728x90 شفرة ادسنس

  • اخر الاخبار

    Sunday, August 16, 2015

    إرهابيون على الطاولة: هل ينبغي أن تتحاور الحكومات مع "داعش"؟

    زكاري لاوب
    كاتب ومحرر بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي


    يُجادل جوناثان باول، الذي شغل منصب كبير مفاوضي الحكومة البريطانية في عملية السلام المعنية بأيرلندا الشمالية، بأنّ رفض الحكومات التفكير في إمكانية إجراء حوار مع الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم "القاعدة" وتنظيم "الدولة الإسلامية"، يتنافى مع التاريخ، ويتسبب في وفياتٍ بلا داعٍ.
    في كتابه المعنون بـ"إرهابيون على الطاولة: لماذا التفاوض هو السبيل الوحيد للسلام Terrorists at the Table: Why Negotiating is the Only Way to Peace" يتحدث باول، المؤسس والرئيس التنفيذي لمنظمة "إنتر ميدييت" غير الحكومية التي تيسّر المفاوضات، عن أن الحكومات لا يُمكنها أن تحل الصراعات مع الجماعات المسلحة التي ترقى إلى مصاف الفاعلين من غير الدول إلا من خلال التفاوض، لكن الحكومات غالبًا ما تكون معارضة في البداية إلا أنها تقبل بالتفاوض في مرحلة متأخرة بعد أن كانت رافضة له. ويُضيف أنه ما أن يبدأ التفاوض "فمن اللافت للنظر كيف يحدث تحول سريع من كون الصراع "غير قابل للحل" إلى وصف حله بأنه "حتمي" ولا بد منه".
    وإلى نص الحوار:
    تستهل كتابك "إرهابيون على الطاولة" بتأييد الحوار مع تنظيم "الدولة الإسلامية"، مجادلا بقولك إنه "من المستبعد أن ندمرهم بالقصف وحده"، لكن معظم الحالات التي تمحصها في مؤلفك تشتمل على طموحات على المستوى الوطني أو دون الوطني، وبالتالي فإن التسويات التي من قبيل تقاسم السلطة أو تفويض السلطة شيء مقبول منطقيًّا، في حين ينظر كثيرون إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" على أنه تسبب في دمار فريد من نوعه. فلماذا يتعين على واضعي السياسات أن ينظروا إلى تصرفات "الدولة الإسلامية" على أنها لم تتجاوز ما هو مقبول؟
    لقد شهدنا أربع موجات من الإرهاب: الأناركية، والقومية، واليسارية الجديدة، والآن الإسلامية. وكل مرة نصادف جماعة إرهابية جديدة، نجادل بأنها مختلفة تمامًا، وأن المرة السابقة لا يمكن أن نتعلم منها شيئًا. بالطبع هذه الجماعات مختلفة، لكن على ما يبدو هناك بعض الدروس بشأن كيفية التعامل معها تنطبق على الحالات كافة. فلو أن الجيش الجمهوري الأيرلندي ومنظمة التحرير الفلسطينية لم يكونا يتجاوزان ما هو مقبول، فلماذا تتجاوز الدولة الإسلامية ما هو مقبول؟.
    أولى الحُجج المطروحة تأييدًا لهذا الرأي هي أنها جماعات دينية، لكننا صنعنا سلامًا مع جبهة تحرير مورو الإسلامية في الفلبين، وحركة أتشيه الحرة في إندونيسيا، وكلتاهما كانتا حركتَيْن إسلاميتَيْن بشكل صريح. الحجة الثانية هي أن هذه الجماعات غير عقلانية أو عدمية؛ أي أنها تمارس العنف لأجل العنف وحده. وهذا لا يصدق على حالة تنظيم "الدولة الإسلامية"؛ إذ يستخدم العنف لإخافة أعدائه حتى يفروا من أمامه، وبالتالي يُمكنه شن هجماته بعدد أقل من المقاتلين. وهو يستخدم هذا العنف تحديدًا مع الغرب؛ لأنه تعلم أن قتل عامل إغاثة واحد أو صحفي واحد بطريقة مروعة سيكون له تأثير هائل. الحجة الثالثة هي أنه لا يحترم حدودًا وطنية، لكنه في الواقع يحترم هذه الحدود؛ حيث أقامت خلافة ذات حدود محددة، ربما لا تكون هذه الحدود حدودنا، لكنها حدود.
    أعلن الرئيس "أوباما" عن إجراء إصلاحات في السياسة الأمريكية بشأن التعامل مع قضايا الرهائن، حيث ستُبقي الولايات المتحدة على العمل بسياستها القاضية بـ"عدم تقديم تنازلات" لكنها ستيسر التنسيق بين الوكالات الفيدرالية وأسر الرهائن الأمريكيين، فما تفسيرك لهذا الإعلان؟.
