تركيا ومصر: خطوة للأمام وأخرى للخلف
بقلم : كرم سعيد
شهدت العلاقات المصرية – التركية مداً وجزراً، وتعاونات وتناقضات، حملت في طياتها خلاصة لمسار طويل ومعقد بدأ عمليا منذ أصبحت مصر ولاية عثمانية في العام 1517 على يد السلطان سليم الأول، وأرتبك مسار العلاقة بعد أن قامت الدولة العثمانية بتهجير مئات الصناع المهرة في مصر إلى الآستانة ناهيك عن استغلال مقدرات الولاية المصرية وإرهاق رعاياها بالضرائب دون اعتبار لتذمر المصريين إزاء السلطنة العثمانية.
ودخلت العلاقة بين الطرفين مناخ الشحن منذ الثورة العربية الكبرى 1916، والتي يراها الأتراك خيانة عربية للدولة العثمانية، بينما رآها العرب رغبة في التحرر من الأتراك. ولا تزال أجواء التوجس وعدم الثقة تسود حتى يومنا هذا. فمنذ يوليو 1952 – القطيعة الأولى – كانت تركيا تتحفظ على طريقة وصول مجلس قيادة الثورة للسلطة، وقدمت نصائح بضرورة احترام الديمقراطية، وتشكيل حكومة ديمقراطية.
وظل القلق العنوان الأبرز للعلاقة بين الطرفين طوال عهد السادات، لتشهد فتوراً في فترة مبارك، قبل أن تتسع الهوة مع صعود حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية، والذي وصل إلى سدة السلطة في العام 2002، خصوصا أن أردوغان ورفاقه أبدوا على مضض شكوك من وراء ستار إزاء اتجاهات وتوجهات الأنظمة القائمة في المنطقة باعتبارها تكريس للعلمانية المتوحشة.
وفي الوقت الذي ظل مبارك يخشى فيه من صعود تيار الإسلامي السياسي في المنطقة، نجح العدالة والتنمية في توسيع ساحة ومساحة الدور الإقليمي لتركيا، بعد تبنيه ما عرف بـ “سياسة تصفير المشاكل”. لذلك لم يكن مفاجئا أن يكون أردوغان الصوت الأعلى في مطالبة مبارك بالرحيل مع قيام25 يناير 2011، ووقف فى البرلمان التركى يردد هتافات ميدان التحرير ويخاطب حسنى مبارك ويقول: “استمع الى صراخ شعبك ومطالبه الإنسانية العادلة، واستجب لمطلبه بالحرية دون مواربة”.
ما بعد صعود الجماعة:
وصل منحى العلاقة بين أنقرة والقاهرة إلى الذروة بعد وصول محمد مرسي إلى سدة السلطة في يونيو 2012، وكان الدور التركي عاملا مؤثرا في اتجاهات وتوجهات قصر الاتحادية بفضل سياسة المعونات والإقراض دون فوائد أو بفوائد مخفضة، وقدرت المساعدات التركية بـ 2 مليار دولار، كما استعانت مصر بقطاع معتبر من الشركات التركية في كافة المجالات.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها حضر الرئيس السابق محمد مرسي وقت زيارته لتركيا في 30 سبتمبر 2013 المؤتمر العام لحزب العدالة والتنمية، وهو الأمر الذي فتح الباب واسعا للتندر والشكوك، إذ كيف لرئيس دولة يحضر مؤتمر حزبى فى دولة اخرى؟ مهما كانت قوة العلاقات!! في المقابل قام اردوغان بزيارة القاهرة وقام على غرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالقاء خطاب فى جامعة القاهرة، وسط قيادات جماعة “الإخوان” وأنصارها، وقال: انتظر كتابة الدستور المصرى حتى نحتذى به فى تركيا.
حضور أردوغان في قلب المشهد المصري أعطى دفعة قوية للجماعة، باعتبار بلاده واحدة من أهم الاقتصاديات العالمية، خصوصا أن أنقرة كانت من ضمن دول قليلة دعمت خطوات الجماعة للإمساك بمفاصل الدولة واعصابها الحساسة، دون أن تنتبه للانقسامات المجتمعية والسياسية التي كرستها سلوكيا الجماعة، لاسيما بعد إصدار الإعلان الدستوري في 21 نوفمبر 2012، وإقالة النائب العام عبد المجيد محمود وتعين أخر دون استشارة مجلس القضاء الأعلى، وفي تجاوز صريح للأعراف والتقاليد القضائية.ذ
30 يونيو: هوس أردوغان:
التطور الذي احدثتة موجة 30 يونيو، وسقوط النظام السياسي في مصر فضلا عما تشهده لييبا من مشاكل واحتقانات قبلية في طريقا لتفكيك الدولة وتراجع زخم حركة النهضة في تونس مثلت متغيرات إقليمية قوية كان لها تاثيراتها السلبية على الاستراتيجية التركية في المنطقة.
