728x90 شفرة ادسنس

  • اخر الاخبار

    Friday, October 23, 2015

    مترجم: يهود مصر يكسرون حاجز الصمت ويحكون قصة خروجهم

    رضوي ممدوح
    ساسه بوست

    بالتزامن مع إقامة الدولة الإسرائيلية، أصبح يهود مصر هدفًا للاعتقالات وأعمال الشغب. قام إيلي مايو بتهجير أهل مدينته إلى إسرائيل في عملية سرية، ونشأت بنيناه أتير مع والدين لم يتعافيا من الأزمة، وتريد الدكتورة أداه أهروني أن تكسر حاجز الصمت ليهود مصر في كتاب جديد بعنوان: “في عيد الفصح سأحكي للأطفال عن خروجنا”.
    بحقيبة صغيرة وعشرين جنيهًا – أو أكثر أو أقل – تم الترحيل الجماعي لمائة ألف يهودي من مصر، مع مصادرة جميع ممتلكاتهم ومتعلقاتهم وأحيانا حريتهم. في غضون عشر سنوات فقط تحولت واحدة من أروع وأقدم الطوائف في العالم لمجرد ذاكرة طفولة بعيدة للطائفة التي تعيش الآن في إسرائيل.
    لكن القصة لا تنتهي هنا بالنسبة للنازحين الذين أصبحوا على مر الزمن القصاصة المهملة من التاريخ، التي تحظى بنصيب الأسد من التجاهل المؤسسي، يقرر ثلاثة منهم التحدث عن الإرث الذي مازال حتى الآن متواريًا عن الأنظار.
    في كتاب “العصر الذهبي لليهود في مصر: النزوح والبعث” (لدار النشر: أوريون)، جمعت الدكتورة أدا أهروني – ابنة تلك الطائفة التي غادرت مصر فتاة شابة – 73 شهادة شخصية حول “قصة الفصح الحديثة” لبني إسرائيل الذين خرجوا من مصر في العصر الحالي بذعر كبير وممتلكات قليلة.

    خرجنا من مصر فى ذعر

    تقوم بين صفحات الكتاب بإزاحة الستار عن الوضع المتردي ليهود مصر؛ فمن مركزهم الرفيع باعتبارهم جزءًا لا يتجزأ من النخبة الاقتصادية والتجارية في مصر، ونخبة فكرية ناطقة بلغات كثيرة وذات ثقافة غنية، والذين تمتعوا بالحياة في مصر الحديثة وعاشوا ازدهار الثلاثينيات والأربعينيات؛ حتى تلك الليلة المشئومة التي تغير فيها كل شيء إلى الأبد، وخرجوا فزعين بطريقة أو بأخرى من منفاهم على ضفاف النيل.
    مع إقامة دولة إسرائيل، فقد وجد أبناء الطائفة الثرية والعتيقة أنفسهم من المعزولين والمفلسين و”طابور خامس”، ومهددين بالاعتقال الجماعي والحرمان من العمل، وأعمال الشغب من قبل الحشود المُحرضة. وقد بدأ هذا الأمر منذ وعد بلفور، فمع تأسيس الحركة الصهيونية المحلية عام (1917) انعكس ذلك في المقولة المجحفة لمندوبي جامعة الدول العربية أن اليهود هم من سيدفعون ثمن قيام دولة إسرائيل، وقد كان.
    “أنا أتذكر عندما كنت طفلة في السادسة من عمري أن المصريين كانوا يصيحون في الشارع قائلين: يا يهود، يا كلاب، اطفوا النور”. هكذا صرحت باتيا أوحيون في الكتاب وأضافت قائلة “تم ترحيل كل اليهود الذين يحملون جنسية أجنبية من مصر في غضون ثلاثة أيام.. خشي أبي أن يتم ترحيل أسرتنا، فقام بإتلاف كل أوراق الهوية التي كانت بحوزته، وبعد أن بدأ العدوان الثلاثي بدأ بإجراءات هجرتنا لإسرائيل. باستثناء الملابس لم يسمح لليهود بأخذ أي شيء، لا أدوات، لا ألعاب، لا أثاث، لا شيء”.