    لا يُحدث إعلان الرئيس تغييرًا فيما يخص الفدية، فالأسر مسموح لها بدفع فدى، ولم يتعرض أحد للمقاضاة نظير الإقدام على هذا الفعل، لكن الدولة لن تدفع. أما التغيير الذي حدث فهو أن صرّح الرئيس للمسئولين الفيدراليين بالتفاوض مع الجماعات الإرهابية، وقد تفاوض رؤساء أمريكيون سابقون من ضمنهم "رونالد ريجان" و"جورج بوش" الأب مع إرهابيين، وبالتالي فهذه ليست بالشيء الجديد بالكلية.
    الشيء الذي أراه غريبًا هو التفرقة، فنحن نوافق على التفاوض مع الإرهابيين بشأن الرهائن، لكننا نرفض التحدث معهم بشأن أي شيء آخر، في حين أن بإمكاننا أن ننقذ مئات بل آلاف الأنفس إذا تحدثنا معهم بشأن الأمور السياسية بوجه أعم. فمن أين يأتي التفريق الأخلاقي بين التحدث مع تنظيم "الدولة الإسلامية" بشأن رهينة والتحدث معها بشأن إنهاء الصراع بالكلية؟.
    أحد الاعتراضات هو أن الولايات المتحدة استثمرت الكثير من حيث الأرواح والمال في العراق، ويمكن أن يُنظر إلى التفاوض مع تنظيم "الدولة الإسلامية" كاعتراف بدولته النواة، وبتمزيق أوصال العراق.
    من المغالطة أن نقول إن الاعتراف بهذه الجماعات بالدخول في محادثات معها يمثل قضية كبرى، فالجماعات المسلحة تسعى باستماتة إلى نيل الاعتراف بها، وهي تسعى إلى "الشرعنة" أكثر من أي شيء آخر، وتسعى إلى القدرة على أن تروي قصتها، لكن "الشرعنة" ظاهرة مؤقتة. ففي كولومبيا، دخلت جماعة "فارك" (القوات المسلحة الثورية الكولومبية) في محادثات مع الرئيس أندرياس باسترانا في عام 1999، فحصلت الجماعة على الشرعية، وجلس ممثلوها على الطاولة معه أمام الكاميرات، لكنهم تصرفوا بأسلوب سخيف، وأوضحوا بما لا يدع مجالا للشك أنهم غير جادين في عملية السلام، بما أفقدهم الشرعية التي حصلوا عليها، وعندما انسحبت من المحادثات، نُبذت بأنها "إرهابية" مرتبطة بتجارة المخدرات.
    ما نوع القضايا التي يمكن أن تتوقع أنا تُطرح على الطاولة؟
    أنا أفرّق في الكتاب بين المحادثات والمفاوضات، فالناس يقولون: "إذا تحدثت مع "الدولة الإسلامية" فأنت ستوافق على الخلافة". بالطبع هذا غير صحيح. لا أظن أن لديهم أي رغبة في المفاوضات الآن، لكن إذا حدث ووصلنا إلى طاولة المفاوضات، فهناك قضية واحدة خطيرة وهي تنفير السكان السُنّة العراقيين والسوريين على أيدي حكومتَيْن طائفيتَيْن في دمشق وبغداد. وما لم يتم تجسير هذه الفجوة، فإن المشكلة ستتفاقم.
    ما أنت بحاجة إلى فعله هو فتح قناة، وعادة ما تكون هذه القناة سريّة. هؤلاء الناس يعيشون منعزلين في "جيتو"، ولا يتحدثون إلا مع بعضهم. وأنت بحاجة إلى توسيع آفاقهم بشأن الطريقة التي ينظر بها العالم إليهم، ونحن بحاجة إلى أن نفهم ماذا يفعلون فهمًا أفضل. فمع الجيش الجمهوري الأيرلندي فتحنا قناة في عام 1972، لكننا لم نبدأ في المفاوضات إلا في عام 1994. هذه القنوات يستغرق تطويرها وقتًا طويلا.
    قد يحدث أن يختفي تنظيم "الدولة الإسلامية" نتيجة عمليات القصف، لكن هذا يبدو مستبعدًا. ومن دون قناة، سيستغرق فتح المفاوضات وقتًا أطول، ويتسبب في موت أشخاص أكثر بكثير بلا داعٍ.
