه .. سجنوا عقله، زي ما سجنوا عقل ملايين الناس في فكرة الخلايا السرية، والأسر، والإدارات.. نفس فكرة الخلايا الشيوعية في مطلع القرن العشرين بالمناسبة السعيدة، الفرق بس إن الشيوعيين كانوا بيعرفوا يقروا، وبيشجعوا القراية.. الأخوان لا بيعرفوا يقروا، ومايحبوش إن أي حد يقرا بره أدبيات الأخوان، وتعليمات مكتب الإرشاد.. محمد مرسي من القصر للسجن، ومن البذخ للبهدلة قصة مسجون سجن نفسه بنفسه، ورفض حتى مع وجود كافة الإغراءات إنه يتخلى عن قضبان سجنه، لإنها بقت جزء من كيانه.. متلازمة ستوكهولم بامتياز.. ومازوخية بتنتهي نهاية مأساوية تصل لحد “الإعدام” حتى ولو على المستوى النظري حتى اللحظة..