المركز الاقليمي للدراسات
تمثل موجة الارتفاع الاستثنائي في درجات الحرارة في منطقة الشرق الأوسط التي أُطلق عليها "القبة الحرارية"، إحدى أهم مؤشرات تصاعد تهديدات الأمن فوق التقليدي في الإقليم، إذ أن تسارع وتيرة تغير المناخ الناتج عن ظاهرة الاحتباس الحراري أدى إلى تماهي الحدود الفاصلة بين تهديدات الأمن التقليدي ذات الطابع الأمني والعسكري التي تتمحور حول الدول، وتهديدات الأمن غير التقليدي البيئي والمجتمعي والإنساني التي تتركز حول المجتمعات والأفراد، مما أدى لصعود نمط جديد من التهديدات الناعمة غير المرئية Soft Threats التي تندرج ضمن مفهوم "الأمن فوق التقليدي"، وتمثل اندماجًا للأمن بمختلف أبعاده التقليدية وغير التقليدية بحيث تفرض ظواهر بيئية مثل تغير المناخ تداعيات أمنية وسياسية، مثل تصاعد الصراعات الداخلية، وحالات عدم الاستقرار السياسي، وتزايد نشاط التنظيمات الإرهابية بالإقليم.
ظاهرة عالمية:
شهدت دول الإقليم ارتفاعًا في درجات الحرارة إلى معدلات غير مسبوقة خلال شهري يوليو وأغسطس 2015، حيث تجاوزت درجات الحرارة حاجز 40 درجة مئوية في عدة أسابيع، بشكل متوالٍ في دول لم تعهد هذه المعدلات المرتفعة من قبل مثل مصر والأردن وتونس والجزائر والمغرب، فضلا عن تخطي درجات الحرارة حاجز 50 درجة مئوية في بعض دول الإقليم مثل العراق والكويت وقطر والسودان، ووصولها إلى معدلات غير مسبوقة تجاوزت 72 درجة مئوية في إيران، بالتوازي مع ارتفاع معدلات الرطوبة في مختلف دول الإقليم.
ويُمكن اعتبار الارتفاع في درجات الحرارة امتدادًا لموجة عالمية من تغيرات المناخ أصابت مختلف دول العالم بدرجات متفاوتة؛ حيث كشف تقرير الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي الأمريكية NOAA الصادر في منتصف أغسطس 2015 عن تسجيل أعلى معدلات لدرجات الحرارة على مستوى العالم في شهر يوليو 2015 منذ بدأ تسجيل درجات الحرارة في عام 1880، إذ بلغ متوسط درجات الحرارة عالميًّا ما يقرب من 61.8، وهو ما يمثل ارتفاعًا في متوسط درجات الحرارة خلال القرن العشرين كاملا بمعدل 1.8 درجة مئوية.
وقد أدى ذلك إلى تصاعد الإدراك العالمي لمخاطر التغير المناخي وهو ما انعكس في نتائج الدراسة الاستطلاعية التي أصدرها مركز بيو للأبحاث Pew Research Center في يوليو 2015، حيث صنف الرأي العام تغير المناخ ضمن قائمة التهديدات الأكثر خطورة في 19 دولة من أصل 40 دولة أجريت فيها استطلاعات للرأي، ووصلت نسبة من يرون تغير المناخ كتهديد إلى 61% في إقليم أمريكا اللاتينية، و59% في القارة الإفريقية، أما في منطقة الشرق الأوسط فإن نسب من صنفوا التغير المناخي كتهديد خطير تراوحت بين 44% في لبنان و36% في الأردن و35% في تركيا و33% في فلسطين، وبلغت نسبة من يرون المناخ تهديدًا لمعدلات قياسية في دول مثل أوغندا (74%) والهند (73%) والفلبين (72%) وغانا (71%) ونيجيريا (65%)، وجمعيها دول تأثرت سلبًا بتداعيات التغير المناخي.