    في أفغانستان، حث الرئيس الأفغاني "أشرف غني أحمدزي" باكستان، التي كانت عنصر إفساد في السابق، على دفع حركة "طالبان" إلى طاولة المفاوضات، ويبدو أن الصين التي تتمتع بنفوذ لدى باكستان، حريصة على تيسير إجراء محادثات. لكن حركة "طالبان" تشن تمردًا شديدًا، وتُشير التقارير إلى أن موسم القتال هذا العام هو الأشد عنفًا منذ عام 2001. فكيف تُقيّم آفاق التوصل إلى تسوية بالتفاوض هناك؟.
    لقد أضاعت الولايات المتحدة فرصة. أحد الأخطاء تمثل في اعتقاد أن زيادة القوات ستُحدث خللا في توازن حركة "طالبان" وتجعل التفاوض ممكنًا. ربما تكون الزيادة في الجنود قد حققت تقدمًا على الصعيد العسكري في أفغانستان، لكن حركة "طالبان" تتراجع قليلا، وتقول: "لا بأس، إنكم راحلون أيها الشباب، لذا يمكننا أن نقرفص قليلا ثم نعود". كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تفتح قناة مؤدية إلى "طالبان" أبكر من هذا بكثير؛ لأن حمل هؤلاء الأشخاص على فتح عقولهم وفهم ما هو ممكن وما هو ليس بممكن يستغرق زمنًا طويلا.
    نحن الآن في مرحلة مختلفة. هذا فيما يتعلق بالمفاوضات الأفغانية، لقد أعلن الرئيس "غني" بوضوح أنه يريد مثل هذه المفاوضات، وقد حاول العمل من خلال باكستان، لكن حركة "طالبان" على ما يبدو مترددة في المشاركة.
    في مرحلةٍ ما سيصل الطرفان إلى حالة واضحة من الجمود الذي يضر كلا الطرفَيْن. هناك كثيرون من أعضاء "طالبان" أصابهم التعب، وهم جاهزون للمفاوضات، لا أحد منهم يريد أن يكون الطرف الذي يعرض المحادثات؛ لأن المتشددين قد يغضبون عليه. لكنهم في مرحلة ما سيرغبون في التحدث لأنهم يدركون أنهم لا يستطيعون الاستيلاء على البلد عسكريًّا، ربما تكون لديهم رغبة في محاولة أخرى، لكنهم لن ينجحوا. عندئذ لن يكون حديثك عن حكومة دينية، بل سيكون حديثك عن قضايا معينة، مثل: تقاسم السلطة، وتغيير الدستور، ونظام التعليم.
    تم استبعاد حركة "طالبان" من مفاوضات مؤتمر بون التي شكَّلت النظام السياسي فيما بعد 2001 في أفغانستان. وغالبًا ما يُذكر استبعاد الحركة على أنه عامل محفَّز لأعمال التمرد اللاحقة. فما الذي يجعل الحكومات تقاوم الانخراط مع جماعات مسلحة كهذه؟
    كنت في الحكومة في ذلك الحين، ولم أكن أؤيد ضم "طالبان" إلى الطاولة، لكن عندما أنظر إلى الأمور بأثر رجعي، أرى بوضوح أن ذلك كان الشيء الأصوب الذي يجب فعله. في ذلك الوقت لم تكن لديّ رؤية واسعة بما يكفي كي أرى ذلك. سيكون من الأفضل لو واجه واضعو السياسات المزيد من التحديات وفتحوا عقولهم على الأشياء وتعلموا من دروس الماضي.
    إن الجنرال ديفيد بترايوس هو الذي قال إننا في العراق أهملنا الأمر حتى فات أوان التحدث مع الأشخاص "الملوثة أيديهم بدماء الأمريكيين"، لكن على ما يبدو فإننا نفعل هذا مرة بعد مرة. في الدول الديمقراطية يصعب بشدة أن نفسّر للجمهور ما يجعلنا نتحدث مع الأشخاص الذين يقتلون شعبنا، ولهذا السبب فإن معظم المحادثات تبدأ في السر، وغالبًا ما تنكرها الحكومات.
    تُشير التقارير إلى أن إسرائيل وحماس تجريان محادثات حول هدنة طويلة الأمد في مقابل تخفيف إسرائيل القيود المفروضة على قطاع غزة، وهذا سيلطف الأوضاع بالنسبة للغزاويين، لكنه يقوّض أيضًا منظمة التحرير الفلسطينية التي اعترفت بها إسرائيل باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وأنت كوسيط، كيف توازن بين تلك المصالح المتعارضة؟
    من الأفضل أن تحاول وتبرم اتفاق سلام مع جماعة موحدة؛ أي أن تصنع السلام مرة واحدة بدلا من عدة مرات. وعلى هذا النحو، يبدو لي التعامل مع حماس كتحرك منطقي؛ فمصلحة إسرائيل لا تكمن في استقرار منظمة التحرير الفلسطينية، بل في إقامة سلام دائم.