    «وكان الأمر في منتصف الليل»

    “اليوم عمري 18 عامًا، ولكن بالعكس” هكذا قال لي إيلي مايو مبتسما، موظف البنك المتقاعد الذي شارك في إحدى العمليات المبهرة لإنقاذ الجالية اليهودية في بور سعيد من براثن الحكومة المصرية آنذاك.
    مايو، ابن قائد جوقة الترتيل ورئيس الطائفة اليهودية المحلية، تعود مخيلته بالزمن إلى الوراء، إلى الفترة التي كانت البلدة المصرية التي كان يقطنها تحت الانتداب البريطاني، والتي كانت تعد مصيفًا ورمزًا للتعايش بين العرب واليهود. “كان لوالدي علاقات قوية مع السكان والقيادات الحكومية المحلية، وكان يدعى دائمًا إلى الفعاليات التي ينظمها الحاكم”.
    لكن الأنشودة الريفية التي يصورها مايو بشعور من الحنين سرعان ما انتهت. “بدأنا نكتشف أن المصريين يتجسسون علينا، ويراقبون أفعالنا عن كثب، وأحيانًا كانوا يجرون تفتيشًا مفاجئًا. وفي الأعياد كانوا يقومون بإلقاء الحجارة على المعبدين الموجودين في البلدة، أحدهم كان يعمل به أبي قائدًا للجوقة، وقد اضطررنا لدفع رشاوى للشرطة لتقوم بحمايتنا من مهاجمة الحشود لنا”.
    في 15/5/1948 في منتصف الليل، تغيرت حياة الأسرة إلى الأبد، فيقول “كان أخي إسحق، كما اتضح فيما بعد؛ أول معتقل في تاريخ الطائفة اليهودية”. يحكي مايو عما عرف باسم موجة الاعتقالات التي امتدت لتشمل اليهود في جميع أنحاء مصر، والتي بدأت في تلك الليلة.
    “لم نعرف طوال عام ونصف ماذا يحدث معه. في البداية اتُهم بأنه شيوعي، وهذا بالطبع كان غير صحيح على الإطلاق. ثم زعموا بأنه حرض على إضراب الضباط في البلدة، الأمر الذي كان كذبًا كذلك. طالب أبي بمحاكمته، لكن لم يحدث شيء. في عام 1951 تم طرده من البلاد، واتجه إلى الولايات المتحدة

    وخرجوا بممتلكات قليلة

    مع الإطاحة بملك مصر آنذاك، الملك فاروق؛ تدهور الوضع. “أصبحنا مفلسين، أبي – مثل باقي يهود مصر – تم الحجز على حساباته المصرفية وممتلكاته، المصانع والمشاريع – أُخِذ كل شيء. لم أستطع أن أكمل تعليمي لأننا لم يكن لدينا مال للمصاريف الدراسية. الوضع كان صعبًا.
    “عملت في البداية بمحل أحذية، وحاولت العثور على وظيفة في بنك، وقد بدأت بحثي في أحد البنوك المحلية الذي كان مديره صديق أبي، قال لي بوضوح بأني مؤهل للحصول على هذه الوظيفة، لكنه تلقى تعليمات صريحة من السلطات بعدم تعيين اليهود. في النهاية تمكنت بطريقة أو بأخرى من العمل في بنك آخر، بريطاني”.
    لم يتردد إيلي مايو في الانضمام إلى خلية سرية يهودية كانت تعمل في بور سعيد، بهدف جمع المعلومات لصالح الدولة الفتية التي تم إنشاؤها، وتهجير اليهود إلى إسرائيل. وكما يقول “تمكنا في نهاية الأمر من القيام بكلا الأمرين”، كانت خليتنا كخلايا الإسكندرية والقاهرة، تم اعتقال خلية القاهرة بعد فضيحة لافون، لكن خليتنا لم تضر. كان الأمر منفصلًا تمامًا. فأفراد المقاومة الذين تم اعتقالهم ليس لديهم أدنى فكرة عن خليتنا.
    في نفس الوقت يصف الكتاب كيف ترك الكثير من اليهود مصر، واحدًا تلو الآخر، مفلسين، وبعضهم مكبل اليدين. حرمت الغالبية العظمى منهم من حق العمل كوسيلة بسيطة لكن فعالة لطردهم من البلاد. أولئك الذين كانوا يحملون جنسيات أجنبية تمكنوا من المغادرة بشكل أسهل قليلًا، لكن هناك من لم يحصل على شهادات مزورة من المقاومة السرية. “لسوء الحظ لا أستطيع أن أقول أكثر من اللازم عن الطريقة الدقيقة التي تم بها ذلك، ولكن عندما تم القبض على أعضاء خلية القاهرة بعد فضيحة لافون، تلقينا أوامر بوقف كل النشاطات”.

