برنامج الحركات الإسلامية
المركز الاقليمي
تمر العلاقات بين تركيا وتنظيم "داعش" بمنعطف حرج وحاسم عقب الحادث الإرهابي الذي شهدته مدينة "سروج" التركية الواقعة على الحدود السورية، والذي أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 28 شخصًا، وإصابة نحو 100 آخرين، والذي وُجهت فيه أصابع الاتهام نحو تنظيم (داعش)، وهو ما دفع تركيا لتوجيه عدد من الضربات العسكرية ضد تنظيم داعش، وإعلان انضمامها للتحالف الدولي للحرب ضد التنظيم.
وقد أُثيرت العديد من التساؤلات حول تداعيات هذا التحول في موقف تركيا، والتي لم تكن في وقت سابق هدفًا لهجمات داعش الإرهابية على خلاف باقي دول المنطقة، فبعد الموقف الحيادي -وأحيانًا الداعم- الذي كانت تتبناه تركيا حيال تنظيم داعش، وهو ما أدى إلى رفضها الانضمام للتحالف الدولي ضد التنظيم، وصمتها حيال كل ما ارتكبه داعش من جرائم، خاصة بعد تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه وبعد اجتماع مع الحكومة اتخذت قرارات عدة وتدابير لازمة من أجل الحفاظ على الجمهورية التركية أرضًا وشعبًا، حيث اعتبرت تركيا (داعش) تنظيمًا إرهابيًّا يُهدد تركيا والمنطقة، ومن الضروري اتخاذ إجراءات لردعه، ووقف تقدمه. ومن جهة أخرى، أشار أردوغان إلى سماح تركيا للولايات المتحدة باستخدام قاعدة "إنجرليك" العسكرية الجوية لضرب تنظيم "الدولة الإسلامية".
العلاقة بين تركيا وتنظيم داعش:
أثارت العلاقة بين تركيا وتنظيم داعش العديدَ من علامات الاستفهام، ففي ظل الحديث الدائر عن دعم تقدمه تركيا للتنظيمات الجهادية المتطرفة بداخل سوريا، وخاصة تنظيم داعش، لخدمة مصالحها، وتحجيم نفوذ الأكراد في داخل سوريا؛ تُصرح تركيا رسميًّا بكذب هذه الادعاءات، حيث انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما أسماه "حملات التشويه الموجهة ضد تركيا"، كما أعلن شجب "الهجوم المُنظّم الذي يستهدف سمعة تركيا العالمية"، وصرح قائلا بأن "تركيا أصبحت مادة لوسائل إعلام غير مهنية وظالمة"، وأضاف: "طلبي من أصدقائنا في الولايات المتحدة الأمريكية أن يكونوا مستندين على معلوماتهم من مصادر موثوقة عند القيام بتقييم تركيا"، ولكن الإنكار التركي قوبل بحملات إعلامية استعرضت الكثير من الدلائل على الدعم التركي لتنظيم داعش، والذي تتمثل أهم جوانبه في:
- الرعاية الطبية لمقاتلي داعش: حيث عرضت صحيفةُ "واشنطن بوست" تقريرًا صحفيًّا حول العناية الطبية التي تُقدمها تركيا لمقاتلي تنظيم داعش بمستشفياتها، والتي تضمنت تصريحًا لقيادي في التنظيم قائلا: "كان لدينا مقاتلون وبأعداد مرتفعة تلقوا العلاج في المشافي التركية"، حيث صرح وزير الصحة التركي قائلا بما معناه: "معالجة ورعاية جرحى تنظيم داعش هو واجب إنساني علينا".
- تجنيد وتدريب المقاتلين: نشرت شبكة (CNNTurk) الإخبارية تقريرًا صحفيًّا في شهر يوليو 2014 يتحدث عن منطقتين في قلب إسطنبول هما (دوزجة - أدابازاري) تحولتا إلى نقاط تجمع للإرهابيين. ويضيف التقرير أن هنالك ترتيبات شديدة الدقة داخل أمكنة تدريب مقاتلي "داعش"، وقد نشرت بعض هذه التدريبات في مقاطع فيديو على موقع (takvahaber.net) الخاص بالتنظيم، بينما سجل الأتراك الذين انضموا واندمجوا في تنظيم "داعش" اجتماعًا جرى في منطقة عامة بإسطنبول بتاريخ 28 يوليو يظهر أعضاء من التنظيم وهم يصلون مجتمعين في منطقة (أومرلي) بإسطنبول. وردًّا على الفيديو، قام نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري (CHP) تانري كولو، باستجواب برلماني ضد وزير الداخلية التركي حول حقيقة ما تقدمه الحكومة التركية من دعم للتنظيمات الإرهابية.