    المثير للاهتمام أن المؤسسة الأمنية على ما يبدو تتبنى وجهة نظر بعيدة المدى. في غالبية هذه الصراعات نجد أن الجيش أو القطاع الأمني هو الذي يُدرك أولا الحاجة إلى التفاوض، والسَّاسة يأتون فيما بعد. الشعب الإسرائيلي متشكّك في فرص إقامة سلام طويل المدى، لكنهم إذا رأوا هذه الفرصة فسوف يغتنمونها. أي حكومة إسرائيلية تريد أن يعاد انتخابها ينبغي أن تكون مهتمة بإقامة سلام دائم.
    أُريد أن أتوجه بالأنظار إلى كولومبيا التي تعكف حكومتها وجماعة فارك على التفاوض بشأن تسوية للصراع القديم بينهما. لكن أثناء سير المفاوضات في هافانا، حدثت طفرة في الهجمات على البنية التحتية الكولومبية. فما هي سياسة التفاوض مع عدوك في خضم هذا العنف المستمر؟
    تمهّل الرئيس خوان مانويل سانتوس قبل أن يبدأ المفاوضات ليتعلم من المحاولات السابقة في التفاوض مع فارك. أحد الأخطاء التي رآها في العملية السابقة كان هذا النوع من شبه وقف إطلاق النار الذي كانت فارك تحصل عليه. فقد سُمح لها بالاستيلاء على منطقة بحجم سويسرا كمنطقة منزوعة السلاح، فاستخدمت تلك المنطقة للتدريب وتنفيذ أنشطتها، وبالتالي فعندما أنهت محادثات السلام، كانت الحكومة في وضع أسوأ من قبل، وكانت فارك أقوى. كان سانتوس عازمًا على عدم منح وقف لإطلاق النار؛ لأنه كان يخشى أنه لن يكون هناك ضغط على فارك من أجل التفاوض.
    قال الرئيس إنه لن يسمح للعنف بأن يخرجه عن مساره في طريق المحادثات. هذا هو القرار الصائب. تاريخيًّا أنت ترى طفرات من العنف في مرحلة متأخرة من العملية، وهي من أعمال المفسدين من كلا الجانبَيْن. لم يحرز الطرفان قط هذا النوع من التقدم من قبل، حيث وافقا على ثلاثة من الفصول الخمسة، ويتبقى أصعب فصلَيْن وهما العدالة الانتقالية ونزع سلاح المحاربين وتسريحهم وإعادة إدماجهم.
    في الدول الديمقراطية، الحكومات تأتي وتذهب، وتحظى الشفافية بتقدير، ويجب أن يكون المسئولون متجاوبين مع جماهيرهم التي تكون غالبًا متضررة من الصدمات التي تعرَّضت لها. فهل الدول الديمقراطية غير ملائمة لإجراء هذه الأنواع من المفاوضات؟
    يبدو أن الإرهاب هو توأم الديمقراطية القبيح. فلا بد من أن نتعلم العيش معه لأننا عُرضة له. وأنا أتحدث عن الجماعات المسلحة من غير الدول التي تتمتع بدعم سياسي حقيقي. فالجماعات من هذا القبيل لا تلجأ إلى الإرهاب لأنها شريرة بالفطرة، بل تفعل هذا لأنها تشعر -غالبًا شعورًا خاطئًا- أن الطريق السياسي للمضي قُدمًا مغلق أمامها.
    تستطيع الديمقراطيات حل هذه الأشياء على نحو لا تقدر عليه الدكتاتوريات، وما دمت مستعدًّا لاستخدام القوة المطلقة، يمكنك أن تكتفي بقمعها، على الأقل مؤقتًا. كان بمقدور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتخاذ تدابير متطرفة في الشيشان. أما الديمقراطيات فلا تستطيع فعل ذلك. فلم يكن بمقدور الحكومة البريطانية تسوية بلفاست الغربية بالأرض. صميم هذه الأشياء هو المظالم السياسية، وفي النهاية لا بد من أن تُحل المشكلة سياسيًّا. عندما تنتقل جماعة ما من استخدام القوة إلى السياسة، تكون بذلك حللت المشكلة بحق، حيث تبدأ هذه الجماعة في الحصول على سلطة سياسية. وما إن تُتم عملية الانتقال، يصعب أن تعود مجددًا إلى العنف؛ لأنها عندئذ ستخسر المقوّم السياسي بالكلية.
    ترجمة وإعداد: طارق راشد عليان – باحث علوم سياسية.
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: إرهابيون على الطاولة: هل ينبغي أن تتحاور الحكومات مع "داعش"؟ Rating: 5 Reviewed By: Unknown
    Scroll to Top