والأرجح أن 30 يونيو أطاحت بحلم أردوغان في بناء نموذج “العلمانية المؤمنة” المفصل على مقاس طموحات العدالة والتنمية، وذلك عبر تمكين روافد عقائدية وايديولوجية ممثلة في الأحزاب ذات الصبغة الإسلامية.
وأربك إقصاء جماعة الإخوان عن صدارة المشهد في مصر، أربك الحسابات التركية، فلجأت أنقرة إلى خطوات تصعيدية غير مسبوقة عقب الإطاحة بالرئيس مرسى فسحبت سفيرها، وتم إلغاء عدد من الاتفاقيات التجارية، بل ذهبت بعيداً حين دعت مجلس الأمن إلى الانعقاد الفورى لبحث الوضع فى مصر بعد فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة منتصف أغسطس 2013.
وراء ذلك وقفت تركيا خلف محاولات تجميد عضوية مصر في منظمة التعاون الإسلامي رغم أن مصر ساعدتها في الدخول للمنظمة بعد معارضة سوريا. كما حاولت تركيا التأثير على قطاع معتبر من القوى اللاتينية لاتخاذ مواقف ضد القاهرة، ووصف المشهد المصري بالانقلاب، بل ومارست ضغوطا علنية على البرازيل وعدد من دول القارة اللاتينية لإدانة الأحداث في مصر وقطع العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة.
من جهتها اعتبرت القاهرة السفير التركي شخصاً غير مرغوب فيه وخفضت مستوى العلاقات إلى مستوى القائم بالأعمال. كما استنكرت استضافة تركيا قيادات في «الإخوان» بعضها مطلوب وكذلك السماح بفعاليات ضد القاهرة تحت مسمى «ملتقي رابعة».
هوس أردوغان والخوف من تداعيات 30 يونيو المصرية دفعه إلى تعديل المادة 35 من قانون المؤسسة العسكرية لعام 1960، والتي كانت تنص على «أن وظيفة القوات المسلحة التركية هي حماية الوطن التركي ومبادئ الجمهورية التركية كما هي محددة في الدستور». لكن الصيغة الجديدة التي جرى التصويت عليها بغالبية في 13 يوليو 2013، أصبحت «مهمة القوات المسلحة تتمثّل في الدفاع عن الوطن والجمهورية التركية تجاه التهديدات والأخطار الخارجية، والسعي إلى الحفاظ على القوة العسكرية وتعزيزها، بحيث تشكل قوة رادعة للأعداء، والقيام بالمـهمات الخارجية التي تسند إلـيها من قبـل البرلمان التركي، والمساعدة على تأمين السلام العالمي».
الأزمة مع كشفت عورات النظام في تركيا، فبعدها انزلقت تركيا في مسارات من القلق والتيه بعد اتساع البون مع قطاع معتبر من الدول الخليجية فضلا مناخات التوتر مع حكومة بغداد التى أبدت امتعاضها مما أسمته تدخلا تركيا فى شأنها الداخلى جنباً إلى جنب قطع العلاقة مع النظام السوري الذي يتهم أنقرة بتمويل ودعم الإرهاب على أرضه.
على الضفة الأخرى من النهر تقف العلاقة بين أنقرة من جهة وإيران وحزب الله على المحك منذ انحازت تركيا للجيش الحر ناهيك عن المسار المتعرج للعلاقة مع لبنان، خصوصا بعد خطف طيار تركي ومساعده من على طريق مطار رفيق الحريرى الدولى فى التاسع من أغسطس 2013.
السلوك التركي كانت محصلته النهائية سقوط النظرية التي كان يروج لها وزير الخارجية التركي آنذاك أحمد داواد أوغلو التي اعتمدت على ما يسمي بتصفير المشاكل مع دول الجوار.
حفاوة مشروطة:
المتابع لتحركات تركيا تجاه مصر وسياسات قادتها يدرك أنها سياسة كسيحة ومعوقة ذاتياً، نظراً لطابعها التقليدي، وقصر رهاناتها على جماعة بعينها، وهي جماعة الإخوان المسلمين.