- شراء النفط: فقد نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" في شهر سبتمبر من عام 2014 تقريرًا حول سعي إدارة الرئيس باراك أوباما للضغط على تركيا، من أجل اتخاذ إجراءات صارمة ضد شبكات بيع النفط المنتشرة والمرتبطة بتنظيم "داعش"، وقد تداولت العديد من الصحف الحديث حول أنابيب النفط غير القانونية التي تنقل النفط من سوريا إلى تركيا، وقد صرح أحد مسئولي ملفات "تمويل المجموعات الإرهابية" في وزارة العدل الأمريكية ديفيد كوهين بأن "هناك أفرادًا أتراكًا يلعبون دور الوسيط بين الحكومة وتنظيم داعش، للمساعدة في تصريف النفط عبر تركيا".
- تسهيل مرور المقاتلين والأسلحة: فقد صرح قيادي في تنظيم "داعش" لصحيفة "واشنطن بوست" خلال شهر أغسطس الماضي قائلا: "معظم المقاتلين الذين انضموا إلينا في البداية قدموا عن طريق تركيا، كذلك الأمر بالنسبة للأسلحة والمعدات وكل ما يلزم"، بينما قال كمال كيليجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري (CHP)، إن تركيا زوّدت المجموعات الإرهابية بالسلاح، وأضاف أنه يملك نسخة لمقابلة مصورة مع سائق شاحنة أوصل السلاح لتلك المجموعات، وفي الوقت الذي أكدت فيه الحكومة التركية أن الشاحنة كانت لإيصال المساعدات الإنسانية للتركمان، فقد صرح التركمان بأنه لم تصل لهم أي مساعدات إنسانية.
لماذا قدمت تركيا الدعم لتنظيم داعش؟:
أشارت تحليلات الخبراء لموقف تركيا من تنظيم داعش والذي كان يتراوح بين غض الطرف والدعم، إلى عدد من العوامل، والتي شملت:
1- "عدو عدوي صديقي"، وهو القول المأثور الذي كثيرًا ما تتم الاستعانة به لوصف العلاقة بين تركيا وتنظيم داعش، ففي ظل عداوة تركيا لنظام الأسد، يبدو تنظيم داعش بمثابة أداة في يد تركيا لتحقيق أهدافها داخل الأراضي السورية، فقد سعت تركيا ومنذ بدء الأزمة السورية إلى استخدام الجماعات الإرهابية -ومنها تنظيم داعش- كأداة لإسقاط النظام السوري، وعليه جعلت من أراضيها مأوى وممرًّا لها. كما تورطت الاستخبارات التركية في دعمها من خلال التغاضي عن قدوم المقاتلين من مختلف مناطق العالم للدخول إلى سوريا عبر الأراضي التركية، وما ترتب على ذلك من إيصال شحنات أسلحة لها.
2- تحجيم أكراد سوريا، بعد النجاحات التى حققوها في سبيلهم نحو الحكم الذاتي؛ حيث تعيش تركيا ما يمكن وصفه بـ"فوبيا" القضية الكردية في الداخل والخارج، خاصةً مع وجود إقليم كردي في شمال شرق سوريا يُديره حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي القريب من حزب العمال الكردستاني؛ إذ كشفت معارك رأس العين وتل أبيض بين المقاتلين الأكراد وتنظيمي داعش وجبهة النصرة عن تورط تركي مباشر في هذه المعارك؛ حيث قَدِمَت العديد من المجموعات المسلحة من داخل الأراضي التركية وسط قصف مدفعي تركي للقوات الكردية التي أسرت أشخاصًا كانوا يحملون الجنسية، ويحاربون في صفوف النصرة وداعش.
3- حماية الرعايا الأتراك في مناطق نفوذ داعش، فقد شهد شهر سبتمبر من عام 2014 إطلاق سراح 46 رهينة تركية بعد أكثر من مائة يوم من احتجازهم في قبضة تنظيم داعش بعدما قام باختطافهم من القنصلية التركية عندما استولى على الموصل، وعلى الرغم من فرض تركيا حالة من التعتيم حول أسباب نجاح العملية، فإن العديد من التكهنات أطلقت في ذلك الوقت، والتي كان من أهمها أن عملية إطلاق سراح الرهائن جاءت وفقًا لما أطلق عليه "صفقة بين التنظيم والرئيس التركي رجب طيب أردوغان تُقايض إطلاق الرهائن بعدم انضمام أنقرة إلى تحالف دولي يريد القضاء على الدولة الإسلامية في العراق وسوريا".
أسباب التصعيد التركي:
يُمكن إجمال أهم الأسباب التي دفعت تركيا لاتخاذ رد فعل حاسم تجاه تنظيم داعش بعد فترة من الصمت في عددٍ من الأسباب التالية:
1- حماية الأمن القومي التركي: حيث لم يكن تنظيم داعش يمثل خطرًا أو تهديدًا لتركيا في السابق، خاصة وأن العمليات الإرهابية للتنظيم لم تمتد إلى داخل تركيا. وقد تحول موقف تركيا بعد قيام تنظيم داعش بعدد من العمليات الإرهابية ضد تركيا، والتي أنذرت بتهديد محتمل للتنظيم بتصعيد عملياته داخل تركيا.