تداعيات مباشرة:
أدت موجةُ صعود درجات الحرارة في دول الإقليم لعدة تداعيات مباشرة كشفت عن تردي أوضاع الأمن الإنساني في منطقة الشرق الأوسط، وعدم قدرة دول عديدة بالإقليم على التعافي من الكوارث الطبيعية وتداعيات التغيرات المناخية المفاجئة، وتمثلت أبرز التداعيات الناجمة عن الارتفاع الاستثنائي في درجات الحرارة فيما يلي:
1- تزايد حالات الوفاة: شهدت مصر تصاعدًا في عدد حالات الوفاة الناجمة عن الإجهاد الحراري، ووفق إحصاءات وزارة الصحة المصرية وصل عدد حالات الوفاة حتى يوم 20 أغسطس 2015 إلى حوالي 108 حالات وفاة نتيجة للإجهاد الحراري، فضلا عن إصابة 2552 آخرين بأعراض متعددة ناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة. وفي السياق ذاته شهدت مخيمات النازحين في العراق سقوط ما لا يقل عن 60 قتيلا من بينهم 44 طفلا، فضلا عن إصابة المئات بالإغماء والإعياء والحمى والجفاف، وغيرها من الأعراض المرضية المصاحبة لارتفاع درجات الحرارة، وفق بيانات لجنة الهجرة والمهاجرين النيابية في العراق في مطلع أغسطس 2015. وفي السياق ذاته، شهدت مدينة وادي حلفا في شمال السودان وفاة حوالي 13 مواطنًا بالإجهاد الحراري، أما باكستان فقد شهدت سقوط ما لا يقل عن 40 حالة وفاة خلال شهر أغسطس، وتصدرت الهند قائمة دول العالم من حيث وفيات الإجهاد الحراري، حيث شهدت سقوط ما لا يقل عن 2500 قتيل خلال موجة ارتفاع درجات الحرارة في شهري أبريل ومايو الماضيين.
2- عجز إمدادات الكهرباء: لم تتمكن بعض دول الإقليم من تلبية الطلب المتصاعد على الكهرباء خلال فترات تصاعد درجات الحرارة، حيث شهدت تونس حالات انقطاع في التيار الكهربائي لفترات طويلة منذ مطلع أغسطس 2015 نتيجة ارتفاع الطلب على الكهرباء بنسبة 2.8% بالمقارنة بمعدلات العام الماضي، وتعرضت بعض أسلاك الضغط العالي في مدينة تطاوين التونسية للاحتراق في 3 أغسطس بالتوازي مع احتراق مولدات الكهرباء، مما أدى لانقطاع التيار الكهربائي، وينطبق الأمرُ ذاته على الجزائر التي شهدت تكرار انقطاع الكهرباء عن بعض المناطق بالعاصمة الجزائرية في فترات ذروة الاستهلاك، كما شهدت الأردن والمغرب وفلسطين عمليات لتخفيف الأحمال عن مرفق الكهرباء. بينما أكد وزير الكهرباء السوداني معتز موسى في منتصف يوليو الفائت وجود عجز في إنتاج الكهرباء يصل إلى 5% في أوقات كثافة الاستهلاك، مما دفع السودان لقطع التيار الكهربي عن المنشآت الصناعية لتوفير الطاقة اللازمة لاستهلاك الموطنين.
وعلى الرغم من انتظام مرفق الكهرباء في مصر، وانتهاء عمليات تخفيف الأحمال بصورة شبه نهائية، إلا أن درجات الحرارة أدت لانهيار بعض محطات توليد الطاقة في محافظة الجيزة، وانقطاع التيار عنها لفترة محدودة، بالتوازي مع تعطل حركة مترو الأنفاق في 11 أغسطس 2015 نتيجة بعض الأعطال في شبكة الكهرباء القومية، فضلا عن معاناة بعض القرى في الوجه البحري والصعيد من انقطاع متكرر للكهرباء، واحتراق بعض محولات الكهرباء وكابلات الكهرباء نتيجة الحرارة المرتفعة. وفي السياق ذاته، شهدت بغداد وعدد من المحافظات العراقية تصاعدًا في معدلات انقطاع الكهرباء منذ يوليو 2015 لتصل فترات الانقطاع إلى حوالى 12 ساعة يوميًّا نتيجة تهالك البنية الأساسية لشبكة الكهرباء واستهداف تنظيم "داعش" لأبراج الضغط العالي وخطوط نقل الطاقة عبر المحافظات، وفي اليمن حملت وزارة الكهرباء الحوثيين مسئولية انقطاع التيار الكهربائي على مدار الثلاثة أشهر الماضية بسبب خروج محطة مأرب لتوليد الطاقة من الخدمة بعد استهدافها بالقذائف من جانب الحوثيين.