والتطور الذي أحدثه القرار القطري بترحيل قيادات الجماعة مثل عبئا إضافيا على تركيا رغم إعلان أردوغان عن استقبال قادة الإخوان المرحلين من الدوحة، ما لم يكن هناك ما يمنع.
والأرجح أن ثمة استقبال تركي مشروط للجماعة هذه المرة لعدة أسباب منها امتعاض المخابرات التركية من استقبال الإسلاميين المصريين، خصوصا أعضاء الجماعة الإسلامية فضلا عن أن دعم أردوغان لقضايا الإسلاميين في المنطقة ظل مرتبطا بأهداف آنية ومباشرة، وارتبطت في جزء منها بالاستحقاقات الانتخابية، وسط مجتمع أكثر من 40 منه يعتقد في الهوية الإسلامية. وتشهد تركيا تنامى موجة التدين، فبحسب تقارير فأن ما يقرب من 45% من الجمهور بات يميل إلى ربط السياسة بالدين، ولعل أردوغان كان فطنا إلى هذا الأمر، حين قال في خطاب ترشحه للرئاسة “لم نخض غمار السياسة طمعا في منصب، أو موقع، أو منفعة، ولكن في سبيل الله، والشعب، ومن أجل الوطن، والعَلَم، والاستقلال، ومستقبل البلاد”.
خسارة الداخل:
تركيا أردوغان التي كانت تراهن على بناء نموذج ” العلمانية المؤمنة” أو “العثمانية الجديدة” من خلال بناء أنظمة إسلامية موالية لها في مصر وتونس والمغرب لم تكن لتتوقع ما حدث في مصر، فذهبت بعيداً في عدائها للنظام المصري، دون أن تدرك أن عام الجماعة في مصر كان عام التناحر السياسي بامتياز بدلا من السعى إلى إقامة شراكة وطنية ومستقيمة.
ويبدو أن غواية الخلافة لدى أردوغان كانت تعلو غواية المجتمعات وأهدافها لذلك خسر أردوغان بشأن توجهاته إزاء مصر ثلا ث مرات عندما احتضن الإخوان المسلمين وليس الدولة. وعندما رفض التجاوب مع نصائح رئيسه عبد الله جول الذي هنأ الرئيس المؤقت عدلي منصور، والثالثة عندما غض الطرف عن قراءة اتجاهات المعارضة التركية التركية التي رأت ضرورة التجاوب مع الحدث المصري في 30 يونيو، وإعادة صياغة العلاقة من جديد مع القاهرة، وكان بارزاً،هنا، زيارة زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار للقاهرة مطلع يناير 2013.
على صعيد ذي شأن كان للتوتر التركي مع القاهرة وعواصم المنطقة انعكاساته السلبية على موقع العدالة والتنمية على خارطة السياسية التركية، حيث تراجع التفويض الانتخابي الممنوح لأردوغان عما كان عليه في الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد في العاشر من أغسطس الماضي، واسفرت عن فوز أردوغان بالكاد بنسبة 51% مقابل 38% لمنافسه أكمل إحسان أوغلو و 10% لمرشح الأكراد صلاح ديمرطاش، بينما حصلت المعارضة مجتمعة على 48%، وهي نسبة معتبرة إذا ما قورنت بما حصده أردوغان، وهو الذي سخر كل مقومات الدولة ومقدراتها في العملية الانتخابية لمصلحته. الانحسار الملحوظ لزخم أردوغان كشفته أيضا ضعف نسبة المشاركة في الرئاسيات التركية، إذ وصلت إلى 71.3 في المئة وهي أقل إذا ما قورنت باستحقاق البلديات الذي وصلت فيه إلى 88.63 في المئة، على رغم أن العادة جرت أن يكون هذا الاستحقاق هو الأقل شأناً.
تراجع أنقرة إقليميا:
الأرجح أن تراجع الدور الإقليمي لتركيا كان مبعثه أساسا احتقان علاقاتها مع مصر وقطاع واسع من جوارها الجغرافي فضلا عن تعثر تململ لا تخطئه عين مع الاتحاد الأوروبي، وظهر هذا التوجه السلبي في مطالبة الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري الشقيق الأصغر للحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم في ألمانيا بوقف مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي نهائيا. وفي تصريح له قال أمين الحزب أدرياس شوير ” تركيا-أردوغان ليس مرغوب فيها بأوروبا”. وبينما كان لافتا التمثيل الدبوماسي المنخفض للولايات المتحدة في مراسم حلف أردوغان القسم الدستوري في البرلمان، لم يرسل الاتحاد الأوروبي ممثلا له.