2- الضغوط الداخلية ضد وجود حكومة ائتلافية، وذلك من خلال إجراء انتخابات برلمانية مبكرة تدفع الناخبين الأتراك في ظل الأزمات الأمنية والتهديدات الخارجية التي تمر بها تركيا إلى التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية حتى يتمكن من تشكيل حكومة أغلبية قادرة على المحافظة على أمن وسلامة الدولة التركية؛ حيث ستؤدي الضربات الموجهة لداعش إلى نجاح رغبة أردوغان في بيان أن البلاد في حالة حرب، وتحتاج إلى قيادة قوية، لا حكومة ائتلافية.
3- وجود اتفاق أمريكي-تركي، يقضي بمشاركة أنقرة في التحالف الدولي ضد داعش في مقابل دعمها فيما تبذله من جهود لمنع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الموالي لحزب العمال الكردستاني المصنف كمنظمة إرهابية في تركيا من إقامة منطقة حكم ذاتي بشمال سوريا بموازاة الحدود التركية، خاصة بعد نجاح جهود الحزب في إنشاء "روجافا" التي تمثل مشروع حكم ذاتي كردي يضم مدينة عفرين في شمال غرب سوريا ومدينة كوباني في شمال وسط سوريا والجزيرة في شمال شرق سوريا، وسعيه لربط المناطق الثلاث ببعضها بعضًا.
تداعيات التصعيد التركي ضد تنظيم داعش:
قد يتسبب التصعيد التركي ضد تنظيم داعش في عدد من التداعيات التي يمكن وصفها في المجمل بأنها "تداعيات سلبية"، والتي تشمل:
1- تصاعد وتيرة العنف الداخلي في تركيا: خاصة في ظل تصعيد تنظيم داعش لهجماته ضد تركيا، وشن عدد من الضربات الإرهابية الانتقامية، في ظل سهولة وصول أعضاء التنظيم للداخل، ووجود العديد من عناصره داخل تركيا، والذي سوف يتزامن مع تصعيد تركي ضد العناصر المنتمية والمؤيدة للتنظيم بداخل تركيا، فمن المتوقع أن تشن أجهزة الأمن التركية حملة من الاعتقالات الموسعة ضد عناصر التنظيم في الداخل، ومن المتوقع أن تتصاعد حدة الصراع بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، وهو ما يمكن أن يلقي بتركيا في مأزق من العنف الداخلي يصعب السيطرة عليه.
2- أزمة اقتصادية لداعش، من خلال توقف التنظيم عن بيع النفط لتركيا، والتي وصفتها وسائل الإعلام بأنها "الرئة الاقتصادية" لتنظيم داعش، وهو ما سيؤثر بالضرورة سلبًا على التنظيم الذي يعتمد على النفط بوصفه أحد مصدر التمويل الرئيسية التي جعلته واحدًا من أغنى المنظمات المتطرفة في العالم، حيث نشرت "التليجراف" البريطانية خبرًا يفيد بقيام تنظيم داعش بتهريب براميل النفط الخام من حقول النفط المسيطرة عليها في مدينة الموصل إلى تركيا وإيران، لتجني من ذلك مليون دولار يوميًّا.
3- صعوبة انتقال المقاتلين الأجانب إلى داعش، ففي تصريح سابق للرئيس باراك أوباما أفاد بأن قوة داعش ستتراجع في حال تعاونت تركيا بشكل أكبر في مراقبة حدودها المشتركة مع جارتها الجنوبية، ونوه أوباما إلى أن آلاف المقاتلين الأجانب يتسللون إلى سوريا عبر تركيا، قبل الانتقال إلى العراق، فبعد فترة من اتباع تركيا سياسة غض الطرف تجاه تدفق المقاتلين الأجانب عبر حدودها للانضمام لتنظيم داعش أعلن الرئيسان الأمريكي باراك أوباما والتركي رجب طيب أردوغان اتفاقهما يوم الأربعاء (22 يوليو) على العمل معًا لوقف تدفق المقاتلين الأجانب، وتأمين حدود تركيا مع سوريا، بحسب بيان للبيت الأبيض.
وفي النهاية، وعلى الرغم من أن انضمام تركيا للتحالف الدولي وشنه الحرب على تنظيم داعش والذى سيؤدي بشكل كبير إلى حرمان التنظيم من الإمكانات والامتيازات التي كان يتمتع بها بسبب سياسة غض الطرف التي كانت تتبعها تركيا - فإنها ستؤدي على الجانب الآخر إلى دخول تركيا في دائرة من العنف، مما قد يكلفها ثمنًا باهظًا على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.