3- استنزاف الموارد النفطية: دفع تصاعد معدلات انقطاع الكهرباء ببعض الدول المواطنين إلى شراء مولدات الكهرباء التي تعتمد على المشتقات النفطية، وهو ما أدى لارتفاع أسعار المشتقات النفطية. ففي الأردن يعتمد اللاجئون السوريون في مخيم الزعتري على المولدات الكهربائية لإنارة المخيم في فترات الليل، وهو ما أدى لتكثيف عمليات تهريب الوقود، والأمر ذاته ينطبق على العراق التي شهدت تصاعدًا في معدلات شراء معدات توليد الكهرباء للتغلب على انقطاع التيار لفترات ممتدة قد تصل إلى 12 ساعة يوميًّا، وفي مصر ارتفعت أسعار المولدات الكهربائية بنسبة 40% في ظل اعتماد بعض البنوك والمصانع والمستشفيات الخاصة والقرى السياحية والمحلات التجارية على هذه المولدات الاحتياطية لمواجهة احتمالات انقطاع الكهرباء خاصة خارج نطاق القاهرة الكبرى في محافظات الوجهين البحري والقبلي والمحافظات النائية.
4- تراجع معدلات الإنتاج: ساهم ارتفاع درجات الحرارة في تراجع نشاط المؤسسات الإنتاجية والخدمية في دول عديدة بالإقليم، ففي السودان اتجهت السلطات المحلية بعدد من الولايات لإغلاق المدارس لمدة أسبوع، وتقليص ساعات العمل لمدة ساعتين في الفترة الصباحية وأربع ساعات في الفترة المسائية نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، وتَوَازَى ذلك مع قيام وزارة الكهرباء السودانية بقطع التيار الكهربائي عن المؤسسات الصناعية لسد العجز في إنتاج الكهرباء وتلبية احتياجات المواطنين، بينما أعلنت الحكومة العراقية أن الفترة من 30 يوليو وحتى 2 أغسطس 2015 تعد عطلة رسمية لكافة الهيئات والمؤسسات الحكومية والخاصة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، وفي مصر أدى ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع الكهرباء في بعض المناطق لتوقف الإنتاج في عدد من المصانع بالمناطق الصناعية مثل العاشر من رمضان، وانخفاض معدلات الإنتاج في بعض المصانع الأخرى بسبب التوقف عن العمل في فترات الظهيرة.
5- انتشار حالات الجفاف: تعرضت المحاصيل الزراعية في عدد من دول الإقليم للتلف نتيجة ارتفاع درجات الحرارة عن معدلاتها الطبيعية، فضلا عن انتشار حالات جفاف الأراضي مما حفز عمليات النزوح الداخلي، ففي العراق تعرضت حوالي 20 قرية للجفاف وفقدان الموارد المائية ونفوق آلاف رؤوس الماشية، فضلا عن تعرض حوالي 30 ألف رأس من الماشية في منطقة الأهوار جنوب العراق لخطر الجفاف منذ بدء الموجة الحارة في مطلع مايو 2015، وهو ما أدى لتصاعد موجات النزوح الداخلي في العراق، خاصةً بعد جفاف البحيرات الجنوبية على جانبي نهري دجلة والفرات، ونفوق آلاف الأسماك النهرية مع ارتفاع معدلات الملوحة الناتج عن تبخر المياه.
تهديدات الأمن:
على الرغم من تدني إسهام منطقة الشرق الأوسط في الانبعاثات المتسببة في الاحتباس الحراري مقارنة بالدول الصناعية الكبرى نظرًا لأن نصيبها من هذه الانبعاثات لا يتجاوز 5%، إلا أنها الأكثر تضررًا من تداعيات التغير المناخي، نتيجة للترابط الوثيق بين التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لتغير المناخ، وحالة عدم الاستقرار السياسي، وتردي الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط، حيث أدت موجات التغير المناخي في منطقة الشرق الأوسط لعدة تداعيات سياسية يتمثل أهمها في الآتي:
1- اندلاع الصراعات الداخلية: تؤكد بعض الدراسات البينية أن الصراعات الداخلية في بعض دول الإقليم تفجرت نتيجة للتغيرات المناخية التي أدت لتآكل الموارد الغذائية والمائية، وتفاقم الصراع على الموارد، حيث أشار فرانك فميا الخبير بمركز المناخ والأمن في واشنطن إلى أن تفجر الصراعات الداخلية في العراق وسوريا نتج عن آثار أسوأ موجات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة التي شهدتها منطقة الهلال الخصيب بين عامي 2006 و2009، حيث أدى الجفاف لتراجع إنتاج القمح في العراق بنسبة 45% سنويًّا، وتراجع منسوب المياه في نهري دجلة والفرات، مما ساهم في اندلاع الصراعات الداخلية على الموارد.