    ثم جاء «الجنود الفرنسيون» إلى المعبد

    عام 1956 عقب “العدوان الثلاثي”، عاد مايو ورفاقه في الخلية للعمل مرة أخرى. “كان هناك العديد من القتلى نتيجة لسيطرة البريطانيين على مدينة بورسعيد. وتم حرق الجثث في أكوام بالشوارع. وتم تدمير الحي اليهودي بالكامل، وكانت المعجزة الكبيرة هي عدم وقوع إصابات في الطائفة. وحصل المصريون على الكثير من الذخيرة، وقد كان لدينا تخوف حقيقي أن يتم استخدامها ضدنا.
    “لم يكن لدينا منزل، وجدنا مأوى في مدرسة فرنسية، أمام كنيس والدي، وبطريقة ما تلقيت أوامر للقاء ʹالجنود الفرنسيينʹ الذين سيأتون إلى المعبد، وأن ننتظرهم هناك”.
    يقول مايو “اتضح أن الجنود الفرنسيين هم جنود إسرائيليون متنكرون، جاؤوا لإنقاذ المحتجزين في أحداث فضيحة لافون، لسوء الحظ أدركنا أن ذلك لن يجدي نفعًا، وأن الطريق إلى القاهرة مسدود. ثم خطرت لي فكرة بسرعة تهجير يهود بورسعيد لأنهم كانوا في وضع صعب، وحياتهم معرضة للخطر، على متن سفينة متوجهة لإسرائيل، وقد أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي بن غوريون الضوء الأخضر للأمر، وكذلك انطلقنا”.
    سرًّا، في الخفاء، على متن قوارب صيد
    يروي مايو كيف تنقل من بيت لبيت في الحي المدمر، وأقنع الطائفة اليهودية الخائفة من مغادرة مصر. يقول مايو “لم يكن أحد غيري يعرف أننا متوجهون مباشرة إلى إسرائيل. فقد ظنوا أنهم مسافرون إلى فرنسا كما فعل معظم الهاربين من قبل”.
    بدأت بتنظيمهم، وأحضرتهم سرًا في اليوم المرتقب للنادي اليهودي. عندما وصل الجميع، بدا لنا أن هناك خوفًا كبيرًا من أن يعرف المصريون عن المقابلة، وعما ينتوون فعله. في محاولة لاستجلاب المساعدة، قمنا بالقفز من نافذة النادي إلى الشارع، ومن ثم أوقفتنا دورية بريطانية. كان ذلك بعد حظر التجوال، وقد تم القبض علينا.
    “تعرضت لضرب مُبرح، وأيقنت أنه في تلك الظروف ليس لدينا شيء لنخسره. فقلت لهم إني يهودي، وأننا كنا خائفين من انتقام المواطنين المصريين. حينئذ همس لي أحد الضباط بهدوء أنه يهودي. وقرر البريطانيون وضع حراسة على النادي طوال الليل. لقد نجونا.
    “في الصباح وصلت الشاحنات مع ʹالجنود الفرنسيينʹ إلى الشارع. قائد العملية، لوفيه إلياف؛ توتر لرؤية البريطانيين، فشرحت له ما حدث الليله الماضية. أصعدنا بسرعة إلى الشاحنة كل فرد حاملًا حقيبة صغيرة. بقي الكثير من الأشياء، والملابس، والصور، والكتب ملقاة على الطريق. لقد غادرنا على عجلة من أمرنا ولم ننظر إلى الوراء”.
    في ميناء بورسعيد كان ينتظر أفراد المجموعة سفينتا صيد بهما ʹصيادون إيطاليونʹ. إحداهما كانت مخصصة للشباب والثانية للنساء والأطفال والشيوخ. اختبأنا جميعًا في غرف التبريد بالسفينة حتى خرجنا من المياه الإقليمية المصرية. وقد نجحت الأوراق المزورة التي كان يحملها الصيادون في إقناع موظفي الجمارك البريطانيين، وبعد 23 ساعة وصلنا إلى ميناء حيفا”.