وكانت البعثة الأوروبية المنوط بها مراقبة الرئاسيات التركية قد وجهت انتقادات لاذعة لسلوك الحكومة التركية بسبب انحيازتها المطلقة في العملية الانتخابية لمرشح بعينه، فأشارت بعثة الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي إلى تجاوزات عدة في مقدمها استغلال هياكل الدولة لمصلحة أردوغان، فضلاً عن تخصيص مساحات أكبر في الإعلام الرسمي والمستقل لأردوغان، مقارنة بمنافسيه. ولمّحت منظمة الأمن والتعاون الأوروبي إلى استغلال أردوغان في شكل غير نزيه موارد الدولة خلال حملته الانتخابية.
وبينما نجحت الدولة المصرية في استعادة جزء معتبر من صورتها الذهنية في العالم، فإن أنقرة تقف على محك اختبار مع العالم الآن بعد رفضها التعاون مع التحالف الدولي لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا “داعش”.
فالخطر الجديد الذي تمثله داعش في المنطقة، وإعلان الولايات المتحدة بناء تحالف دولي لمكافحة الإرهاب في المنطقة، وزيادة الطلب على الدور المصري باعتباره حجر الزاوية في هذا التحالف، قد يسمح ذلك بتغييراً نوعياً لعلاقات الإقليم، أو تعديل ولو طفيف في العلاقات الإقليمية يمهد لاستعادة مصر دورها الإقليمي في المنطقة ترجمته الأولي كانت في حضور القاهرة اجتماع جدة الذي دعت له الرياض في سبتمبر الجاري فضلا عن أن مشاركة مصر في مؤتمر باريس الذي عقد في 15 سبتمبر الجاري لتوزيع المهام على الدول المنوط بها مكافحة الإرهاب.
ثقب في جدار القطيعة:
على الرغم من أن العلاقات المصرية التركية تبدو مرشحة لمزيد من التوتر والتفاقم لاستضافة الأخيرة قيادات جماعة الإخوان المسلمين المرحلين من قطر، إلا أن ثمة عوامل قد تدفع تركيا في المستقبل القريب إلى إعادة قراءاتها للواقع الإقليمي، وربما مراجعة علاقاتها مع القاهرة منها الضغوط الدولية على أنقرة في ظل اتهاماها بدعم التنظيمات الراديكالية في سوريا والعراق فضلا عن تقديم دعم غير مباشر لـ “داعش” بتسهيل مرور الجهاديين من أراضيها وتوفير ملآذ آمن لقادتها فضلا عن دعم لوجستي كشفت عنه مؤشرات عدة منها بحسب ما نشرته مجلة “نيوزويك” في عددها الصادر مطلع سبتمبر الجاري من أن عربات نقل المتطوعين للقتال كانت تجمع الشباب الراغب في الانضمام للجماعات الجهادية علناً وأن حكومة أردوغان لم تحرك ساكناً على رغم علمها بما يحدث.
وكان السفير الأمريكي السابق لدي أنقرة فرانسيس ريكاردوني حمل أردوغان ورفاقه مسئولية تنامي حجم التنظيمات الإرهابية في المنطقة، وقال ريكاردوني ” إن تركيا قدمت الدعم والسلاح لجبهة النصرة وأحرار الشام على سبيل المثال، وهما فصيلان إرهابيان، وقد حذرنا تركيا من ذلك، لكنها لم تستجيب”.
أضف إلى ذلك النجاحات النسبية التي حققها النظام المصري على الأقل خارجيا، صحيح أن الاحتقانات المجتمعية والاستقطاب السياسي ما زالت عناوين بارزة في المشهد المصري، إلا أن قطع الشوط الأكبر من خارطة الطريق وفشل تظاهرات الجماعة حتى الآن في اختراق المشهد ربما تجعل أنقرة أكثر حرصا على التفكير في مراجعات وتراجعات بشأن علاقاتها مع القاهرة.
كما أن التقارب الملحوظ في علاقات قطر مع محيطها الخليجي فضلا عن أن تصرفات قطر المحيرة تجاه عدد من التيارات الإسلامية في المنطقة ظلت محط أنظار الإعلام الغربي والميديا العالمية، وهذا الأمر وصفه توماس فريدمان في مقال له بـ ” النيويورك تايمز” تحدث فيه عن الريبة الأمريكية من ازدواجية عدد من الدول الرئيسية المشاركة في التحالف، وفي مقدمتها قطر، حيث قال أنها تقف إلى جوار واشنطن أيام وضدها أيام أخرى، ولاشك أن تراجع قطر ومراجعاتها لمواقفها قد يزيد من الضغط على تركيا لتبقي وحدها في جانب والمجتمع الدولي ومعه القاهرة في جانب آخر.