بينما تبدو الحالة السورية أكثر وضوحًا في الارتباط بين الصراع وتغير المناخ وفقًا للباحث في الشئون البيئية جون وتربري في دراسته "الاقتصاد السياسي للمناخ في المنطقة العربية" التي نشرت ضمن تقرير التنمية البشرية العربية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 2013؛ حيث أكد أن موجات الجفاف السابقة على عام 2011 أدت لتدمير الأراضي الزراعية في شرق سوريا التي ينتفع منها ما لا يقل عن 800 ألف شخص، وتسببت في نفوق ما لا يقل عن 85% من الثروة الحيوانية الخاصة، وأدى ذلك لنزوح سكان المناطق الريفية للبحث عن فرص للعمل في المدن الكبرى، وقاموا بتأسيس حزام من التجمعات العشوائية الطرفية التي تُحيط بالمدن الكبرى مثل حماة وحمص ودرعا، وهو ما أسهم في تفجر الصراع في سوريا عقب استخدام نظام الأسد للقوة العسكرية ضدهم.
وفي السياق ذاته، أكد تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة في يونيو 2007 أن الصراع في درافور في غرب السودان نتج عن تداعيات التغيرات المناخية، فخلال الأربعين عامًا السابقة على الصراع الأهلي في دارفور، انخفض معدل سقوط الأمطار بنسبة 30% وتراجع الإنتاج الزراعي بنسبة 70% وزاد التصحر بمعدل 60 ميلا، فضلا عن ارتفاع متوسط درجات الحرارة السنوي بمعدل 1.5 درجة، وهو ما أدى لتفجر الصراع بين القبائل الرعوية والقبائل الناشطة في الزراعة نتيجة الصراع على مراعي الماشية، بشكل تسبب في اندلاع الصراع المسلح في الإقليم.
2- تمدد التنظيمات الإرهابية: كشفت بعض الدراسات عن تسبب التغيرات المناخية في تمدد وانتشار التنظيمات الإرهابية، حيث أكدت دراسة أعدها أرون سيان صادرة عن معهد "السلام" الأمريكي في يونيو 2011، أن نشأة تنظيم "بوكوحرام" في نيجيريا ترجع إلى التحولات البيئية وتغير المناخ، إذ ارتبط تأسيس مروي محمد لـ"بوكو حرام" في الثمانينيات بانتشار ضحايا الأزمات البيئية في نيجيريا، وافتقادهم للطعام والمأوى والاحتياجات المعيشية الأساسية، وفي مرحلة تالية استفاد التنظيم من هجرة 200 ألف مزارع تشادي إلى نيجيريا عقب موجات الجفاف والتصحر في تشاد، حيث قام بتجنيد عدد كبير من النازحين التشاديين ضمن مقاتليه.
في المقابل، ركز تنظيم "داعش" على التحكم في الموارد المائية والاستيلاء عليها، وهو ما تجلى في تركيزه على السيطرة على سدود الفلوجة والموصل في العراق، ومناطق زمار وسنجار وربيعة، حيث يسعى التنظيم للسيطرة على مياه نهري دجلة والفرات في العراق وسوريا، فضلا عن السيطرة على المناطق الخصبة القابلة للزراعة في الدولتين لتأمين احتياجات المناطق التي يسيطر عليها.
3- تصاعد عدم الاستقرار الداخلي: اتجهت دراسات متعددة للربط بين التغيرات المناخية وتفجر الثورات العربية، وهو ما تؤكده دراسة "الربيع العربي والتغير المناخي" الصادرة عن مركز "المناخ والأمن" في واشنطن في عام 2013، حيث إن إخفاق بعض دول الإقليم في تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين، والتصدي لموجات الجفاف والتصحر، ونقص إمدادات الطاقة، دفعتهم للمشاركة في الاحتجاجات السياسية، ويتصل ذلك بالاحتجاجات واسعة النطاق التي شهدتها بغداد وذي قار في العراق في مطلع أغسطس 2015، احتجاجًا على انقطاع الكهرباء فترات تصل إلى 19 ساعة يوميًّا، والمظاهرات التي شهدتها العاصمة السودانية الخرطوم في 10 يوليو 2015 احتجاجًا على انقطاع التيار الكهربائي لفترات متكررة، كما أثار انقطاع الكهرباء انتقادات متعددة للحكومة بين سكان أحياء العاصمة الجزائرية في مطلع أغسطس 2015.
وفي المقابل، تصاعد نمط آخر من الاحتجاجات البيئية في دول الإقليم على مدار السنوات الماضية، على غرار العصيان المدني والاحتجاجات في الجزائر ضد استخراج الغاز الصخري في مدن ورقلة وعين الصالح في مارس 2015، وهو الاتجاه ذاته الذي ساد في إسرائيل في عام 2013، حيث قادت الاحتجاجات البيئية في منطقة "أدولام" منظمات مثل "اتحاد إسرائيل للدفاع عن البيئة" و"تجمع حماية الطبيعة في إسرائيل" و"التحالف الصهيوني للخضر".