    «وقل لابنك» – النسخة الشخصية

    لكن هؤلاء الذين وصلوا متجردين ومفلسين يصعب عليهم الإذعان لنسيان المأساة التي أدت لتدمير طائفتهم. يقول مايو بأسى “يوجد بحوزتي ما يقرب من 150 اسمًا دونتهم من ذاكرتي لأسر الطائفة. أنا أب وجد، وفي احتفال الأسرة بعيد الفصح الذي أقمناه قبل سنوات، حكيت قصتي أمام السبعين شخصًا الذين كانوا متواجدين هناك. كان الناس في حالة صدمة. فلم يكن هناك كثيرون يعرفون عما فعلناه هناك ومررنا به، وقد مررنا بالكثير.
    حتى بالنسبة لبنيناه أتير، فالفصح هو عيد محمل بشحنة عاطفية وذكريات من الطفولة. تقول أتير “أمي كانت صامتة ولم تتحدث مطلقا عن العائلة. فقط في عيد الفصح تحرك بعض الأغاني والعادات ذاكرتها. عندئذ تكون مستعدة لأن تذكر بعضًا مما كان هناك”.
    “تذكر أمي جدها الذي كان حاخامًا كبيرًا في الإسكندرية، وعادات مثل تحفيز كل فرد للآخر بغناء نشيد الفصح ʹديَينوʹ، والأكياس التي توضع على الكتف، تلك الومضات التي ربطتني بالعائلة التي كانت موجودة قبل النزوح والطرد، حينئذٍ تفرق الجميع في البلاد”.
    والد أتير أُلقي القبض عليه في يوم إعلان قيام دولة إسرائيل، تقول أتير “تحولت والدتي في لحظة من زوجة رجل أعمال ثري، وعازفة بيانو محاطة بالخادمات؛ إلى مفلسة. كنا ثلاثة أطفال صغار جدا، وكنت في الثالثة من عمري فقط. كان والدي سجينًا صهيونيًّا لذلك أُخذ منا كل شيء: المنزل، المال، لم يبقَ شيء. عندما كنت طفلة لم أتذكر سوى عبارات مثل ʹلقد عانى والدكʹ، ʹكان والدك في السجنʹ – لكن المأساة الحقيقية كانت أمي. فقد ظلت صامتة ولم تقل شيئًا. فقط تحدثت بعينيها الحزينتين”.
    “بعد أن أطلق سراح والدي تم طردهم. وجاؤوا إسرائيل بحقيبة ملابس صغيرة، لا أكثر. عندما تقرأ رسائل الناس الذين قدم والدي لهم المساعدة، والخطابات التي كتبها للناس طلبًا للمساعدة – وجميعهم تهربوا، تجد أنه لم يحصل على شيء. وظل عاطلا عن العمل لفترة طويلة”.
    “ففي مصر كان يتم عقد صفقات العمل بالمصافحة، أما هنا فقد تم خداعه مرارًا وتكرارًا. وكان الأمر صعبًا للغاية بالنسبة له، ولم يعرف كيفية التعامل معه”.
    “في كل عام عندما أقول ʹديَينوʹ دائمًا ما تذكرني بأمي، أما الضربات العشر فتذكرني بوالدي، الذي كان يأخذ زجاجة مياه وزجاجة نبيذ ويسكب مرة من ذلك ومرة من ذاك. إن قصة الفصح والخروج بالنسبة لي ليس شيئًا حدث قبل آلاف السنين، وإنما تمثل قصتي العائلية والشخصية. وللأسف فإن هذا أمر لا يعرفه الكثير”.
    وكلما أكثرنا من سرد قصة الخروج الثاني كلما كان ذلك أفضل
    أيضًا بالنسبة للدكتورة أدا أهروني، مؤلفة الكتاب؛ فالفصح هو إيعاز شخصي لأن تحكي عن الخروج الثاني من مصر – تلك الليلة التي عبرت فيها طائفتها. “لقد كان هناك العديد من الكتب التي تحدثت عن يهود مصر، لكنها لم تتحدث عن النزوح والطرد. وكان من المهم بالنسبة لي أن أقوم بذلك كتوثيق شخصي للأمر. كيف أنه من بين مئات الآلاف من الأسر فقدت 73 أسرة كل شيء وطردوا من منازلهم، وتحولوا للاجئين.
    “عيد الفصح هو الوقت المناسب لأحكي للأبناء والأحفاد عن خروجنا من مصر. فأقول لهم كيف كنت أبلغ من العمر 6-7 سنوات عندما سمعت قصة الفصح فسألت جدتي ببراءة “ولكننا مازلنا هنا” فكانت تجيبني بلغة اللادينو: أحيانا يتأخر الله قليلًا، لكنه لا ينسى أبدًا، وسوف يخرجنا من مصر مرة أخرى”.
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك
    Item Reviewed: مترجم: يهود مصر يكسرون حاجز الصمت ويحكون قصة خروجهم Rating: 5 Reviewed By: Unknown
    Scroll to Top