والأرجح أن قطر تبدو أكثر جدية باتجاه إعادة صياغة علاقاها الإقليمية، وكان برزاً، هنا، مصافحة أمير قطر للرئيس السيسي على الغداء الذي اقامه سكرتير عام الامم المتحدة لرؤساء الوفود المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وإصدار الدوحة قانونا جديدا لتنظيم عمل الجمعيات الخيرية وسط انتقادات متزايدة واجتها قطر، إذ استخدمت ثروتها من النفط والغاز في دعم مجموعة واسعة من الإسلاميين في المنطقة. واتهم وزير التنمية الألماني جيرد مولر قطر في منتصف سبتمبر الجاري، بتمويل مقاتلي الدولة الإسلامية.
الملمح الأهم في هذا الإطار أيضا هو دعوة القائم بالأعمال المصري في أنقرة لحضور مراسيم تنصيب أردوغان، والدعوة التي وجهتها تركيا، لوزير الخارجية سامح شكري لمقابلة نظيره التركي، على هامش دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي عقدت في بنيويورك في 22 سبتمبر الماضي، وكذلكإعلانوزير الاستثمار المصري أشرف سالمان أن بلاده لم تفرض أي قيود على الاستثمارات التركية والقطرية في مصر، مؤكداً أن الاستثمار بعيد تماماً عن الخلافات السياسية.
صحيح أن كل هذه الخطوات رمزية، لكنها تحمل بين طياتها دلالة هامة رغبة في مد جسور التواصل بين البلدين، خصوصا وأن القاهرة دعت أنقرة إلى مؤتمر إعادة إعمار غزة المقرر في 12 أكتوبر المقبل، فضلا عن قراءة تركية للقاءات المثمرة في نيويورك وقت قمة المناخ واجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بين السيسي وأوباما، وهو ما يعطى إشارة إلى أن العلاقات المصرية الأمريكية تسير في المسار الصحيح بينما تواجه العلاقة بين واشنطن وأنقرة تحديات سياسة منها الخلاف حول مواجهة داعش والموقف من البرنامج النووي الإيراني.
خطوة للخلف:
القراءة الدقيقة لمشهد العلاقات المصرية التركية يؤكد أن ثمة رؤية ضبابية ومشوشة لدى الأتراك حيال العلاقة مع القاهرة كشفتها تناقضات أردوغان نفسه الذي ألمح في وقت سابق عن استعداد بلاده للتعامل مع النظام المصري مهما كان يختلف معه، ثم هجومه المسرحي في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة على انظام في مصر حين قال “في الوقت الذي تم فيه الانقلاب على رئيس منتخب من قبل الشعب، وقتل الآلاف ممن خرجوا يسألون عن مصير أصواتهم، اكتفت الأمم المتحدة والدول الديمقراطية، بمجرد المشاهدة، وأضفوا شرعية على ذلك الانقلاب”.
ضبابية الرؤية التركية ظهرت أيضا في شخصنة الأزمة مع القاهرة، وانتقاد أردوغان لشخص السيسي دون أن يعى أو يلتفت لسياساته، ولعل هذا ما دفع قطاعات معتبرة من المعارضة التركية خصوصا حزب الشعب الجمهورى وحزب الحركة القومية إلى انتقاد خطاب أردوغان حيال القاهرة، واعتبرت أن أردوغان يسرح في خيال الخلافة.
القصد أن سلوكيات أنقرة تجاه القاهرة أفقد الأخيرة جزء من مصداقيتها في محيطها الإقليمي، وبدا ذلك في إدانة قوى دولية خطاب هجوم أردوغان عى مصر في خطابه أمام الجمية العامة للأمم المتحدة.
المهم أن المعركة الشخصية لأردوغان مع النظام في مصر لم تحقق المرجو منها حتى اليوم، وهذا السلوك التركي تجاه القاهرة حال استمراره، فإن القاهرة الرسمية يمكنها إزعاج الكيان التركي بالكثير من الأوراق من بينها تسخين مذابح الأرمن التي تقص مضاجع تركيا، وكانت القاهرة قد وقعت في أغسطس 2013 على الاتفاقية التي تدين أحداث إبادة الأرمن التي ارتكبها الأتراك (الدولة العثمانية) في 24 أبريل 1915، وغيرها من الأوراق التي تمس المصالح التركية وفى مقدمتها الوجود التركي في أفريقيا.