وشهدت مصر بين عامي 2011 و2012 تكرارًا للاحتجاجات البيئية على غرار الاحتجاجات ضد مصنع أسمدة موبكو بدمياط، واحتجاجات سكان قرية فارس قرب أسوان على عمليات التنقيب عن الغاز، وفي مطلع عام 2014 تأسست حملة "مصريون ضد الفحم" في الإسكندرية بهدف التصدي للتلوث الناجم عن استخدام شركة لافارج للأسمنت للفحم في عملياتها الإنتاجية. وفي مارس 2015، هددت بعض الجماعات البيئية بالاعتصام عقب تصريحات حكومية بالسماح باستخدام الفحم في مصانع الأسمنت.
4- تردي الأمن الإنساني: أدت التغيرات المناخية لمضاعفة تهديدات الأمن الإنساني، حيث أشار تقرير منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" في 7 يونيو 2015 إلى تضاعف عدد الأشخاص الذين يُعانون من نقص التغذية المزمن في منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، ليبلغ حوالي 33 مليونًا، كما ارتفع معدل انتشار نقص التغذية من 6.6 إلى 7.5%، وتُشير التقديرات إلى أن نصف سكان اليمن الذين يبلغون 24 مليونًا في حاجة إلى مساعدات إنسانية مع مطلع العام الحالي، وفي العراق، ارتفع معدل انتشار نقص التغذية من 8% إلى 23% في عام 2015.
وفي السياق ذاته، أشار تقرير البنك الدولي الصادر في نوفمبر 2014 بعنوان "مواجهة الواقع المناخي الجديد"، إلى أن المنطقة العربية ستشهد تبخرًا للموارد المائية الشحيحة، خاصة في نهري دجلة والفرات ونهر الأردن وبحيرة طبرية وانخفاض غلة المحاصيل بنسبة 30% في مصر والأردن وليبيا، كما يؤكد تقرير "المنتدى العربي للبيئة والتنمية" إلى أن 12% من أراضي مصر الزراعية ستتعرض لمخاطر متعددة، وهو ما يستدعي نتائج دراسة "المعهد الدولي للتنمية المستدامة" بعنوان "التغير المناخي ومخاطر المواجهات العنيفة في الشرق الأوسط"، والتي أكدت أن التغير المناخي سوف يفجر حزمة تهديدات للأمن الإنساني في الشرق الأوسط تشمل جفاف الموارد المائية وانعدام الأمن الغذائي وتباطؤ النمو الاقتصادي مما يؤدي لنشوب الصراعات على الموارد.
5- تزايد معدلات النزوح الداخلي: تكاد تتفق أغلب الدراسات البيئية على أن تغير المناخ من المرجح أن يؤدي لزيادة النازحين واللاجئين في منطقة الشرق الأوسط؛ حيث يتوقع أن يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر خاصةً في البحر المتوسط لنزوح حوالي 3.8 ملايين شخص من سكان دلتا النيل والسواحل إلى المناطق الداخلية وفق تقرير البنك الدولي الصادر في نوفمبر 2014، يُضاف إلى ذلك أن مدن ساحلية مثل الإسكندرية وبنغازي والجزائر باتت معرضة للغرق نتيجة ارتفاع مستويات البحر المتوسط، وهو ما سيؤدي لتدمير بعض مراكز الجذب السياحي ودفع المواطنين للنزوح الداخلي.
إجمالا يُمكن القول إن التهديدات الناجمة عن التغير المناخي باتت تتجاوز نطاقات الأمن البيئي والأمن المجتمعي والإنساني وأضحت ترتبط بصورة وثيقة بالأمن والاستقرار الداخلي في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يؤكد ضرورة تركيز حكومات دول الإقليم في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ الذي سيعقد في باريس في ديسمبر 2015، على تصعيد الضغوط على الدول الصناعية وسريعة النمو الأكثر إسهاما في الانبعاثات الحرارية المسببة للاحتباس الحراري للالتزام بتقليص الانبعاثات الحرارية والمساهمة بقوة في التصدي لتداعياتها الخطيرة على منطقة الشرق الأوسط، فضلا عن تغيير المفاهيم والمدركات حول مخاطر الأمن البيئي لدى النخب السياسية والإعلامية، ومحاولة إيجاد بدائل لمواجهة أزمات نقص المياه والغذاء وصياغة سياسات لمواجهة موجات النزوح الداخلي المتوقع.